أنسنة

العمل‭ ‬المرن‭... ‬بين‭ ‬“التطنيش”‭ ‬و‭ ‬”المراوغة”

| رجاء مرهون

منذ‭ ‬إطلاق‭ ‬تصريح‭ ‬“العمل‭ ‬المرن”‭ ‬قبل‭ ‬عامين‭ ‬تقريبا،‭ ‬عمدت‭ ‬هيئة‭ ‬تنظيم‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬–‭ ‬وهي‭ ‬عرابة‭ ‬التصريح‭ ‬والمنفذة‭ ‬له‭ - ‬إلى‭ ‬اتباع‭ ‬سياسة‭ ‬“التطنيش”‭ ‬وإعطاء‭ ‬“الأذون‭ ‬الصمخة”‭ ‬لما‭ ‬يطرحه‭ ‬البحرينيون‭ ‬من‭ ‬إشكاليات‭ ‬وهواجس‭ ‬بشأنه،‭ ‬فلم‭ ‬تشارك‭ ‬الهيئة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مؤتمر‭ ‬أو‭ ‬مجلس‭ ‬أو‭ ‬محاضرة‭ ‬أو‭ ‬ندوة‭ ‬محلية،‭ ‬وذلك‭ ‬رغم‭ ‬الدعوات‭ ‬التي‭ ‬وجهت‭ ‬إليها‭. ‬

في‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك،‭ ‬شاهدنا‭ ‬الهيئة‭ ‬تصدر‭ ‬بيانات‭ ‬صحافية‭ ‬“متفاخرة”‭ ‬بحضورها‭ ‬الندوات‭ ‬الدولية‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬تصريح‭ ‬العمل‭ ‬المرن‭ ‬والإلغاء‭ ‬الجزئي‭ ‬لنظام‭ ‬الكفيل،‭ ‬وإسهام‭ ‬الخطوة‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬“الاتجار‭ ‬بالبشر”،‭ ‬في‭ ‬تحركات‭ ‬تعكس‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬اتجاه‭ ‬“بوصلة”‭ ‬الهيئة‭ ‬هو‭ ‬حصد‭ ‬التقدير‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬خارجية‭ ‬وليس‭ ‬الداخل‭ ‬المحلي‭.‬

قبل‭ ‬أسبوعين‭ ‬تقريبا،‭ ‬أًجبرت‭ ‬هيئة‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬أسئلة‭ ‬وآراء‭ ‬البحرينيين،‭ ‬بما‭ ‬يقره‭ ‬دستورنا‭ ‬من‭ ‬صلاحيات‭ ‬تمنح‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬مساءلة‭ ‬الجهات‭ ‬الحكومية‭ ‬عن‭ ‬الأخطاء‭ ‬في‭ ‬الإجراءات‭ ‬والسياسات‭ ‬عبر‭ ‬إجراء‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بـ‭ ‬“مناقشة‭ ‬عامة”‭. ‬

وخلال‭ ‬هذه‭ ‬“المواجهة”‭ ‬مع‭ ‬البرلمان،‭ ‬تجاهل‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬للهيئة‭ ‬والوزير‭ ‬المسؤول‭ ‬عنها‭ ‬الإجابة‭ ‬على‭ ‬أسئلة‭ ‬نيابية‭ ‬“خشنة”،‭ ‬وآثارا‭ ‬عدم‭ ‬التعقيب‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الأفكار‭ ‬النيابية‭ ‬الناقدة‭ ‬رغم‭ ‬دقتها‭ ‬وأهميتها‭. ‬

وبينما‭ ‬طالب‭ ‬المنتخبون‭ ‬خلال‭ ‬المناقشات‭ ‬إلغاء‭ ‬ترخيص‭ ‬العمل‭ ‬المرن‭ ‬فورا،‭ ‬حرص‭ ‬الوزير‭ ‬جميل‭ ‬حميدان‭ ‬والرئيس‭ ‬أسامة‭ ‬العبسي‭ ‬على‭ ‬“تصغير”‭ ‬آثاره‭ ‬الضارة،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬التأكيد‭ ‬بأن‭ ‬التصريح‭ ‬يمنح‭ ‬للعمالة‭ ‬غير‭ ‬الماهرة‭ ‬والتي‭ ‬تعيش‭ ‬وضعا‭ ‬غير‭ ‬قانوني‭ ‬قبل‭ ‬أبريل‭ ‬2017‭. ‬

غير‭ ‬أن‭ ‬الوزير‭ ‬حميدان‭ ‬لم‭ ‬يذكر‭ ‬للنواب‭ ‬حقيقة‭ ‬“قابلة‭ ‬للإثبات”،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الهيئة‭ ‬تمنح‭ ‬تصريح‭ ‬العمل‭ ‬المرن‭ ‬الآن‭ ‬لأي‭ ‬عامل‭ ‬“ألغي‭ ‬السجل‭ ‬التجاري‭ ‬الخاص‭ ‬بالمؤسسة‭ ‬التي‭ ‬يعمل‭ ‬فيها”،‭ ‬وإن‭ ‬بدأ‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬أو‭ ‬2019‭ ‬مثلا‭.‬

هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬أخفاها‭ ‬المسؤولون‭ ‬عن‭ ‬قطاع‭ ‬العمل،‭ ‬تظهر‭ ‬بجلاء‭ ‬تناقض‭ ‬إجراءات‭ ‬هيئة‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬مع‭ ‬تعهداتها‭ ‬السابقة،‭ ‬وأولها‭ ‬أن‭ ‬يقتصر‭ ‬منح‭ ‬“العمل‭ ‬المرن”‭ ‬على‭ ‬العمال‭ ‬المخالفين‭ ‬قبل‭ ‬صدور‭ ‬القرار‭ ‬الوزاري‭ ‬الخاص‭ ‬بالتصريح‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2016‭.‬

وتتعارض‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬أيضا‭ ‬مع‭ ‬الادعاء‭ ‬بأن‭ ‬الترخيص‭ ‬المرن‭ ‬سيمنح‭ ‬للعمالة‭ ‬غير‭ ‬الماهرة‭ ‬،‭ ‬فإلغاء‭ ‬السجلات‭ ‬التجارية‭ ‬نتيجة‭ ‬الإفلاس‭ ‬مثلا،‭ ‬سيرمي‭ ‬بمحاسبين‭ ‬وإداريين‭ ‬“مرنين”‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬لينافسوا‭ ‬البحريني‭ ‬على‭ ‬الفرص‭ ‬الشحيحة‭ ‬أصلا‭ ... ‬فإلى‭ ‬متى‭ ‬يستمر‭ ‬فقدان‭ ‬البوصلة‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬الحكومية؟‭!.‬