خواطر‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬السلام‭... ‬البحرين‭ ‬والإنسان‭ ‬منذ‭ ‬غابر‭ ‬الأزمان

| زهراء عادل عيسى المرزوق

تنقش‭ ‬أسطورة‭ ‬دلمون‭ ‬حروفها‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬التاريخ‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬السومريين‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬المقدسة‭ ‬الطاهرة،‭ ‬وحيث‭ ‬استقر‭ ‬“إنكي”‭ ‬إله‭ ‬الحكمة‭ ‬والمياه‭ ‬العذبة‭ ‬مع‭ ‬زوجته،‭ ‬وجد‭ ‬بنو‭ ‬البشر‭ ‬تلك‭ ‬الأسطورة‭ ‬ماثلة‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬الزمان‭ ‬منذ‭ ‬غابر‭ ‬الأزمان؛‭ ‬لتتلو‭ ‬خواطر‭ ‬أرض‭ ‬السلام‭ ‬“البحرين”‭. ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬نقيًا‭ ‬مشعًا‭ ‬بالنور،‭ ‬مقدسةٌ‭ ‬أرض‭ ‬دلمون،‭ ‬مغمور‭ ‬بالنور،‭ ‬فلا‭ ‬يفترس‭ ‬فيها‭ ‬الأسد‭ ‬ولا‭ ‬ينعق‭ ‬فيها‭ ‬الغراب‭ ‬ويعيش‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬شباب‭ ‬دائم‭ ‬بلا‭ ‬أوجاع‭ ‬ولا‭ ‬أمراض‭ ‬ولا‭ ‬شيخوخة؛‭ ‬لأنها‭ ‬ميناء‭ ‬العالم‭ ‬بينابيعها‭ ‬الوفيرة‭ ‬وفواكه‭ ‬الدنيا‭ ‬وحقول‭ ‬القمح‭ ‬والحبوب‭.‬

خاطرة‭ ‬الخير‭: ‬البركة‭ ‬والعز

تتوالى‭ ‬الدهور،‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬السومريين‭ ‬حتى‭ ‬عهد‭ ‬الإسلام،‭ ‬فمما‭ ‬يرويه‭ ‬أبو‭ ‬داود‭ ‬أن‭ ‬النبي‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وصف‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬بأنهم‭ ‬خير‭ ‬أهل‭ ‬المشرق‭ ‬قاطبة،‭ ‬فخيرهم‭ ‬كضياء‭ ‬الشمس‭ ‬الذي‭ ‬يشرق‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬الشرق،‭ ‬فيعم‭ ‬الكون‭ ‬وينشر‭ ‬النور،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬البلاد،‭ ‬كل‭ ‬أجناس‭ ‬البشر‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬أمان‭ ‬وسلام‭ ‬ومحبة،‭ ‬بلا‭ ‬تمييز‭ ‬في‭ ‬أصولهم‭ ‬وأعراقهم‭ ‬ودياناتهم‭ ‬ومذاهبهم،‭ ‬فمنذ‭ ‬صدر‭ ‬الإسلام‭ ‬الأول،‭ ‬كان‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬يتقاسمون‭ ‬خيرات‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الطيبة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬يفد‭ ‬إليهم‭ ‬للعيش‭ ‬في‭ ‬ديارهم،‭ ‬واحتفاءً‭ ‬برسالة‭ ‬الإسلام‭ ‬التي‭ ‬حملها‭ ‬العلاء‭ ‬بن‭ ‬الحضري‭ ‬من‭ ‬النبي‭ ‬“ص”‭ ‬إلى‭ ‬ملكها‭ ‬المنذر‭ ‬بن‭ ‬ساوى‭ ‬التميمي‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الهجري‭ ‬السابع‭ (‬العام‭ ‬628‭ ‬للميلاد‭)‬،‭ ‬دخل‭ ‬أهلها‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام،‭ ‬لكنهم‭ ‬فتحوا‭ ‬أبواب‭ ‬بلادهم‭ ‬لأتباع‭ ‬كل‭ ‬الديانات،‭ ‬وعلى‭ ‬ذات‭ ‬المنهج‭ ‬والثوابت‭.‬

