العراقيون والسعودية... أوهام الماضي وتطلعات المستقبل

| خالد عبدالعزيز النزر

شريحة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬العراقيين‭ ‬معبأة‭ ‬حتى‭ ‬النخاع‭ ‬كرها‭ ‬للسعودية،‭ ‬تبدأ‭ ‬بالإشارة‭ ‬للتيار‭ ‬الديني‭ ‬المتطرف‭ ‬وفتاواه‭ ‬ضد‭ ‬الشيعة،‭ ‬ثم‭ ‬تتدرج‭ ‬بالقول‭ ‬إن‭ ‬تلك‭ ‬الفتاوى‭ ‬غذت‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬ثم‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬السعودية‭ ‬أوجدت‭ ‬داعش‭ ‬ودعمته‭ ‬بآلاف‭ ‬المقاتلين،‭ ‬والبعض‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬لديها‭ ‬الأدلة‭ ‬الدامغة‭ ‬على‭ ‬تورط‭ ‬الحكومة‭ ‬السعودية‭ ‬لكنهم‭ ‬جبناء‭ ‬وفاسدون‭... ‬إلخ‭. ‬ولست‭ ‬هنا‭ ‬بصدد‭ ‬مناقشة‭ ‬تلك‭ ‬الأمور‭ ‬فلا‭ ‬أراها‭ ‬حقيقية،‭ ‬لكن‭ ‬باختصار‭ ‬بالنسبة‭ ‬للتيار‭ ‬الديني‭ ‬المتطرف‭ ‬وفتاواه‭ ‬فقد‭ ‬أضر‭ ‬بالعالم‭ ‬العربي‭ ‬والسعودية‭ ‬وهو‭ ‬يتلاشى‭ ‬حالياً‭ ‬بإرادتين‭ ‬سياسية‭ ‬وشعبية،‭ ‬وأغلبها‭ ‬فتاوى‭ ‬قديمة‭ ‬وليست‭ ‬موجهة‭ ‬تحديداً‭ ‬للعراق‭ ‬الحديث،‭ ‬وليس‭ ‬دقيقاً‭ ‬اقتصار‭ ‬داعش‭ ‬على‭ ‬فتاوى‭ ‬سعودية‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬فتاوى‭ ‬سبقت‭ ‬وجود‭ ‬الدولة‭ ‬السعودية‭ ‬بمئات‭ ‬السنين‭ ‬وخصوصا‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬باستباحة‭ ‬اليزيديين‭ ‬والشيعة‭ ‬وأي‭ ‬مخالف،‭ ‬كما‭ ‬توجد‭ ‬فتاوى‭ ‬لأساطين‭ ‬فقهاء‭ ‬“الاثنا‭ ‬عشرية”‭ ‬بتكفير‭ ‬المخالف‭ ‬أيضاً‭. ‬أقول‭ ‬إنها‭ ‬أوهام‭ ‬وليست‭ ‬أسبابا‭ ‬حقيقية‭ ‬لأن‭ ‬الخطاب‭ ‬التعبوي‭ ‬لهؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬قضية‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬دخل‭ ‬مقاتلو‭ ‬داعش‭ ‬وأسلحتهم‭ ‬وسياراتهم‭ ‬وتصدير‭ ‬نفطهم‭ ‬ومنتجاتهم،‭ ‬ولا‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬جنسيات‭ ‬داعش‭ ‬الأخرى‭ ‬كالعراقيين‭ ‬أنفسهم‭! ‬أو‭ ‬التونسيين‭ ‬مثلاً‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬ضعف‭ ‬عدد‭ ‬السعوديين‭ ‬في‭ ‬التنظيم،‭ ‬فهل‭ ‬هؤلاء‭ ‬قدموا‭ ‬أيضاً‭ ‬بفتاوى‭ ‬تونسية‭ ‬ضد‭ ‬الشيعة‭!‬؟‭ ‬وهل‭ ‬سمعتم‭ ‬عراقيا‭ ‬يهاجم‭ ‬تونس‭ ‬والتونسيين‭!‬؟‭ ‬وأما‭ ‬أدلة‭ ‬الحكومة‭ ‬فالتصريح‭ ‬الشهير‭ ‬حول‭ ‬الأدلة‭ ‬الدامغة‭ ‬على‭ ‬تدريب‭ ‬وتهريب‭ ‬الإرهابيين‭ ‬للعراق‭ ‬كان‭ ‬موجها‭ ‬لجار‭ ‬آخر‭ ‬للعراق‭ ‬وصادر‭ ‬من‭ ‬نوري‭ ‬المالكي‭ ‬أحد‭ ‬أشد‭ ‬المناوئين‭ ‬الحكوميين‭ ‬للسعودية‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭. ‬ولو‭ ‬وجد‭ ‬دليل‭ ‬حقيقي‭ ‬لما‭ ‬وفرته‭ ‬الحكومات‭ ‬العراقية‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬ولا‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬العراقية‭ ‬التي‭ ‬تهاجم‭ ‬المملكة‭ ‬ليلا‭ ‬ونهارا،‭ ‬ولا‭ ‬قنوات‭ ‬طهران‭ ‬والضاحية‭ ‬الجنوبية،‭ ‬ولا‭ ‬الجزيرة‭ ‬وأخواتها‭.‬

