قهوة الصباح

المجد والاكتئاب “7”... سجون بلا جدران

| سيد ضياء الموسوي

الهوس‭ ‬بالأشياء‭ ‬يعكس‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬اضطراب‭ ‬سيكولوجي‭. ‬عندما‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬لحد‭ ‬الجنون‭ ‬فإنك‭ ‬مريض‭ ‬به،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬بالرق‭ ‬السيكولوجي‭. ‬أنت‭ ‬سجين‭ ‬ولو‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬يقول‭ ‬ادونيس‭ ‬“أمر‭ ‬السجون‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬جدران‭ ‬لها”‭. ‬يقول‭ ‬الروائي‭ ‬الروسي‭ ‬ديستوفيسكي‭ ‬“إن‭ ‬أفضل‭ ‬طريقة‭ ‬لمنع‭ ‬سجين‭ ‬من‭ ‬الهروب‭ ‬بأن‭ ‬نتأكد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬سجن”‭.‬

ليس‭ ‬شرطا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬السجن‭ ‬جدرانا،‭ ‬فهناك‭ ‬سجن‭ ‬الفكر،‭ ‬وسجن‭ ‬الأيديولوجيا،‭ ‬وسجن‭ ‬الحب،‭ ‬وسجن‭ ‬المنصب،‭ ‬وسجن‭ ‬الشهرة‭. ‬فرويد‭ ‬وهو‭ ‬العالم‭ ‬النفسي‭ ‬الكبير‭ ‬يداوي‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬الإدمان‭ ‬وهو‭ ‬واقع‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬إدمان‭ ‬التدخين‭ ‬والمهدئات،‭ ‬ولم‭ ‬يستطع‭ ‬علاج‭ ‬نفسه‭.‬

هناك‭ ‬سجن‭ ‬الحب،‭ ‬فالملكة‭ ‬جوانا‭ ‬الأولى‭ ‬وهي‭ ‬الملكة‭ ‬الملقبة‭ ‬بالمجنونة،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬مفتونة‭ ‬لحد‭ ‬الهوس‭ ‬بزوجها‭ ‬الوسيم‭ ‬الأمير‭ ‬فيليب،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تزوجته‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1496،‭ ‬لذا‭ ‬فقد‭ ‬رفضت‭ ‬بعد‭ ‬موته‭ ‬أن‭ ‬تنفصل‭ ‬عن‭ ‬جثته،‭ ‬وأمرت‭ ‬بتركه‭ ‬بداخل‭ ‬تابوت‭ ‬مفتوح‭ ‬إلى‭ ‬جوارها،‭ ‬حتى‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬احتضانه‭ ‬كل‭ ‬حين‭. ‬هي‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تداوها‭ ‬بعقاقير‭ ‬التوازن‭ ‬ستقودك‭ ‬إلى‭ ‬الجنون‭ ‬وفقد‭ ‬جمال‭ ‬الحياة‭.‬

ماتت‭ ‬ديانا‭ ‬يوم‭ ‬زواجها‭ ‬عندما‭ ‬دخلت‭ ‬بئر‭ ‬الحب‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬واحد،‭ ‬واستسلمت‭ ‬للتعلق‭ ‬المرضى‭. ‬كانت‭ ‬تعاني‭ ‬بعض‭ ‬الآلام‭ ‬رغم‭ ‬أني‭ ‬أظن‭ ‬بأن‭ ‬كبرياءها‭ ‬يؤلمها‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭. ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬قيودا‭ ‬مذهبة‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تخدع‭ ‬الفرح،‭ ‬ولأنها‭ ‬لم‭ ‬تشتغل‭ ‬على‭ ‬تفكيك‭ ‬الوجع‭ ‬بإعادة‭ ‬تركيب‭ ‬الفرح‭ ‬بدلا‭ ‬عنه‭ ‬ظلت‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬فرح‭ ‬مسروق‭! ‬فكي‭ ‬تهزم‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬القاسي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬جمال‭ ‬المظهر‭ ‬ورقة‭ ‬القلب‭. ‬

الشاعر‭ ‬الروسي‭ ‬ماياكوفسكي‭ ‬انتحر‭ ‬بسبب‭ ‬الحب،‭ ‬فلم‭ ‬تسعفه‭ ‬ثقافته‭ ‬عندما‭ ‬خيبت‭ ‬الثورة‭ ‬الشيوعية‭ ‬آماله،‭ ‬وهذا‭ ‬يعكس‭ ‬ضعفا‭ ‬سيكولوجيا‭ ‬داخليا‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬الشاعر‭. ‬

كلما‭ ‬قللت‭ ‬من‭ ‬أهميةً‭ ‬الأشياء‭ ‬كلما‭ ‬أرحت‭ ‬قلبك‭ ‬وعقلك‭. ‬عامل‭ ‬الحياة‭ ‬كمسرح‭ ‬بفصلين‭ ‬كوميدي‭ ‬وتراجيدي‭. ‬لا‭ ‬تلهث‭ ‬وراء‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬ولو‭ ‬مجدا‭. ‬قم‭ ‬بدورك‭ ‬ولا‭ ‬تنتظر‭ ‬لا‭ ‬تصفيق‭ ‬الناس‭ ‬ولا‭ ‬ذمهم‭. ‬اشتغل‭ ‬بالجمال‭ ‬ستتله‭ ‬عن‭ ‬القبح‭. ‬يقول‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ (‬ع‭) ‬وهو‭ ‬يصف‭ ‬العظماء‭ ‬الحقيقيين‭ ‬والإنسان‭ ‬ذا‭ ‬الكمال‭ ‬البشري‭ ‬“عَظُمَ‭ ‬الخَالِقُ‭ ‬فِي‭ ‬أنْفُسِهِمْ‭ ‬فَصَغُرَ‭ ‬مَا‭ ‬دُونَهُ‭ ‬فِي‭ ‬أعْيُنِهِمْ”،‭ ‬“قُرَّةُ‭ ‬عَيْنِهِ‭ ‬فِيَما‭ ‬لا‭ ‬يَزُولُ،‭ ‬وَزَهَادَتُهُ‭ ‬فِيَما‭ ‬لا‭ ‬يَبْقى”‭. ‬ويقول‭ ‬في‭ ‬عبودية‭ ‬الحب‭ ‬أو‭ ‬الرق‭ ‬السيكولوجي‭ ‬الاحتياجي‭ ‬“احتج‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬شئت‭ ‬تكن‭ ‬أسيره”‭. ‬

بيتهوفن‭ ‬وفان‭ ‬جوخ‭ ‬وديانا‭ ‬ومايكل‭ ‬أنجلو‭ ‬وزليخة‭ ‬وقيس‭ ‬بن‭ ‬الملوح‭ ‬كانوا‭ ‬سجناء‭ ‬الحب،‭ ‬ونابليون‭ ‬ولويس‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬والسادس‭ ‬عشر‭ ‬كانوا‭ ‬عبيد‭ ‬مجد‭ ‬التمدد‭ ‬والسلطة،‭ ‬وبيكاسو‭ ‬كان‭ ‬سجين‭ ‬استبدال‭ ‬النساء‭ ‬وبودلير‭ ‬عبد‭ ‬هوس‭ ‬الأم‭. ‬وكلهم‭ ‬سقطوا‭ ‬في‭ ‬بئر‭ ‬التعاسة‭ ‬العميقة؛‭ ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬يعرفوا‭ ‬كوكتيل‭ ‬الحياة،‭ ‬والوسطية،‭ ‬وتصفير‭ ‬أهمية‭ ‬الأشياء‭.‬