سماء‭ ‬واحدة

| د. عبدالله الحواج

كأنها‭ ‬رسالة‭ ‬السماء‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬كذلك،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تحثنا‭ ‬على‭ ‬تضافر‭ ‬الجهود‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بناء‭ ‬مجتمعات‭ ‬إنسانية‭ ‬آمنة،‭ ‬هي‭ ‬الفكرة‭ ‬ذاتها‭ ‬تلك‭ ‬التي‭. ‬طرحها‭ ‬أحد‭ ‬وزراء‭ ‬الطاقة‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬بمؤتمر‭ ‬دولي‭ ‬بالمنامة‭: ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نحمي‭ ‬الأوزون‭ ‬في‭ ‬أميركا‭ ‬ثم‭ ‬نعود‭ ‬ونثقبه‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭. ‬إنها‭ ‬سماء‭ ‬واحدة،‭ ‬إنسان‭ ‬واحد،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬والذي‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬رغد،‭ ‬الذي‭ ‬يعتدي‭ ‬على‭ ‬الطبيعة‭ ‬والذي‭ ‬تعتدي‭ ‬الطبيعة‭ ‬عليه‭. ‬

الجميع‭ ‬سواسية‭ ‬في‭ ‬الكر‭ ‬والفر‭ ‬كأسنان‭ ‬المشط،‭ ‬والجميع‭ ‬متساوون‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات‭ ‬كالمتوالية‭ ‬العددية‭ ‬العملاقة،‭ ‬الزائد‭ ‬فيها‭ ‬كالناقص،‭ ‬والفاعل‭ ‬فيها‭ ‬كالمفعول‭. ‬لكنها‭ ‬حكمة‭ ‬قائد‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬وضعته‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الأحداث‭ ‬الملهمة‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬وهو‭ ‬يقرأ‭ ‬الأحداث‭ ‬ويتقدم‭ ‬أمامها،‭ ‬كأنه‭ ‬يدرك‭ ‬سلفا‭ ‬أن‭ ‬الأمن‭ ‬شأنه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شأن‭ ‬توازن‭ ‬الأشياء،‭ ‬لا‭ ‬تفنى‭ ‬ولا‭ ‬تخلق‭ ‬من‭ ‬العدم،‭ ‬وأن‭ ‬تضافر‭ ‬الجهود‭ ‬يعني‭ ‬أمنًا‭ ‬مستداما،‭ ‬ورفاهية‭ ‬5‭ ‬نجوم‭. ‬

سموه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬استقبل‭ ‬في‭ ‬قصره‭ ‬العمر‭ ‬بالرفاع‭ ‬الخميس‭ ‬الماضي‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬النرويج‭ ‬الأسبق‭ ‬رئيس‭ ‬مركز‭ ‬أوسلو‭ ‬للديمقراطية‭ ‬والسلام‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬شيل‭ ‬ماغني‭ ‬بوندفيك‭ ‬وفي‭ ‬رفقته‭ ‬رئيس‭ ‬مؤسسة‭ ‬الحوار‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلام،‭ ‬رئيس‭ ‬جماعة‭ ‬14‭ ‬أغسطس‭ ‬النرويجية‭ ‬عامر‭ ‬الشيخ،‭ ‬وتحدث‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬بإيمان‭ ‬قائد‭ ‬محنك،‭ ‬مؤكدا‭ ‬سموه‭ ‬أن‭ ‬الأمن‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬يولد‭ ‬جماعيا،‭ ‬تماما‭ ‬مثلما‭ ‬هي‭ ‬الحياة‭ ‬تحققه،‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬تستمتع‭ ‬بها‭ ‬الجماعة‭ ‬بل‭ ‬والمجتمعات‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تفرقة‭ ‬أو‭ ‬استثناء،‭ ‬لم‭ ‬يتحدث‭ ‬الاجتماع‭ ‬عن‭ ‬رخاء‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬وفقر‭ ‬في‭ ‬الجنوب،‭ ‬عن‭ ‬علم‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬وجاهلية‭ ‬في‭ ‬الشرق،‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬للأثرياء‭ ‬وواجبات‭ ‬على‭ ‬الفقراء،‭ ‬لقد‭ ‬تحدثوا‭ ‬عن‭ ‬رخاء‭ ‬أممي‭ ‬وازدهار‭ ‬لا‭ ‬يتغافل‭ ‬عن‭ ‬منطقة‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬قارة‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬نوع‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬لذلك‭ ‬طالب‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬بضرورة‭ ‬أن‭ ‬يهب‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬هبة‭ ‬رجل‭ ‬واحد؛‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يعم‭ ‬السلام‭ ‬أرجاء‭ ‬الكون‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تغافل‭ ‬لبؤر‭ ‬محتقنة‭ ‬أو‭ ‬لمناطق‭ ‬تعيش‭ ‬الموت‭ ‬وتكابد‭ ‬الدمار‭ ‬والظلمات‭ ‬مع‭ ‬إطلالة‭ ‬كل‭ ‬صباح‭. ‬

