انشر... ولك الأجر

| أحمد خليفة الحمادي

يتبادر‭ ‬إلى‭ ‬ذهني‭ ‬كلما‭ ‬فتحت‭ ‬هاتفي‭ ‬للتواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وخاصة‭ ‬“واتساب”،‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬التواصل‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬القديمة،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الرسائل‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬البعيدين‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬وشهور،‭ ‬وكانت‭ ‬تُنقل‭ ‬على‭ ‬ظهور‭ ‬الدواب،‭ ‬أما‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يمتلك‭ ‬بعض‭ ‬الرفاهية‭ ‬فيرسلها‭ ‬عبر‭ ‬الحمام‭ ‬الزاجل،‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬مرسل،‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬فعلًا‭ ‬معاناة‭ ‬حقيقية‭.‬

ومع‭ ‬التقدم‭ ‬الصناعي،‭ ‬ظهر‭ ‬صندوق‭ ‬البريد،‭ ‬وكان‭ ‬امتلاكه‭ ‬يعد‭ ‬رفاهية،‭ ‬فالكثيرون‭ ‬لا‭ ‬يمتلكون‭ ‬عنوانًا‭ ‬بريديًا،‭ ‬بل‭ ‬يتم‭ ‬إرسال‭ ‬الرسائل‭ ‬إليهم‭ ‬عبر‭ ‬أشخاص‭ ‬استطاعوا‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الصناديق‭ ‬البريدية‭. ‬وأذكر‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬لدي‭ ‬صديق‭ ‬مصري‭ ‬يدرس‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬المملكة،‭ ‬وعندما‭ ‬أراد‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬بلده،‭ ‬طلبت‭ ‬منه‭ ‬عنوانه‭ ‬البريدي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التواصل‭ ‬معه،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬أعطاني‭ ‬عنوان‭ ‬قريب‭ ‬له‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬حكومية؛‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بتوصيل‭ ‬الرسائل‭ ‬إليه‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭.‬

ورغم‭ ‬ظهور‭ ‬تقنية‭ ‬الفاكس‭ ‬والتلكس،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬استخدامهما‭ ‬اقتصر‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الحالات‭ ‬على‭ ‬الأمور‭ ‬المستعجلة‭ ‬والرسمية‭. ‬ومع‭ ‬الطفرة‭ ‬التقنية‭ ‬الحديثة‭ ‬ظهر‭ ‬لنا‭ ‬الإنترنت‭ ‬والبريد‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬بالإمكان‭ ‬إرسال‭ ‬الأخبار‭ ‬عبر‭ ‬القارات‭ ‬في‭ ‬لحظات،‭ ‬فها‭ ‬هي‭ ‬الرسائل‭ ‬النصية‭ ‬تعبر‭ ‬العالم‭ ‬بضغطة‭ ‬زر،‭ ‬وأنت‭ ‬في‭ ‬مكانك‭ ‬تتناول‭ ‬قدحًا‭ ‬من‭ ‬الشاي‭.‬

وقد‭ ‬أصبح‭ ‬البعض‭ ‬يحاول‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التقنية،‭ ‬إيجابًا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬سلبًا‭. ‬ومن‭ ‬بعض‭ ‬السلبيات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يرتكبها‭ ‬مستخدمو‭ ‬“واتساب”‭ ‬عن‭ ‬غير‭ ‬قصد،‭ ‬أو‭ ‬بقصد،‭ ‬أسرد‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لي‭ ‬مؤخرًا‭. ‬فقد‭ ‬أرسل‭ ‬لي‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬“رسالة‭ ‬عبر‭ ‬واتساب”‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬النصوص،‭ ‬ثم‭ ‬قمت‭ ‬أنا‭ ‬بإرسالها‭ ‬إلى‭ ‬أصدقائي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تعم‭ ‬الفائدة‭. ‬وبعد‭ ‬مضي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬دقائق،‭ ‬وصلتني‭ ‬رسالة‭ ‬عبر‭ ‬“واتساب”‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬أخرى،‭ ‬يخبرني‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬غير‭ ‬صحيحة‭ ‬وغير‭ ‬موثقة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬وضعني‭ ‬في‭ ‬حرجٍ‭ ‬شديد،‭ ‬وكان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تصحيح‭ ‬الموقف،‭ ‬فقمت‭ ‬بإرسال‭ ‬مذكرة‭ ‬اعتذار‭ ‬إلى‭ ‬أصدقائي‭ ‬الذين‭ ‬أرسلت‭ ‬إليهم‭ ‬تلك‭ ‬النصوص‭ ‬سابقًا‭.‬

لقد‭ ‬أصبح‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وسيلة‭ ‬سهلة‭ ‬للاتصال‭ ‬بالمئات‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد،‭ ‬وأصبح‭ ‬يتم‭ ‬تداول‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬عن‭ ‬شتى‭ ‬الموضوعات‭. ‬والبعض‭ ‬يرسل‭ ‬لك‭ ‬رسالة‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف‭ ‬الجوال‭ ‬أو‭ ‬البريد‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬ويخبرك‭ ‬بأنك‭ ‬إذا‭ ‬أرسلتها‭ ‬إلى‭ ‬عشرة‭ ‬أشخاص،‭ ‬ستسمع‭ ‬خبرًا‭ ‬سارًا‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭. ‬كما‭ ‬تتلقى‭ ‬رسائل‭ ‬عن‭ ‬منتجات‭ ‬حديثة‭ ‬لا‭ ‬تحتاجها،‭ ‬وأحيانا‭ ‬تأتيك‭ ‬قصة‭ ‬عن‭ ‬أسرة‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬ابنها‭ ‬المفقود،‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬الرسالة‭ ‬تقرأ‭ ‬عبارات‭ ‬مثل‭ ‬“لا‭ ‬تدعها‭ ‬تقف‭ ‬عندك،‭ ‬اجعل‭ ‬غيرك‭ ‬يستفيد‭ ‬ولك‭ ‬المثل”‭ ‬أو‭ ‬“قد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬أفضل‭ ‬بريد‭ ‬سترسله‭ ‬طيلة‭ ‬حياتك”،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬العبارات‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تدفعك‭ ‬للتفاعل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭.‬

من‭ ‬المفيد‭ ‬والرائع‭ ‬أن‭ ‬نستقبل‭ ‬رسائل‭ ‬تبدو‭ ‬في‭ ‬ظاهرها‭ ‬مفيدة‭ ‬للآخرين،‭ ‬ولكن‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نرسلها‭ ‬هل‭ ‬فكرنا‭ ‬في‭ ‬تحري‭ ‬صحة‭ ‬أو‭ ‬صدق‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة؟‭ ‬أليس‭ ‬علينا‭ ‬توخي‭ ‬الحذر‭ ‬والتأكد‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬نقوم‭ ‬بتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬أصدقائنا‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬بقاع‭ ‬الأرض‭! ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬الموضوع،‭ ‬أن‭ ‬بعضنا‭ ‬يتبع‭ ‬مبدأ‭ ‬“انشر‭ ‬ولك‭ ‬الأجر”،‭ ‬ولكننا‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬إن‭ ‬كنا‭ ‬سنكسب‭ ‬الأجر‭ ‬أم‭ ‬الإثم‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬نشرها،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬تحري‭ ‬دقة‭ ‬المعلومة‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬إلينا،‭ ‬قد‭ ‬يمنع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تقع،‭ ‬لا‭ ‬قدر‭ ‬الله‭.‬