فجر جديد

حين‭ ‬ينحني‭ ‬الموظف‭ ‬ و‭ ‬“يدعو”

| إبراهيم النهام

حدثني‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬قائلاً‭: ‬أثناء‭ ‬محطات‭ ‬عملي‭ ‬المختلفة،‭ ‬التي‭ ‬شملت‭ ‬جهات‭ ‬عديدة،‭ ‬رصدتُ‭ ‬بعين‭ ‬الموظف‭ ‬فاقد‭ ‬الحيلة،‭ ‬ممارسات‭ ‬قطع‭ ‬الرزق،‭ ‬وتكبيد‭ ‬الموظفين‭ ‬الوجع‭ ‬الغائر،‭ ‬لاختلافات‭ ‬الرأي،‭ ‬والمعاملة،‭ ‬ولعدم‭ ‬القبول‭ ‬الشخصي،‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المسئول‭ ‬وذاك‭.‬

هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬يقودها‭ ‬مسئولون،‭ ‬أقل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نوصفهم‭ ‬بــ‭(‬الظلمة‭)‬،‭ ‬و‭(‬الطغاة‭) ‬ممن‭ ‬يخنقون‭ ‬الموظف،‭ ‬متجاهلين‭ ‬واقعه‭ ‬المعيشي،‭ ‬وكومة‭ ‬اللحم‭ ‬الجاثمة‭ ‬خلفه‭. ‬

استغلال‭ ‬الوظيفة،‭ ‬وصلاحياتها،‭ ‬وشخصنة‭ ‬الخلافات‭ ‬مع‭ ‬الموظفين‭ ‬الأقل‭ ‬شأنًا،‭ ‬والإنصات‭ ‬لزملائهم‭ ‬الوشاة،‭ ‬مشكلة‭ ‬كبرى،‭ ‬نعاني‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬قطاعات‭ ‬العمل،‭ ‬بظلم‭ ‬يطول‭ ‬الكفاءات،‭ ‬وأصحاب‭ ‬المبادئ‭. ‬

ويواصل‭ ‬صديقي‭: ‬أذكر‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬المسئولين‭ ‬ممن‭ ‬عملت‭ ‬تحتهم‭ ‬لفترة‭ ‬وجيزة،‭ ‬وكان‭ ‬ظالمًا‭ ‬بكلّ‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬معنى،‭ ‬بأن‭ ‬واجهته‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬بمحض‭ ‬المصادفة‭ ‬–‭ ‬بعد‭ ‬تقاعده‭- ‬حيث‭ ‬بادر‭ ‬بالسلام‭ ‬بحفاوة‭ ‬بالغة،‭ ‬وهو‭ ‬يسأل‭ ‬عن‭ ‬أخباري‭ ‬باهتمام،‭ ‬وعلى‭ ‬وجهه‭ ‬ابتسامة‭ ‬عريضة‭.‬

‭ ‬بعدها‭ ‬بأيام،‭ ‬وأثناء‭ ‬نقاشي‭ ‬عن‭ ‬الأمر‭ ‬مع‭ ‬والدي‭ ‬الكهل،‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬بالحرف‭ ‬“أغلبهم‭ ‬هكذا،‭ ‬في‭ ‬المنصب‭ ‬يكون‭ ‬المرء‭ ‬منهم‭ ‬باطشًا،‭ ‬متجبّرًا،‭ ‬متعاليًا،‭ ‬لكنه‭ ‬حين‭ ‬يترجّل‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬ويتقاعد،‭ ‬يُعامل‭ ‬غيره‭ ‬بتزلف‭ ‬ونفاق،‭ ‬وكأن‭ ‬الله‭ ‬عزّ‭ ‬وجلّ‭ ‬أراد‭ ‬له‭ ‬الذل‭ ‬والمهانة‭ ‬لدى‭ ‬الناس‭ ‬حتى‭ ‬رمقه‭ ‬الأخير”‭.‬

إن‭ ‬الظُلم‭ ‬ظلمات،‭ ‬وإن‭ ‬القوة‭ ‬الحقيقية‭ ‬ليست‭ ‬بالكرسي،‭ ‬ولا‭ ‬بالمنصب،‭ ‬أو‭ ‬الصلاحيات‭ ‬الوظيفية،‭ ‬وإنما‭ ‬بـ‭(‬سجادة‭ ‬الصلاة‭)‬،‭ ‬هذه‭ ‬القطعة‭ ‬القماشية‭ ‬الصغيرة،‭ ‬والتي‭ ‬ينحني‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬المرء‭ ‬وذاك،‭ ‬راكعًا،‭ ‬وساجدًا،‭ ‬وهو‭ ‬يناشد‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يرد‭ ‬لعباده‭ ‬المظلومين‭ ‬رجاءً‭.‬