خاطرة‭ ‬التعدد‭: ‬ثقافات‭ ‬وأعراق

تمضي‭ ‬السنون،‭ ‬فتستقطب‭ ‬البحرين‭ ‬أنظار‭ ‬العالم‭ ‬بإعلان‭ ‬“المبادرة‭ ‬البحرينية‭ ‬للتسامح”‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2017‭ ‬بنيويورك؛‭ ‬استمرارًا‭ ‬للثوابت‭ ‬البحرينية‭ ‬الجامعة‭ ‬للإنسانية،‭ ‬فيدعو‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬المفدى‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬نشرته‭ ‬صحيفة‭ ‬“الواشنطن‭ ‬تايمز”‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬العاشر‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2017‭ ‬لتتصل‭ ‬حلقات‭ ‬الحاضر‭ ‬بالماضي‭ ‬حين‭ ‬كتب‭ ‬جلالته‭: ‬“قررنا‭ ‬أن‭ ‬ننشئ‭ ‬إعلان‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬الذي‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬التسامح‭ ‬الديني‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬قد‭ ‬يجد‭ ‬البعض‭ ‬هذا‭ ‬أمرًا‭ ‬مفاجئًا،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬لمئات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬المحبين‭ ‬للسلام‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭. ‬لقد‭ ‬قمنا‭ ‬بتأليف‭ ‬الإعلان‭ ‬بالتشاور‭ ‬مع‭ ‬علماء‭ ‬السنة‭ ‬والشيعة،‭ ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬المسيحيين‭ ‬والحاخامات‭ ‬اليهود”،‭ ‬ويضيء‭ ‬جلالته‭ ‬جانبًا‭ ‬لعالمية‭ ‬البحرين‭ ‬عبر‭ ‬تاريخها‭ ‬المجيد‭ ‬في‭ ‬التعايش‭ ‬والسلام‭ ‬بقوله‭: ‬“أسلافنا‭ ‬النبلاء‭ ‬بدأوا‭ ‬هذا‭ ‬التقليد‭ ‬البحريني‭ ‬عبر‭ ‬بناء‭ ‬الكنائس‭ ‬والمعابد‭ ‬التي‭ ‬بنيت‭ ‬بجوار‭ ‬مساجدنا،‭ ‬وباعتبارنا‭ ‬بحرينيين،‭ ‬استندنا‭ ‬لتراثنا‭ ‬الوطني‭ ‬كمنارة‭ ‬للتسامح‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬الدين‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬كعقوبة‭ ‬إلهية‭ ‬لنشر‭ ‬الكراهية‭ ‬والشقاق،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬فإن‭ ‬التنوع‭ ‬الديني‭ ‬هو‭ ‬نعمة‭ ‬لشعبنا،‭ ‬ففي‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬نرحب‭ ‬بالكاثوليكية‭ ‬والأرثوذكسية‭ ‬والإنجيلية،‭ ‬ونشعر‭ ‬بالفخر‭ ‬بأن‭ ‬مواطنينا‭ ‬الهندوس‭ ‬يمكنهم‭ ‬ممارسة‭ ‬العبادة‭ ‬في‭ ‬معبد‭ ‬مضى‭ ‬على‭ ‬بنائه‭ ‬نحو‭ ‬200‭ ‬عام‭ ‬يتزين‭ ‬بالرسومات‭ ‬الخاصة‭ ‬بهم‭ ‬ويقع‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬معبد‭ ‬لطائفة‭ ‬السيخ‭ ‬ومساجد‭ ‬المسلمين،‭ ‬نحن‭ ‬نحتفي‭ ‬بجمهورنا‭ ‬الصغير‭ -‬ولكن‭ ‬الثمين‭- ‬اليهودي،‭ ‬هذا‭ ‬الجمهور‭ ‬الذي‭ ‬يستطيع‭ ‬بكل‭ ‬حرية‭ ‬أن‭ ‬يرتدي‭ (‬يارمولك‭) ‬والعبادة‭ ‬في‭ ‬كنيسهم‭ ‬الخاص”‭. (‬انتهى‭ ‬الاقتباس‭).‬

خاطرة‭ ‬المبادئ‭: ‬مركز‭ ‬عالمي

وبصدور‭ ‬الأمر‭ ‬الملكي‭ ‬رقم‭ (‬15‭) ‬لسنة‭ ‬2018‭ ‬بإنشاء‭ ‬مركز‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬العالمي‭ ‬للتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬في‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2018،‭ ‬تؤكد‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الزاهر‭ ‬لحضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬أنها‭ ‬مهد‭ ‬تاريخي‭ ‬للتعايش‭ ‬والسلام‭ ‬والوئام،‭ ‬ومنارة‭ ‬إشعاع‭ ‬حضاري،‭ ‬حيث‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬الأمر‭ ‬الملكي‭ ‬أن‭ ‬المركز‭ ‬يجسد‭ ‬في‭ ‬رؤيته‭ ‬ورسالته‭ ‬وأهدافه‭ ‬المبادئ‭ ‬المستخلَصة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬وحضارة‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬عبر‭ ‬عصورها،‭ ‬والمتمثلة‭ ‬في‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الحضارات‭ ‬والأديان‭ ‬والثقافات،‭ ‬وتعزيز‭ ‬قيم‭ ‬التعايش‭ ‬والتسامح‭ ‬والسلام،‭ ‬مستلهماً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إعلان‭ ‬البحرين‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬‮١٣‬‭ ‬سبتمبر‭ ‬‮٢٠١٧‬‭.‬

