وَخْـزَةُ حُب

هؤلاء نحن... وذاك الجرح فلسطين!

| د. زهرة حرم

دربونا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬ننسى،‭ ‬وأقنعوا‭ ‬ذاكرتنا‭ ‬بأن‭ ‬تُكرر‭ ‬المشهد‭ ‬الظلامي‭ ‬نفسه‭ ‬مراتٍ‭ ‬ومرات،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬يسمحوا‭ ‬لها‭ ‬بالحَيْد‭ ‬أو‭ ‬الميل‭ ‬أو‭ ‬الزيغ‭! ‬هؤلاء‭ ‬كانوا‭ ‬آباءنا،‭ ‬وأجدادنا،‭ ‬ومَنْ‭ ‬لم‭ ‬يزالوا‭ ‬يعيشون‭ ‬حرارة‭ ‬القضية،‭ ‬ولم‭ ‬يسمحوا‭ ‬لذاكرتهم‭ ‬بالتغافل‭ ‬أو‭ ‬التجاهل‭! ‬ولم‭ ‬يعطوا‭ ‬لذاكرتنا‭ ‬لحظة‭ ‬أو‭ ‬فرصة‭ ‬واحدة‭ ‬يتيمة؛‭ ‬للتقنع‭ ‬أو‭ ‬الاختباء‭ ‬أو‭ ‬التظاهر‭ ‬–‭ ‬مجرد‭ ‬التظاهر‭ ‬–‭ ‬بالنسيان؛‭ ‬ففلسطين‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬المساومة‭ ‬لديهم،‭ ‬ولا‭ ‬المداهنة‭ ‬أو‭ ‬المراوغة،‭ ‬ولا‭ ‬تحتمل‭ ‬تسميات‭ ‬جديدة،‭ ‬ولا‭ ‬تقسيمات‭ ‬أو‭ ‬توزيعات‭!‬

كلنا‭ ‬مُثخنون‭ ‬مُدجَّجون‭ ‬بحليب‭ ‬القضية؛‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬لنا‭ ‬أمًّـا‭ ‬–‭ ‬منذ‭ ‬نعومة‭ ‬أظفارنا‭ ‬–‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬مُحمّلة‭ ‬بتضاريس‭ ‬الوجع،‭ ‬إذ‭ ‬كلما‭ ‬كبرنا؛‭ ‬أدركنا‭ ‬أنها‭ ‬نُدبة‭ ‬في‭ ‬القلب،‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬إلى‭ ‬محوها،‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬غفوة‭ ‬وأخرى؛‭ ‬توقظنا‭ ‬وخزاتها؛‭ ‬لكيلا‭ ‬ننسى‭ ‬أنها‭ ‬هناك؛‭ ‬قابعةٌ‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬عميق‭ ‬من‭ ‬أرواحنا؛‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يَدْرس‭ ‬أو‭ ‬يَبلى،‭ ‬وكأن‭ ‬لا‭ ‬فِطامَ‭ ‬لنا‭ ‬منها،‭ ‬إِلاّ‭ ‬أنْ‭ ‬نراها‭ ‬مُحررة،‭ ‬وظهرُها‭ ‬مرفوع،‭ ‬ورأسُها‭ ‬ثابت،‭ ‬ووجهها‭ ‬سُهول،‭ ‬وراحتا‭ ‬يديها‭ ‬غُدران‭ ‬ماء‭.‬

علمونا‭ ‬أنها‭ ‬قضيتنا‭ ‬الأولى؛‭ ‬فحبونا‭ ‬معها،‭ ‬ومشينا‭ ‬في‭ ‬ظلها،‭ ‬ورافقتنا‭ ‬الدرب‭ ‬شبابًا،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬طريقها؛‭ ‬لتحتل‭ ‬بياض‭ (‬شيباتِنا‭)! ‬بعض‭ ‬أجدادنا‭ ‬وآبائنا‭ ‬مضوا،‭ ‬وسلمونا‭ ‬مفاتيحها،‭ ‬وحمّلونا‭ ‬ذمتها،‭ ‬ورسالتها‭ ‬إلى‭ ‬أبنائنا؛‭ ‬ليشحذوا‭ ‬شرارتها؛‭ ‬ويُشعلوا‭ ‬حطبها؛‭ ‬كلما‭ ‬وجدوها‭ ‬تخفُت‭ ‬أو‭ ‬تبرد‭!‬

