أزمة الحداثة معنا.. من المسؤول؟

| عبدالنبي الشعلة

سأبدأ‭ ‬بخلاصة‭ ‬أو‭ ‬زبدة‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬محورين‭: ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬أننا،‭ ‬نحن‭ ‬معشر‭ ‬العرب‭ ‬جميعًا،‭ ‬نعيش‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬مأزق‭ ‬حضاري‭ ‬وفي‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬التخلف‭ ‬والتأخر‭ ‬والانحدار،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المأزق‭ ‬إلا‭ ‬بتبني‭ ‬واعتناق‭ ‬الحداثة‭ ‬بأوجهها‭ ‬كافة،‭ ‬وبكل‭ ‬ثقة‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬تردد‭ ‬أو‭ ‬خوف‭ ‬أو‭ ‬وجل‭. ‬والثاني‭ ‬أن‭ ‬الأنظمة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭ ‬وخصوصا‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية،‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬بريئة‭ ‬براءة‭ ‬الذئب‭ ‬من‭ ‬دم‭ ‬يوسف،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬وتبعات‭ ‬ما‭ ‬تواجهه‭ ‬الحداثة‭ ‬من‭ ‬صد‭ ‬وتنكر‭ ‬ومعوقات‭ ‬ومثبطات‭ ‬في‭ ‬منطقتنا،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬تبدو‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬أكثر‭ ‬انفتاحًا‭ ‬وثقة‭ ‬وأكثر‭ ‬استعدادًا‭ ‬ورغبة‭ ‬لتقبل‭ ‬واحتضان‭ ‬الحداثة‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬وتيارات‭ ‬الصد‭ ‬والممانعة‭ ‬الحضارية‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭. ‬وآخر‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬الشقيقة‭.‬

إن‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬عرقلة‭ ‬وإجهاض‭ ‬انطلاقنا‭ ‬نحو‭ ‬آفاق‭ ‬الحداثة‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يثقون‭ ‬في‭ ‬صلابة‭ ‬وقوة‭ ‬معتقداتنا‭ ‬وقيمنا،‭ ‬ويقولون‭ ‬إنهم‭ ‬يخافون‭ ‬عليها،‭ ‬وهم‭ ‬لذلك‭ ‬يخلقون‭ ‬ويخترعون‭ ‬أو‭ ‬يتصورون‭ ‬وجود‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الصدام‭ ‬والصراع‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬مختلف‭ ‬تجليات‭ ‬الحداثة،‭ ‬إنهم‭ ‬عناصر‭ ‬ومكونات‭ ‬من‭ ‬التيارات‭ ‬والقوى‭ ‬الذين‭ ‬نصبوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬حراسًا‭ ‬وحجابًا‭ ‬وسدنة‭ ‬لقيمنا‭ ‬ومعتقداتنا،‭ ‬وادعوا‭ ‬أنهم‭  ‬أكثر‭ ‬غيرة‭ ‬وحرصًا‭ ‬من‭ ‬غيرهم‭ ‬عليها‭.‬

هم‭ ‬الذين‭ ‬يصرون‭ ‬على‭ ‬احتكار‭ ‬الحقيقة،‭ ‬وعلى‭ ‬تحريف‭ ‬الكلم‭ ‬عن‭ ‬مواضعه،‭ ‬ولغاية‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬يعقوب،‭ ‬هم‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يفهموا‭ ‬ويتعمدوا‭ ‬أن‭ ‬يتجاهلوا‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الحداثة‭ ‬لا‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬محاربة‭ ‬المعتقدات‭ ‬والقيم‭ ‬والقضاء‭ ‬عليها،‭ ‬وأن‭ ‬الحداثة‭ ‬أصبحت‭ ‬آلية‭ ‬حضارية‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنها‭ ‬لتوفير‭ ‬خيارات‭ ‬ضمن‭ ‬منظومة‭ ‬فكرية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬العقلانية‭ ‬التي‭ ‬تنطلق‭ ‬منها‭ ‬الحركة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬العامة‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬الحداثة‭ ‬ولدت‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬مرتكزة‭ ‬ومبنية‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬“التغيير”‭ ‬الذي‭ ‬انبثق‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الفيلسوف‭ ‬العلامة‭ ‬ابن‭ ‬خلدون،‭ ‬الذي‭ ‬اعتبر‭ ‬التغيير‭ ‬سنَّة‭ ‬الحياة‭ ‬ولا‭ ‬مفر‭ ‬منه‭ ‬ومن‭ ‬دونه‭ ‬تصبح‭ ‬المجتمعات‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬سكون‭ ‬وركود‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الانحلال‭ ‬والتفسخ،‭ ‬وقال‭: ‬“إن‭ ‬أحوال‭ ‬العالم‭ ‬والأمم‭ ‬وعوائدهم‭ ‬ونحلهم‭ ‬لا‭ ‬تدوم‭ ‬على‭ ‬وتيرة‭ ‬واحدة‭ ‬ومنهاج‭ ‬مستقر،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬اختلاف‭ ‬على‭ ‬الأيام‭ ‬والأزمنة،‭ ‬وانتقال‭ ‬من‭ ‬حال‭ ‬إلى‭ ‬حال”،‭ ‬وأضاف‭ ‬بأنه‭ ‬“إذا‭ ‬تبدلت‭ ‬الأحوال‭ ‬جملة،‭ ‬فكأّنما‭ ‬تبدل‭ ‬الخلق‭ ‬من‭ ‬أصله‭ ‬وتحول‭ ‬العالم‭ ‬بأسره،‭ ‬وأنه‭ ‬خلق‭ ‬جديد‭ ‬ونشأة‭ ‬مستأنفة‭ ‬وعالم‭ ‬محدَث”‭.‬

