زبدة القول

المهم‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬السودان

| د. بثينة خليفة قاسم

قبل‭ ‬فترة‭ ‬كتبت‭ ‬عن‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وعبرت‭ ‬عن‭ ‬قلقي‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬للسودان‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لغيره‭ ‬من‭ ‬فوضى‭ ‬وانهيار،‭ ‬وحذرت‭ ‬إخواني‭ ‬السودانيين‭ ‬من‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬ندمت‭ ‬ولم‭ ‬ينفع‭ ‬الندم،‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬الأفراد‭ ‬ولا‭ ‬بقاء‭ ‬الرئيس‭ ‬المعزول‭ ‬عمر‭ ‬البشير‭ ‬أو‭ ‬رحيله،‭ ‬لكنني‭ ‬كنت‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وبقاء‭ ‬السودان‭ ‬على‭ ‬الخريطة‭.‬

وهاهو‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مراده‭ ‬وهاهو‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني‭ ‬قد‭ ‬انحاز‭ ‬لمطالب‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬وقال‭ ‬للبشير‭ ‬ورجاله‭ ‬كفى،‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬ثم‭ ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬والشعب‭ ‬السوداني‭ ‬كيان‭ ‬واحد،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الحالة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬السودان‭ ‬من‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬الهاوية‭ ‬التي‭ ‬سقطت‭ ‬فيها‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تنحز‭ ‬جيوشها‭ ‬لمطالب‭ ‬شعوبها‭ ‬والدول‭ ‬ذات‭ ‬الجيوش‭ ‬الطائفية‭ ‬التي‭ ‬تسمع‭ ‬نداء‭ ‬الطائفة‭ ‬أو‭ ‬القبيلة‭ ‬ولا‭ ‬تسمع‭ ‬نداء‭ ‬الوطن‭.‬

ونتمنى‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬حالة‭ ‬التلاحم‭ ‬بين‭ ‬الجيش‭ ‬والشعب‭ ‬لكي‭ ‬يتجاوز‭ ‬السودان‭ ‬المرحلة‭ ‬الحرجة‭ ‬ويصل‭ ‬إلى‭ ‬بر‭ ‬الأمان‭ ‬ولكي‭ ‬يحقق‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬مراده‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والعيش‭ ‬الكريم‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬أجله،‭ ‬فاليوم‭ ‬يحتفل‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬بنجاحه‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬نظام‭ ‬البشير‭ ‬بعد‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاما‭ ‬قضاها‭ ‬في‭ ‬الحكم،‭ ‬لكن‭ ‬غدا‭ ‬ستذهب‭ ‬السكرة‭ ‬وتأتي‭ ‬الفكرة،‭ ‬فالشعب‭ ‬هتف‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الخبز‭ ‬ثم‭ ‬هتف‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام،‭ ‬وقد‭ ‬سقط‭ ‬النظام‭ ‬وانتهى‭ ‬أمره‭ ‬ويبقى‭ ‬الخبز‭ ‬وتبقى‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬سقط‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬الشهداء‭.‬

القادم‭ ‬هو‭ ‬الأهم‭ ‬والأخطر‭ ‬والسودان‭ ‬أمانة‭ ‬في‭ ‬رقاب‭ ‬رجال‭ ‬الجيش‭ ‬والشعب‭ ‬معا،‭ ‬وعلى‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬السودان‭ ‬بين‭ ‬عينيه‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬نقاش‭ ‬وخلاف،‭ ‬أتذكر‭ ‬عندما‭ ‬كتبت‭ ‬عمودي‭ ‬السابق‭ ‬وحذرت‭ ‬فيه‭ ‬إخواني‭ ‬السودانيين‭ ‬من‭ ‬جر‭ ‬بلدهم‭ ‬إلى‭ ‬الفوضى،‭ ‬أتذكر‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬القراء‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬لا‭ ‬تخافي‭ ‬علينا‭ ‬فنحن‭ ‬نستطيع‭ ‬التغيير‭ ‬ونستطيع‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬أن‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬بلدنا‭. ‬وأتمنى‭ ‬فعلا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬السودانيون‭ ‬كذلك،‭ ‬وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬كل‭ ‬سوداني‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬موقع‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬وما‭ ‬عليه،‭ ‬وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الجميع‭ ‬على‭ ‬وعي‭ ‬بأن‭ ‬للتغيير‭ ‬ثمنا‭ ‬وأن‭ ‬المطالب‭ ‬لن‭ ‬تتحقق‭ ‬بكن‭ ‬فيكون،‭ ‬وأن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬السودان‭ ‬وتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬سيحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬وتكلفة‭ ‬وصبر‭ ‬وسد‭ ‬كل‭ ‬الثقوب‭ ‬التي‭ ‬يدخل‭ ‬منها‭ ‬الأعداء‭ ‬وعدم‭ ‬الاستماع‭ ‬لأية‭ ‬نداءات‭ ‬سوى‭ ‬نداء‭ ‬الوطن‭.‬

إذا‭ ‬ما‭ ‬تسلح‭ ‬السودانيون‭ ‬بهذه‭ ‬الدرجة‭ ‬من‭ ‬الوعي،‭ ‬سيتجاوز‭ ‬السودان‭ ‬الخطر‭ ‬وسنفرح‭ ‬جميعا‭ ‬ونقول‭ ‬لأنفسنا‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬بالبيان‭ ‬رقم‭ ‬واحد‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كلاما‭ ‬منمقا‭ ‬وسنقول‭ ‬“الله‭ ‬أكبر‭ ‬والعزة‭ ‬للسودان”‭.‬