سموه‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عسيرا‭ ‬لكنه‭ ‬يؤمن‭ ‬بأن‭ ‬الضرب‭ ‬بيد‭ ‬من‭ ‬حديد‭ ‬لشحذ‭ ‬الهمم‭ ‬والإرادات،‭ ‬وتكوين‭ ‬جماعات‭ ‬تنوير‭ ‬دولية‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬وغياب‭ ‬الأمن‭ ‬المجتمعي‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬جديدة،‭ ‬إلى‭ ‬واحات‭ ‬من‭ ‬الإنسانية‭ ‬الخضراء،‭ ‬ومساحات‭ ‬من‭ ‬الرضا‭ ‬والقناعة‭ ‬والنهي‭ ‬عن‭ ‬المكاره،‭ ‬وتجاوز‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمراء،‭ ‬أنها‭ ‬رؤية‭ ‬جديدة‭ ‬لمجتمع‭ ‬دولي‭ ‬جدير‭ ‬بمحاكاة‭ ‬قضايا‭ ‬عصره‭ ‬ومناجاة‭ ‬ضمائر‭ ‬أهل‭ ‬الحكمة‭. ‬

من‭ ‬هنا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعم‭ ‬الأمن‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم‭ ‬المضطرب،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنجح‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬لترسيخها‭ ‬مع‭ ‬قادة‭ ‬دوليين‭ ‬مؤمنين‭ ‬أشد‭ ‬الإيمان‭ ‬بأن‭ ‬السلام‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬منفردا‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬تلقاء‭ ‬نفسه؛‭ ‬كونه‭ ‬سلاما‭ ‬مجتزئا‭ ‬أو‭ ‬هدنة‭ ‬لا‭ ‬تغني‭ ‬ولا‭ ‬تسمن‭ ‬من‭ ‬جوع‭. ‬

من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬نجحت‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬سلم‭ ‬مجتمعي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬العدل،‭ ‬والقبول‭ ‬بالآخر‭ ‬واحترام‭ ‬شرائعه،‭ ‬تماما‭ ‬مثلما‭ ‬أدركت‭ ‬بأن‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬والنماء‭ ‬المتصل،‭ ‬والرخاء‭ ‬المستقر‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬يشكل‭ ‬نواة‭ ‬لعالم‭ ‬أكثر‭ ‬فهمًا‭ ‬لقضايا‭ ‬زمنه‭ ‬وأكثر‭ ‬تعاطيًا‭ ‬ومناجاة‭ ‬مع‭ ‬همومه‭ ‬المتجددة‭ ‬مهما‭ ‬قيل‭ ‬عن‭ ‬صعوبات‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬أو‭ ‬تضحيات‭ ‬قاب‭ ‬قوس‭ ‬أو‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬ساعة‭ ‬الصفر‭.‬