وإذا‭ ‬اكتفينا‭ ‬لضيق‭ ‬المساحة‭ ‬بالتطرق‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬الجوانب‭ ‬الثقافية‭ ‬للحداثة،‭ ‬وعدنا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬ذكرناه‭ ‬في‭ ‬وقفة‭ ‬سابقة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الآداب‭ ‬والفنون‭ ‬بمختلف‭ ‬صورها‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أسس‭ ‬ازدهار‭ ‬وتقدم‭ ‬أي‭ ‬حضارة‭ ‬إنسانية،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬قواعد‭ ‬تطورها‭ ‬ونموها‭ ‬العلمي‭ ‬والثقافي‭. ‬وإن‭ ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬وثيقة‭ ‬وترابطا‭ ‬قويا‭ ‬واضحا‭ ‬بين‭ ‬الفنون‭ ‬والعلوم،‭ ‬فالفنون‭ ‬تغذي‭ ‬العلوم‭ ‬وتحفز‭ ‬مخيلة‭ ‬الابتكارات‭ ‬والإبداعات‭ ‬والاكتشافات‭ ‬العلمية،‭ ‬وعندما‭ ‬ترتقي‭ ‬الآداب‭ ‬والفنون‭ ‬وتتقدم‭ ‬يرتقي‭ ‬معها‭ ‬التطور‭ ‬الفكري‭ ‬والعلمي‭ ‬والنمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬دعونا‭ ‬نرى‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬يتربص‭ ‬ويضع‭ ‬المرشحات‭ ‬والعوائق‭ ‬ويقف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬انسياب‭ ‬العلوم‭ ‬والثقافات‭ ‬والمعارف‭ ‬وتدفق‭ ‬مختلف‭ ‬المخرجات‭ ‬والإرهاصات‭ ‬الفكرية‭ ‬والأدبية‭ ‬والفنية‭ ‬إلى‭ ‬مجتمعاتنا؟‭ ‬ومن‭ ‬الذي‭ ‬يعارض‭ ‬تدريس‭ ‬الموسيقى‭ ‬والفنون‭ ‬في‭ ‬المدارس،‭ ‬وضغط‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬وإلغاء‭ ‬حفلات‭ ‬وعروض‭ ‬فنية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وافقت‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬المختصة‭ ‬على‭ ‬إقامتها؟‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬يبتز‭ ‬ويضغط‭ ‬على‭ ‬الأنظمة‭ ‬لفرض‭ ‬وتشديد‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬الكتب‭ ‬والنصوص‭ ‬الأدبية‭ ‬والفنية،‭ ‬ومنع‭ ‬بناء‭ ‬المسارح‭ ‬ودور‭ ‬السينما؟‭ ‬ومن‭ ‬الذي‭ ‬يعوق‭ ‬الأدباء‭ ‬والكتاب‭ ‬والمفكرين‭ ‬والفنانين‭ ‬عن‭ ‬الإبداع‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬بدعة‭ ‬ضلالة؟‭ ‬ومن‭ ‬الذي‭ ‬يحشو‭ ‬أفكارنا‭ ‬بكوابيس‭ ‬الخوف‭ ‬والرعب‭ ‬والفزع‭ ‬من‭ ‬الحداثة‭ ‬وعلوم‭ ‬العصر‭ ‬وثقافات‭ ‬وفنون‭ ‬الآخرين،‭ ‬أهي‭ ‬الأنظمة‭ ‬الحاكمة‭ ‬أم‭ ‬القوى‭ ‬والتيارات‭ ‬المناهضة‭ ‬للحداثة؟