فلسطين‭ ‬تركتُنا‭ ‬وميراثنا‭ ‬الجماعي،‭ ‬وغَضْبَتُنا‭ ‬الدائمة،‭ ‬واستنكارنا‭ ‬الأبدي؛‭ ‬كلما‭ ‬لاحت‭ ‬لنا‭ ‬جريمة‭ ‬في‭ ‬حقها‭! ‬ويا‭ ‬للأسف؛‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬تحررها‭ ‬مَنْ‭ ‬مَضوا،‭ ‬ومن‭ ‬لحقوا،‭ ‬ونحنُ،‭ ‬ومن‭ ‬سيأتي‭! ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬زيارة‭ ‬قريبة‭ ‬لذاك‭ ‬المدعو‭ ‬الأمل‭ ‬إلى‭ ‬حضرتها‭ ‬البهية،‭ ‬والحقيقة‭ ‬المطلقة‭ ‬التي‭ ‬تكسف‭ ‬الشمس‭ ‬هي‭ ‬أننا‭ ‬عاجزون‭ ‬إلّا‭ ‬عن‭ ‬ذرف‭ ‬الدموع،‭ ‬والصراخ،‭ ‬ورفع‭ ‬الرايات‭ ‬والشجب‭! ‬فما‭ ‬باليد‭ ‬حيلة،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬الجيب‭ ‬وسيلة‭!‬

فكما‭ ‬علمونا‭ ‬أنها‭ ‬قضيتنا؛‭ ‬دسُّوا‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬اليأس‭ ‬فينا؛‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نقوى‭ ‬على‭ ‬تحريرها‭! ‬وما‭ ‬الحروب‭ ‬الطاحنة‭ ‬التي‭ ‬دارت‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬إلا‭ ‬زوبعاتٌ‭ ‬على‭ ‬المحتل،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تلاشت،‭ ‬وعاد‭ ‬يتبختر‭ ‬في‭ ‬أحيائها،‭ ‬ويمتشق‭ ‬أراضيها،‭ ‬ويغتصب‭ ‬الهواء‭ ‬من‭ ‬أنفاسها‭! ‬فالحل‭ ‬لن‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬ظهرانينا،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬زماننا‭ ‬هذا؛‭ ‬إن‭ ‬الحل‭/ ‬المعجزة‭ ‬لن‭ ‬يقوى‭ ‬عليه‭ ‬سوى‭ ‬مُخلص‭ ‬كبير،‭ ‬إلهي‭ ‬أو‭ ‬مقدس‭! ‬هكذا‭ ‬بُرْمِجنا‭! ‬نعم‭ ‬هي‭ ‬قضيتنا‭ ‬الأولى،‭ ‬وحقها‭ ‬علينا‭ ‬رفع‭ ‬الصوت‭ ‬والهتاف‭ ‬وحمل‭ ‬الرايات‭ ‬والتظاهرات،‭ ‬وتوريثها‭ ‬الأجيال،‭ ‬وكفى‭! ‬وما‭ ‬دون‭ ‬ذلك؛‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬اختصاصنا،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬مسؤولياتنا،‭ ‬فإذا‭ ‬حصل‭ ‬ورفع‭ ‬أحدهم‭ ‬سلاحا؛‭ ‬ليقاوم‭ ‬محتلها؛‭ ‬فهذا‭ ‬واجب‭ ‬كفائي‭ ‬وكفى‭!‬

هناك‭ ‬جرح،‭ ‬هذه‭ ‬حقيقة،‭ ‬ولكن‭! ‬ألا‭ ‬يحصل‭ ‬أن‭ ‬يتعايش‭ ‬الإنسان‭ ‬مع‭ ‬جراحه،‭ ‬ويمضي،‭ ‬ويواصل‭ ‬المسير‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬الدنيا؟‭! ‬هؤلاء‭ ‬نحن،‭ ‬وذاك‭ ‬الجرح‭ ‬فلسطين‭!.‬