سوالف

مهرجو‭ ‬“السوشال‭ ‬ميديا”‭ ‬وانهيار‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬الخالدة

| أسامة الماجد

هل‭ ‬هي‭ ‬رؤية‭ ‬الانهيار‭ ‬الشامل‭ ‬للثقافة‭ ‬العربية‭ ‬وابتعادها‭ ‬عن‭ ‬حلم‭ ‬فردوس‭ ‬الاهتمام‭ ‬والدعم،‭ ‬أم‭ ‬مجرد‭ ‬تأمل‭ ‬سلبي‭ ‬منا‭ ‬ككتاب‭ ‬وأصحاب‭ ‬تجارب‭ ‬متواضعة‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬الأدب،‭ ‬أو‭ ‬لنقل‭ ‬قوانين‭ ‬التطور‭ ‬وحتميتها،‭ ‬حيث‭ ‬جعلت‭ ‬الأديب‭ ‬والمثقف‭ ‬يعيش‭ ‬الاغتراب‭ ‬وعلى‭ ‬وجهه‭ ‬ملامح‭ ‬تراجيدية‭ ‬واضحة‭ ‬وعظم‭ ‬اليأس‭ ‬يكسو‭ ‬لحمه،‭ ‬بينما‭ ‬آخرون‭ ‬يعتلون‭ ‬قمم‭ ‬الاهتمام‭ ‬وتتسابق‭ ‬على‭ ‬إظهارهم‭ ‬أشهر‭ ‬الفضائيات‭ ‬في‭ ‬دعايات‭ ‬وفواصل‭ ‬إعلانية‭ ‬تدر‭ ‬عليهم‭ ‬الشيء‭ ‬الفلاني،‭ ‬فقط‭ ‬لأنهم‭ ‬مشاهير‭ ‬الخميرة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تدعى‭ ‬“السوشال‭ ‬ميديا”‭.‬

أدباء‭ ‬غيروا‭ ‬الحياة‭ ‬بنتاجهم‭ ‬وزادوا‭ ‬معدل‭ ‬سرعة‭ ‬تطورنا‭ ‬الحضاري‭ ‬وقاموا‭ ‬بدور‭ ‬ريادي‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬لا‭ ‬يجدون‭ ‬من‭ ‬يطبع‭ ‬كتبهم‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنهم‭ ‬من‭ ‬القوالب‭ ‬الجامدة‭ ‬والمحنطة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تحوم‭ ‬الفضائيات‭ ‬كالذباب‭ ‬حول‭ ‬من‭ ‬يطلق‭ ‬عليهم‭ ‬نجوم‭ ‬“السوشال‭ ‬ميديا”‭ ‬لعمل‭ ‬دعايات‭ ‬وإعلانات‭ ‬وفواصل‭ ‬طوال‭ ‬الليل‭ ‬والنهار‭. ‬أسماء‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬والروائيين‭ ‬والنقاد‭ ‬وأهل‭ ‬المسرح‭ ‬والسينما‭ ‬والموسيقى‭ ‬لا‭ ‬يسمع‭ ‬عنهم‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭ ‬نتيجة‭ ‬تعريضهم‭ ‬لضوء‭ ‬القمر‭ ‬النعسان،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تفتح‭ ‬أبواب‭ ‬الشهرة‭ ‬لمهرجي‭ ‬“السوشال‭ ‬ميديا”‭ ‬وكأنهم‭ ‬أصحاب‭ ‬اكتشافات‭ ‬جغرافية‭ ‬عظيمة‭. ‬

زميل‭ ‬وصديق‭ ‬لنا‭ ‬روائي‭ ‬من‭ ‬الطراز‭ ‬الأول‭ ‬كتب‭ ‬روايات‭ ‬عظيمة‭ ‬أثرت‭ ‬الفكر‭ ‬الإنساني‭ ‬ويعد‭ ‬من‭ ‬العباقرة‭ ‬الذين‭ ‬كتبوا‭ ‬أعمالا‭ ‬خالدة‭ ‬يعيش‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬النغم‭ ‬الواحد‭ ‬وهو‭ ‬“الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفس”‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬شاهد‭ ‬الإهمال‭ ‬الكامل‭ ‬للمثقفين‭ ‬والأدباء،‭ ‬ويرفض‭ ‬بإرادة‭ ‬حديدية‭ ‬الاستسلام،‭ ‬هذا‭ ‬الصديق‭ ‬والمعلم‭ ‬لا‭ ‬يجري‭ ‬وراء‭ ‬الشهرة‭ ‬وينشد‭ ‬ملح‭ ‬الوجاهة،‭ ‬لكن‭ ‬أليس‭ ‬من‭ ‬الأجدر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬“خلوده”‭ ‬ككاتب‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬أشواك‭ ‬“السوشال‭ ‬ميديا”‭ ‬المتناثرة‭ ‬وأطراف‭ ‬الفوضى‭ ‬العميقة‭.‬

تمزقات،‭ ‬بل‭ ‬دمار‭ ‬يلحق‭ ‬بالأدباء‭ ‬وأصحاب‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬والأدبية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬إفساح‭ ‬المجال‭ ‬لثقافة‭ ‬الغيبوبة‭ ‬العقلية‭ ‬والتسلية‭ ‬الهابطة،‭ ‬فعندما‭ ‬يهتم‭ ‬المجتمع‭ ‬بالوجوه‭ ‬العابرة‭ ‬ويحمل‭ ‬الإعلام‭ ‬“الفضائيات”‭ ‬فؤوس‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها،‭ ‬ويترك‭ ‬ويهمش‭ ‬من‭ ‬سخر‭ ‬حياته‭ ‬الأدبية‭ ‬والفكرية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬رفعة‭ ‬الإنسانية‭ ‬وأيقظ‭ ‬العقول‭ ‬وحرك‭ ‬الأقلام‭ ‬بإبداعه،‭ ‬فذلك‭ ‬الانهيار‭ ‬الأخير،‭ ‬وكأنه‭ ‬حمامة‭ ‬تتلوى‭ ‬في‭ ‬عش‭ ‬متفحم‭.‬