إن‭ ‬حقائق‭ ‬التاريخ‭ ‬تشهد‭ ‬وتؤكد‭ ‬أن‭ ‬أوروبا‭ ‬عندما‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬غياهب‭ ‬الجهل‭ ‬والتخلف،‭ ‬وأرادت‭ ‬الزحف‭ ‬والانطلاق‭ ‬نحو‭ ‬التطور‭ ‬والنمو‭ ‬والتقدم‭ ‬عملت‭ ‬أولًا‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬وترسيخ‭ ‬مبدأ‭ ‬احترام‭ ‬وصيانة‭ ‬الأديان‭ ‬وضمان‭ ‬حرية‭ ‬التعبد،‭ ‬ثم‭ ‬وضعت‭ ‬قساوسة‭ ‬الكنائس‭ ‬ورهبانها‭ ‬في‭ ‬أماكنهم‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬الأديرة‭ ‬والصوامع،‭ ‬لولا‭ ‬ذلك‭ ‬لما‭ ‬تقدم‭ ‬الغرب‭ ‬ولما‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يكتشف‭ ‬أن‭ ‬الأرض‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الشمس‭ ‬أو‭ ‬يكتشف‭ ‬الكهرباء‭ ‬أو‭ ‬ينتج‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأدوية‭ ‬والعلاجات‭ ‬أو‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الاختراعات‭ ‬والاكتشافات‭ ‬التي‭ ‬نحن‭ ‬الآن‭ ‬نتمتع‭ ‬بها‭ ‬مثل‭ ‬السيارات‭ ‬والطائرات‭ ‬والمكيفات‭ ‬وأجهزة‭ ‬الاتصالات‭ ‬والآلاف‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬المخترعات‭ ‬والمكتشفات‭ ‬التي‭ ‬ليس‭ ‬لأي‭ ‬عالم‭ ‬عربي‭ ‬أو‭ ‬مسلم‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬منها،‭ ‬إن‭ ‬حرية‭ ‬الأديان‭ ‬والتعبد‭ ‬التي‭ ‬كفلتها‭ ‬أوروبا‭ ‬تحت‭ ‬ظلال‭ ‬الحداثة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أتاحت‭ ‬للمسلمين‭ ‬اليوم‭ ‬بناء‭ ‬المئات‭ ‬وربما‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المساجد‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬اعتنقت‭ ‬الحداثة‭.‬

إسرائيل،‭ ‬التي‭ ‬أقيمت‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬ديني‭ ‬قبل‭ ‬70‭ ‬عامًا‭ ‬فقط،‭ ‬قد‭ ‬أُنشئت‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬فوق‭ ‬مرتكزات‭ ‬قوية‭ ‬من‭ ‬الحداثة،‭ ‬وقد‭ ‬ألحقت‭ ‬بنا‭ ‬الهزيمة‭ ‬تلو‭  ‬الأخرى،‭ ‬وهي‭ ‬متفوقة‭ ‬ومتقدمة‭ ‬علينا‭ ‬بأشواط‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬المجالات‭! ‬ربما‭ ‬لأننا‭ ‬لم‭ ‬نسمع‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬أحبارها‭ ‬وحاخاماتها‭ ‬عارض‭ ‬أو‭ ‬تصدى‭ ‬لأي‭ ‬وجه‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬الحداثة‭ ‬الغربية؛‭ ‬بحجة‭ ‬الخوف‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬المعتقدات‭ ‬والقيم‭ ‬اليهودية‭.‬