وفي‭ ‬المادة‭ ‬الرابعة‭ ‬من‭ ‬الأمر‭ ‬الملكي‭ ‬ما‭ ‬يرسخ‭ ‬جهود‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬إبراز‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬والمشترَكات‭ ‬الجامعة‭ ‬بين‭ ‬الحضارات‭ ‬والثقافات،‭ ‬والتعريف‭ ‬بها،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬إثراء‭ ‬مسيرة‭ ‬التسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬من‭ ‬خلالها،‭ ‬والتوعية‭ ‬بأهمية‭ ‬تلاقي‭ ‬الحضارات‭ ‬وتمازُجِها‭ ‬لتحقيق‭ ‬وتعزيز‭ ‬السِّلْم‭ ‬العالمي‭ ‬والعيش‭ ‬الإنساني‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬تجسِّده‭ ‬المشترَكات‭ ‬الجامعة‭ ‬بين‭ ‬الحضارات،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الجانب‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬المركز،‭ ‬وهو‭ ‬إحداث‭ ‬حركة‭ ‬تنويرية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التوعية‭ ‬بأهمية‭ ‬الحوار‭ ‬والالتقاء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬اتَّفقت‭ ‬عليه‭ ‬الحضارات‭ ‬والثقافات‭ ‬من‭ ‬مشترَكات‭ ‬أخلاقية‭ ‬وحقوقية،‭ ‬ومكافحة‭ ‬الفكر‭ ‬المتطرف‭ ‬المغذِّي‭ ‬للعنف‭ ‬والكراهية‭ ‬والإرهاب،‭ ‬وإظهار‭ ‬إيجابية‭ ‬التعددية‭ ‬والتنوع‭ ‬والتعايش‭ ‬والتسامح‭ ‬في‭ ‬حاضر‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬وموروثه‭ ‬الثقافي‭.‬

خاطرة‭ ‬الالتقاء‭: ‬الماضي‭ ‬بالحاضر

أرض‭ ‬الفردوس‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬السومريون،‭ ‬وحضارات‭ ‬توالت‭ ‬في‭ ‬دلمون‭ ‬وأوال‭ ‬وأرادوس،‭ ‬هي‭ ‬البحرين‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬إشعاعها‭ ‬الحضاري‭ ‬يملأ‭ ‬الكون‭.. ‬في‭ ‬الغابر‭ ‬من‭ ‬الأزمان،‭ ‬نقشت‭ ‬الكتابات‭ ‬المسمارية‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الألف‭ ‬الثالث‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬وفنون‭ ‬الرسم‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬المعابد‭ ‬والمقابر‭ ‬والألواح‭ ‬والقطع‭ ‬الفخارية،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬احتضنت‭ ‬مستوطنات‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬التي‭ ‬كثرت‭ ‬فيها‭ ‬المعابد‭ ‬المقدسة‭ ‬والمدافن،‭ ‬حيث‭ ‬نشأت‭ ‬حضارة‭ ‬متقدمة‭ ‬تبادل‭ ‬أهلها‭ ‬المعارف‭ ‬مع‭ ‬حضارات‭ ‬عريقة‭ ‬بقيت‭ ‬حتى‭ ‬عصرنا‭ ‬الحاضر،‭ ‬حيث‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬تحتضن‭ ‬بوفاء‭ ‬كل‭ ‬الأديان‭ ‬السماوية‭ ‬والمذاهب‭ ‬والمعتقدات،‭ ‬وتنشر‭ ‬السلام‭ ‬والتسامح‭ ‬الديني‭ ‬والتعايش‭ ‬والتعددية،‭ ‬ويتميز‭ ‬شعبها‭ ‬الكريم‭ ‬بسمات‭ ‬كرمه‭ ‬وأخلاقه‭ ‬وإيمانه‭ ‬بقيم‭ ‬التنوع‭ ‬الديني‭ ‬والأخوة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬لتصبح‭ ‬نموذجًا‭ ‬قبل‭ ‬نظيره‭ ‬على‭ ‬خارطة‭ ‬العالم‭.‬