كاتدرائية‭ ‬نوتردام‭... ‬دروس‭ ‬وعبر

| زهير توفيقي

تابع‭ ‬الجميع‭ ‬الحريق‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬اندلع‭ ‬في‭ ‬كنيسة‭ ‬نوتردام‭ ‬الفرنسية‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي،‭ ‬هذا‭ ‬المعلم‭ ‬التاريخي‭ ‬والحضاري‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬تاريخه‭ ‬إلى‭ ‬850‭ ‬عامًا،‭ ‬ويزوره‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬13‭ ‬مليون‭ ‬سائح‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وتم‭ ‬إدراجه‭ ‬على‭ ‬لائحة‭ ‬اليونسكو‭ ‬للتراث‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬1991م،‭ ‬واستغرق‭ ‬بناؤه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬عام‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لفت‭ ‬نظري‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬هذا‭ ‬الحادث‭ ‬سرعة‭ ‬تجاوب‭ ‬الفرنسيين‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الثروات،‭ ‬وملاك‭ ‬العلامات‭ ‬التجارية‭ ‬الفاخرة،‭ ‬والشركات‭ ‬التجارية‭ ‬والنفطيّة‭ ‬الضخمة،‭ ‬ومبادرتهم‭ ‬بالتبرع‭ ‬ضمن‭ ‬حملة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إنقاذ‭ ‬هذه‭ ‬الأيقونة‭ ‬التي‭ ‬تُعتبر‭ ‬رمزًا‭ ‬للتراث‭ ‬والوحدة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬والمذهل‭ ‬أن‭ ‬مجموع‭ ‬التبرعات‭ ‬بلغ‭ ‬خلال‭ ‬يومين‭ ‬فقط‭ ‬450‭ ‬مليون‭ ‬يورو‭!  ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬وعد‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬بإعادة‭ ‬بناء‭ ‬الكاتدرائيّة‭ ‬في‭ ‬أقرب‭ ‬وقت‭ ‬بما‭ ‬لن‭ ‬يتجاوز‭ ‬5‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬الأكثر،‭ ‬موضحاً‭ ‬أنه‭ ‬سيطلق‭ ‬حملة‭ ‬دولية‭ ‬لجمع‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التبرعات‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬كما‭ ‬لفتت‭ ‬نظري‭ ‬أيضاً‭ ‬سرعة‭ ‬الاستجابة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يُمثّل‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬قمة‭ ‬الوطنية‭ ‬والولاء‭. ‬نعم‭.. ‬هذه‭ ‬المحنة‭ ‬أسفرت‭ ‬عن‭ ‬دروس‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نستفيد‭ ‬منها،‭ ‬فعند‭ ‬المحن‭ ‬تتضح‭ ‬المعادن‭ ‬وتبرز‭ ‬المحبّة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للوطن‭. ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬الشرقية،‭ ‬ومع‭ ‬بالغ‭ ‬الاحترام،‭ ‬لا‭ ‬نلمس‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬من‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬الخاصة‭ ‬من‭ ‬بنوك‭ ‬وشركات‭ ‬ورجال‭ ‬أعمال‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الميسورين‭ ‬الذين‭ ‬نجدهم‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬يتلكؤون‭ ‬في‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬التبرّع‭ ‬وتقديم‭ ‬الدعم‭ ‬والمساندة‭ ‬لرّد‭ ‬جميل‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬الذي‭ ‬يأكلون‭ ‬من‭ ‬خيراته‭. ‬لهذا،‭ ‬فإن‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬الرشيدة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬تفعيل‭ ‬توجهاتها‭ ‬لتنويع‭ ‬مصادر‭ ‬الدخل‭ ‬ودعم‭ ‬ميزانياتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فرض‭ ‬ضرائب‭ ‬أو‭ ‬رسوم‭ ‬سنوية‭ ‬على‭ ‬أرباح‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات،‭ ‬فقانون‭ ‬مثل‭ ‬هذا،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬مخطئاً،‭ ‬كان‭ ‬مفروضاً‭ ‬في‭ ‬ثمانينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬على‭ ‬البنوك‭ ‬المحلية‭ ‬والأجنبية،‭ ‬ولكنه‭ ‬للأسف‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مفعلًا‭.  ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر،‭ ‬فإن‭ ‬هيئة‭ ‬الثقافة‭ ‬والآثار‭ ‬ممثلة‭ ‬مع‭ ‬رئيستها‭ ‬الشيخة‭ ‬مي‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬تبذل‭ ‬جهوداً‭ ‬مضنية‭ ‬وملحوظة‭ ‬للنهوض‭ ‬بالحركة‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬المملكة،‭ ‬والكل‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الشخصيّة‭ ‬الوطنيّة‭ ‬المخلصة،‭ ‬لكنها‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬جهودا‭ ‬بحاجة‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬المادي‭ ‬كي‭ ‬تتناسب‭ ‬والوجه‭ ‬الراقي‭ ‬للمملكة،‭ ‬لكن‭ ‬نظرًا‭ ‬لمحدودية‭ ‬الميزانية‭ ‬المخصصة‭ ‬للهيئة،‭ ‬نجد‭ ‬هذه‭ ‬السيدّة‭ ‬الراقيّة‭ ‬تقوم‭ ‬بشكل‭ ‬شخصي‭ ‬بطرق‭ ‬أبواب‭ ‬البنوك‭ ‬والشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الخاصة‭ ‬والتجار‭ ‬لحثّهم‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬للهيئة‭. ‬ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه،‭ ‬إلى‭ ‬متى‭ ‬تظل‭ ‬الجهات‭ ‬المستحقة‭ ‬تشحذ‭ ‬دعم‭ ‬الشركات؟‭ ‬ألم‭ ‬يحن‭ ‬الوقت‭ ‬بعد‭ ‬لإلزام‭ ‬هذه‭ ‬الكيانات‭ ‬بالمبادرة‭ ‬لخدمة‭ ‬مجتمعها‭.‬

ينبغي‭ ‬على‭ ‬النواب‭ ‬المبادرة‭ ‬بالنظر‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬إصدار‭ ‬قانون‭ ‬بتخصيص‭ ‬نسبة‭ ‬سنوية‭ ‬من‭ ‬الأرباح‭ ‬يتم‭ ‬استخدامها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جميع‭ ‬وزارات‭ ‬وهيئات‭ ‬الدولة‭ ‬بطريقة‭ ‬منهجيّة‭ ‬وبحسب‭ ‬الأولويات‭ ‬خصوصا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أدركنا‭ ‬شح‭ ‬الميزانية‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحكومية،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬التنظيم‭ ‬والشفافيّة‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تطبيق‭ ‬ذلك،‭ ‬فمن‭ ‬حق‭ ‬الجهات‭ ‬المانحة‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬وترى‭ ‬قنوات‭ ‬وأوجه‭ ‬الإنفاق‭ ‬بصورة‭ ‬شهرية‭ ‬بهدف‭ ‬زرع‭ ‬الثقّة‭ ‬المفقودة‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭. ‬

مجرد‭ ‬اقتراح‭... ‬فهل‭ ‬تتفقّون‭ ‬معي‭ ‬بأهميّة‭ ‬طرح‭ ‬هذا‭ ‬المقترح‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬عوضاً‭ ‬عن‭ ‬إضاعة‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬مناقشة‭ ‬تقاطع‭ ‬جامع‭ ‬شيخان‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬من‭ ‬اختصاص‭ ‬المجلس‭ ‬البلدي‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬تقدير‭. ‬والله‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬القصد‭.‬