ثوابتنا‭ ‬الوطنية

| د. عبدالله الحواج

ثوابتنا‭ ‬الوطنية‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬اعتبار‭.. ‬هكذا‭ ‬يؤكد‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا،‭ ‬عاداتنا‭ ‬مهمة،‭ ‬تقاليدنا‭ ‬أهم،‭ ‬مرتكزات‭ ‬حياتنا،‭ ‬ومنابع‭ ‬ثروتنا‭ ‬البشرية‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬المقدمة‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬انطلق‭ ‬سموه‭ ‬في‭ ‬تصريحه‭ ‬المدوي‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬عدة؛‭ ‬ليشدد‭ ‬على‭ ‬ضوابط‭ ‬بعينها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإعلام،‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬جديدة‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬يرتبط‭ ‬بها‭ ‬الإعلامي‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬مسؤولًا‭ ‬بحرية‭ ‬وحرًا‭ ‬بمسؤولية‭.‬

لا‭ ‬حرية‭ ‬مطلقة‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬العريقة‭ ‬ولا‭ ‬تضييق‭ ‬بفوضى‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬القانون‭ ‬هو‭ ‬الآمر‭ ‬الناهي‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المفترقات‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬فصاحة‭ ‬التعبير‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أساسات‭ ‬تراثنا‭ ‬العربي،‭ ‬وأن‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬هندسة‭ ‬الكلمات‭ ‬الموزونة‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان‭ ‬بحيث‭ ‬تصبح‭ ‬الجملة‭ ‬المفيدة‭ ‬هي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬ما‭ ‬قل‭ ‬ودل،‭ ‬لكن‭ ‬الصحيح‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬ثوابت‭ ‬الأمة‭ ‬تفرض‭ ‬علينا‭ ‬احترام‭ ‬الآخر،‭ ‬وتؤكد‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬أنف‭ ‬غيره،‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬غيره‭ ‬أن‭ ‬يتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬أنف‭ ‬المعتدي‭.‬

هكذا‭ ‬تُعلمنا‭ ‬تقاليدنا،‭ ‬وهكذا‭ ‬تفرض‭ ‬علينا‭ ‬مواثيقنا‭ ‬الإنسانية‭ ‬“العين‭ ‬بالعين،‭ ‬والسن‭ ‬بالسن‭ ‬والبادي‭ ‬أظلم”‭.‬

ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬حدائق‭ ‬لمناجاة‭ ‬الشراسة،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬غابات‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬لوداعة‭ ‬الإنسانية‭ ‬فيها،‭ ‬إلى‭ ‬ساحات‭ ‬قتال‭ ‬لا‭ ‬يحكمها‭ ‬إلا‭ ‬هوى‭ ‬المتصارعين‭ ‬أو‭ ‬هؤلاء‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬الشقاء‭ ‬عندما‭ ‬تتساوى‭ ‬الرؤوس،‭ ‬وتلامس‭ ‬الأكتاف‭ ‬الثرى‭.‬

إننا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬كما‭ ‬القرية‭ ‬الصغيرة،‭ ‬حرية‭ ‬تبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬فيه‭ ‬لا‭ ‬يغمض‭ ‬لها‭ ‬جفن،‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة‭ ‬متوافرة،‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المنظور‭ ‬مكفولة‭ ‬ومتاحة،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬من‭ ‬مصادرها‭ ‬الحقيقة‭ ‬ربما‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬أولويات‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة،‭ ‬الأكاذيب‭ ‬كثيرة،‭ ‬وفنانو‭ ‬الترويج‭ ‬لها‭ ‬تكاثروا‭ ‬بشكل‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬له‭ ‬مثيل،‭ ‬ربما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أدوات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تفرق‭ ‬بين‭ ‬الغث‭ ‬والسمين،‭ ‬بين‭ ‬الجريمة‭ ‬والعقاب،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬الحقيقة‭ ‬والخيال،‭ ‬وربما‭ ‬هي‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬إفساد‭ ‬عقول‭ ‬الأجيال‭ ‬الطالعة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬حشوها‭ ‬بمعلومات‭ ‬مغلوطة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الزج‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬غياهب‭ ‬الجاهلية‭ ‬المقيتة‭ ‬باستخدام‭ ‬معاول‭ ‬هدامة‭ ‬وشعارات‭ ‬براقة‭.‬

إن‭ ‬ثوابتنا‭ ‬فوق‭ ‬أي‭ ‬اعتبار،‭ ‬هكذا‭ ‬يؤكد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬توجيهه‭ ‬الرادع‭ ‬لفوضى‭ ‬تداول‭ ‬المعلومات،‭ ‬وهكذا‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يحكم‭ ‬قبضته‭ ‬على‭ ‬الغربال‭ ‬عندما‭ ‬تتساقط‭ ‬من‭ ‬فتحاته‭ ‬المعلومات‭ ‬الدخيلة‭ ‬لتستقر‭ ‬في‭ ‬باطنه‭ ‬المعلومات‭ ‬الحقيقية‭ ‬الأصيلة‭.‬

إنها‭ ‬رؤية‭ ‬حاكم‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬الكلمة‭ ‬مسؤولية،‭ ‬وأن‭ ‬المعلومة‭ ‬رسالة،‭ ‬وأن‭ ‬العلم‭ ‬نور،‭ ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أمامنا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نشد‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الرئيس،‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬له‭ ‬ونحن‭ ‬من‭ ‬حملة‭ ‬القلم،‭ ‬نحن‭ ‬معك،‭ ‬سر‭ ‬على‭ ‬بركة‭ ‬الله،‭ ‬علمنا‭ ‬هو‭ ‬سلاحنا،‭ ‬وشرف‭ ‬الكلمة‭ ‬هو‭ ‬ديدننا،‭ ‬وروح‭ ‬العصر‭ ‬هي‭ ‬سلاحنا‭ ‬نحو‭ ‬التقدم‭.‬

إن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬تتمتع‭ ‬بسقف‭ ‬شاهق‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬المسئولة،‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬بأهمية‭ ‬الكلمة،‭ ‬والإدراك‭ ‬بمداها‭ ‬المستقل،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تؤمن‭ ‬بأن‭ ‬العدوان‭ ‬بـ‭ ‬“الجمل‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬مفيدة”‭ ‬أكثر‭ ‬شراسة‭ ‬وفتكًا‭ ‬من‭ ‬رصاصة‭ ‬مجهولة‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬مصدرها‭ ‬إلا‭ ‬الله،‭ ‬لذا‭ ‬أصبح‭ ‬التقنين‭ ‬ضروريًا،‭ ‬والفرز‭ ‬مصيريًا،‭ ‬والتجاوز‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬له‭ ‬تحت‭ ‬الشمس‭.‬