تلك‭ ‬الشريحة‭ ‬الشعبية‭ ‬العراقية،‭ ‬هي‭ ‬بنظري‭ ‬ضحية‭ ‬لتعبئة‭ ‬مصاحبة‭ ‬لمشروع‭ ‬تحاول‭ ‬السعودية‭ ‬إفشاله‭ ‬منذ‭ ‬بزوغه،‭ ‬ومازالت،‭ ‬لأنه‭ ‬يهدد‭ ‬كيانها‭ ‬السياسي‭ ‬بأدوات‭ ‬آيديولوجية‭ ‬مذهبية‭ ‬التفت‭ ‬حولها،‭ ‬قال‭ ‬القائد‭ ‬العسكري‭ ‬العراقي‭ ‬أبومهدي‭ ‬المهندس‭ ‬في‭ ‬نشوة‭ ‬انتصاره‭ ‬ووصوله‭ ‬للحدود‭ ‬السورية‭ ‬آنذاك،‭ ‬إننا‭ ‬مستمرون‭ ‬حتى‭ ‬الرياض‭ ‬وجدة‭ ‬ومعنا‭ ‬“أنصار‭ ‬الله”‭ ‬ووجّه‭ ‬التحية‭ ‬ومن‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬المقاتلين‭ ‬إلى‭ ‬“أنصار‭ ‬الله”‭ ‬وسط‭ ‬ضحكات‭ ‬الانتشاء‭. ‬كما‭ ‬قال‭ ‬قائد‭ ‬عراقي‭ ‬آخر‭ ‬وهو‭ ‬يوسف‭ ‬الناصري‭ ‬وأمام‭ ‬نائب‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ ‬اللبناني‭ ‬ووسط‭ ‬نشوة‭ ‬عارمة‭ ‬أيضاً‭: ‬“سنستمر‭ ‬إلى‭ ‬عقر‭ ‬دارهم‭ ‬وسنحرر‭ ‬أرض‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬والحجاز”،‭ ‬وغيرها‭ ‬عشرات‭ ‬التصريحات‭ ‬الواضحة‭ ‬والوقحة،‭ ‬من‭ ‬عراقيين‭ ‬ولبنانيين‭ ‬ويمنيين‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬أتباع‭ ‬نفس‭ ‬المشروع،‭ ‬إضافة‭ ‬للإيرانيين‭ ‬وآخرها‭ ‬تصريح‭ ‬“ولي‭ ‬أمر‭ ‬المسلمين‭ ‬السيد‭ ‬القائد”‭! ‬خامنئي،‭ ‬حول‭ ‬النوايا‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬تقاربها‭ ‬مع‭ ‬العراق‭. ‬طبعا‭ ‬كلمة‭ ‬السعودية‭ ‬تستخدم‭ ‬للتصريحات‭ ‬الخارجية‭ ‬فقط‭ ‬وإلا‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬إيران‭ ‬وحوزاتها‭ ‬يسمونها‭ ‬الحجاز‭ ‬أو‭ ‬عربستان‭ ‬لأنهم‭ ‬وأتباعهم‭ ‬في‭ ‬داخلهم‭ ‬لا‭ ‬يعترفون‭ ‬بها‭ ‬كدولة‭ ‬رسمية‭ ‬ذات‭ ‬سيادة‭. ‬

حاوَلت‭ ‬السعودية‭ ‬اتقاء‭ ‬شر‭ ‬الفوضى‭ ‬العراقية‭ ‬بعد‭ ‬2003‭ ‬بشتى‭ ‬الوسائل‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬بنت‭ ‬جدارا‭ ‬عازلا‭ ‬بطول‭ ‬900‭ ‬كلم،‭ ‬لكنها‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬الطريقة‭ ‬الأفضل‭ ‬والأنجع‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬الأصعب‭ ‬هي‭ ‬دعم‭ ‬استقرار‭ ‬العراق‭ ‬وازدهاره،‭ ‬وليست‭ ‬المسألة‭ ‬عاطفية‭ ‬هنا‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يخلو،‭ ‬المسألة‭ ‬مصلحة‭ ‬أمنية‭ ‬واستراتيجية‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬وكذلك‭ ‬فرص‭ ‬اقتصادية‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬غني‭ ‬ومعدم،‭ ‬ودخول‭ ‬السعودية‭ ‬العراق‭ ‬ليس‭ ‬لمنافسة‭ ‬إيران،‭ ‬فلا‭ ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬الدورين‭.‬‭ ‬الدور‭ ‬الإيراني‭ ‬عسكري‭ ‬وسياسي‭ ‬يتدخل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬العراقية،‭ ‬ولا‭ ‬يدفع‭ ‬“تومان”‭ ‬واحدا‭ ‬للعراق،‭ ‬حتى‭ ‬الرصاصة‭ ‬يأخذ‭ ‬ثمنها،‭ ‬وسينكمش‭ ‬لحجمه‭ ‬الطبيعي‭ ‬إذا‭ ‬نهض‭ ‬العراق‭.‬

أما‭ ‬الدور‭ ‬السعودي‭ ‬فهو‭ ‬اقتصادي‭ ‬صناعي‭ ‬اجتماعي‭ ‬ومستعد‭ ‬لبذل‭ ‬الكثير،‭ ‬وعلى‭ ‬العراقيين‭ ‬الواعين‭ ‬أن‭ ‬يعلموا‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬تصادم‭ ‬الدورين‭ ‬هو‭ ‬لصالح‭ ‬العراق‭ ‬أولاً،‭ ‬وأن‭ ‬تطلعات‭ ‬المستقبل‭ ‬مع‭ ‬السعودية‭ ‬أصدق‭ ‬من‭ ‬أوهام‭ ‬الماضي‭.‬

 

“إن‭ ‬فتاوى‭ ‬التيار‭ ‬الديني‭ ‬المتطرف‭ ‬أضرت‭ ‬بالعالم‭ ‬العربي،‭ ‬وهي‭ ‬تتلاشى‭ ‬حالياً‭ ‬بإرادة‭ ‬سعودية‭ ‬سياسية‭ ‬وشعبية”‭.‬