الشنتو‭ ‬هي‭ ‬ديانة‭ ‬الأغلبية‭ ‬في‭ ‬اليابان،‭ ‬تتبعها‭ ‬البوذية،‭ ‬وإمبراطور‭ ‬اليابان‭ ‬له‭ ‬مكانة‭ ‬وصفة‭ ‬دينية‭ ‬مقدسة،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬قاد‭ ‬عملية‭ ‬اقتحام‭ ‬اليابان‭ ‬لكافة‭ ‬آفاق‭ ‬الحداثة،‭ ‬وجعل‭ ‬اليابانيين‭ ‬يفتحون‭ ‬أبوابهم‭ ‬وصدورهم‭ ‬وعقولهم‭ ‬أمام‭ ‬نفحاتها،‭ ‬ولم‭ ‬نسمع‭ ‬أن‭ ‬كهنة‭ ‬الشنتو‭ ‬أو‭ ‬الكهنة‭ ‬البوذيين‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬أبدوا‭ ‬أي‭ ‬قلق‭ ‬أو‭ ‬تخوف‭ ‬على‭ ‬مصير‭ ‬معتقدات‭ ‬وقيم‭ ‬كلتا‭ ‬الديانتين،‭ ‬وبفضل‭ ‬الحداثة،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬انتشال‭ ‬اليابان‭ ‬من‭ ‬أوحال‭ ‬التخلف‭ ‬وتم‭ ‬الصعود‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬مصاف‭ ‬الدول‭ ‬المتطورة‭ ‬المتقدمة،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬اليابانيون‭ ‬يعتزون‭ ‬ويفخرون‭ ‬بقيمهم‭ ‬وأصالتهم‭ ‬وتراثهم‭ ‬وخصوصياتهم‭ ‬ويتمسكون‭ ‬بها،‭ ‬وقد‭ ‬حرصوا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتضمن‭ ‬دستورهم‭ ‬مادة‭ ‬تحمل‭ ‬رقم‭ ‬20‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬“حرية‭ ‬الدين‭ ‬مضمونة‭ ‬للجميع‭. ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تحصل‭ ‬أي‭ ‬منظمة‭ ‬دينية‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬دعم‭ ‬مالي‭ ‬من‭ ‬الحكومة،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بأي‭ ‬نشاط‭ ‬سياسي”‭.‬

في‭ ‬الصين‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬الوضع‭ ‬مشابه‭ ‬للحال‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬وفيتنام‭ ‬في‭ ‬الطريق‭. ‬

لماذا‭ ‬لا‭ ‬نكون‭ ‬إذًا‭ ‬مثل‭ ‬اليابانيين،‭ ‬إذا‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬مثل‭ ‬الأوروبيين؟‭ ‬لماذا‭ ‬نظن‭ ‬أن‭ ‬معتقداتنا‭ ‬وقيمنا‭ ‬ضعيفة‭ ‬ومستهدفة‭ ‬ونضعها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬وحرب‭ ‬مع‭ ‬الحداثة؟

يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬الهند‭ ‬اليوم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1‭.‬3‭ ‬مليار‭ ‬نسمة،‭ ‬غالبيتهم‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬الهندوس،‭ ‬وقد‭ ‬عشت‭ ‬فيها‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬ولا‭ ‬أزال‭ ‬أزورها‭ ‬وأتردد‭ ‬عليها‭ ‬بانتظام،‭ ‬ورأيتها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نالت‭ ‬استقلالها‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1947م،‭ ‬تنطلق‭ ‬مقتحمة‭ ‬تخوم‭ ‬الحداثة‭ ‬وحصونها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬تبوء‭ ‬مركز‭ ‬متقدم‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬المتطورة،‭ ‬وأصبحت‭ ‬قوة‭ ‬اقتصادية‭ ‬ونووية‭ ‬صاعدة‭ ‬مع‭ ‬قدرات‭ ‬تصنيعية‭ ‬وعلمية‭ ‬هائلة‭ ‬مكنتها‭ ‬من‭ ‬إطلاق‭ ‬وإرسال‭ ‬مركبات‭ ‬للفضاء‭ ‬وللمريخ،‭ ‬ولم‭ ‬نرَ‭ ‬أو‭ ‬نسمع‭ ‬أن‭ ‬أيًا‭ ‬من‭ ‬الكهنة‭ ‬الهندوس‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬فتح‭ ‬فمه‭ ‬ليعترض‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬الحداثة‭ ‬إلى‭ ‬الهند‭ ‬بحجة‭ ‬أنها‭ ‬تهدد‭ ‬المعتقدات‭ ‬والقيم‭ ‬الهندوسية‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬الفكر‭ ‬الوحيد‭ ‬الباقي‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬إشكالية‭ ‬مع‭ ‬واقع‭ ‬“الحداثة”‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر،‭ ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬يسعنا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نتمنى‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬العلي‭ ‬القدير‭ ‬أن‭ ‬يمن‭ ‬علينا‭ ‬بالهداية‭ ‬والسداد‭ ‬والتوفيق،‭ ‬وأن‭ ‬يمكن‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬تخطي‭ ‬هذه‭ ‬الغمة‭ ‬ومن‭ ‬النهوض‭ ‬من‭ ‬كبوتها‭ ‬واللحاق‭ ‬بركب‭ ‬الحضارة‭ ‬والتقدم‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬إسعاد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬إنه‭ ‬سميع‭ ‬مجيب،‭ ‬وأشهد‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬إله‭ ‬إلا‭ ‬الله،‭ ‬وأن‭ ‬محمدًا‭ ‬عبده‭ ‬ورسوله‭.‬