ياسمينيات

رواتب الفقراء

| ياسمين خلف

رحم‭ ‬الله‭ ‬أنجلا‭ ‬العاملة‭ ‬البسيطة‭ ‬الآسيوية،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لها‭ ‬أهل‭ ‬ولا‭ ‬أقارب‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬ولها‭ ‬رواتب‭ ‬متأخرة‭ ‬لأشهر‭ ‬ولم‭ ‬تستلمها،‭ ‬توفيت‭ ‬وهي‭ ‬تنتظر‭ ‬أن‭ ‬تستلم‭ ‬أجرها‭ ‬الشهري،‭ ‬توفيت‭ ‬وغير‭ ‬مستبعد‭ ‬أبداً‭ ‬أنها‭ ‬استدانت‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬وتلك‭ ‬لتتمكن‭ ‬من‭ ‬تدبير‭ ‬أمور‭ ‬حياتها‭ ‬في‭ ‬غربتها‭ ‬بيننا،‭ ‬وكم‭ ‬أراقت‭ ‬من‭ ‬ماء‭ ‬وجهها‭ ‬لتحصل‭ ‬على‭ ‬بضعة‭ ‬دنانير‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬ترجعهم‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬يقرر‭ ‬رب‭ ‬عملها‭ ‬أن‭ ‬يصرف‭ ‬لها‭ ‬رواتبها‭ ‬المتأخرة،‭ ‬هذا‭ ‬إن‭ ‬صرفها‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬دفعات،‭ ‬فوحده‭ ‬الله‭ ‬يعلم‭ ‬كم‭ ‬كانت‭ ‬تعاني،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬والقلق‭ ‬اللذين‭ ‬كانا‭ ‬يلفانها‭ ‬وقد‭ ‬يكونان‭ ‬سبب‭ ‬وفاتها‭!‬

أمثال‭ ‬أنجلا‭ ‬كُثر،‭ ‬يعملون‭ ‬ويجدون‭ ‬في‭ ‬عملهم‭ ‬ولكنهم‭ ‬لا‭ ‬يقبضون‭ ‬أجورهم‭ ‬نهاية‭ ‬كل‭ ‬شهر،‭ ‬فأرباب‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مأزق،‭ ‬والسوق‭ ‬شحيحة،‭ ‬والركود‭ ‬ضرب‭ ‬مفاصل‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬ولا‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬أن‭ ‬نقبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬العمال‭ ‬البسطاء‭ ‬الضحية‭ ‬التي‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تتفهم‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المتردي،‭ ‬وأن‭ ‬تصبر‭ ‬حتى‭ ‬يفرجها‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬أرباب‭ ‬الأعمال،‭ ‬هؤلاء‭ ‬البسطاء‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬تركوا‭ ‬أوطانهم‭ ‬وأهاليهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬لقمة‭ ‬العيش،‭ ‬فهم‭ ‬يقبلون‭ ‬بمرارة‭ ‬الغربة‭ ‬والبعد‭ ‬عن‭ ‬الأهل‭ ‬مقابل‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬الأموال،‭ ‬وعملية‭ ‬إيقاف‭ ‬الراتب‭ ‬لأشهر‭ ‬أو‭ ‬تأخير‭ ‬صرفه‭ ‬تعني‭ ‬أنك‭ ‬أجعته‭ ‬وأجعت‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬أقربائه‭ ‬الذين‭ ‬ينتظرون‭ ‬ما‭ ‬يرسله‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬أموال،‭ ‬ولا‭ ‬يرد‭ ‬في‭ ‬بالهم‭ ‬أنهم‭ ‬بدلا‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الأموال‭ ‬سترسل‭ ‬لهم‭ ‬جثته‭ ‬في‭ ‬تابوت‭. ‬

لابد‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬آلية‭ ‬تمنع‭ ‬تأخر‭ ‬رواتب‭ ‬العمال‭ ‬أو‭ ‬تأجيلها‭ ‬لأشهر،‭ ‬فعلى‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬لجنة‭ ‬تحقيق‭ ‬مع‭ ‬أصحاب‭ ‬الأعمال‭ ‬الذين‭ ‬يؤخرون‭ ‬رواتب‭ ‬عمالهم،‭ ‬وأن‭ ‬تعجل‭ ‬وزارة‭ ‬المالية‭ ‬صرف‭ ‬مستحقات‭ ‬المقاولين‭ ‬وأصحاب‭ ‬المشاريع،‭ ‬ليتسنى‭ ‬لهم‭ ‬القيام‭ ‬بمسؤوليتهم‭ ‬تجاه‭ ‬عمالهم‭ ‬وصرف‭ ‬رواتبهم‭ ‬وعدم‭ ‬تأجيلها‭ ‬لأشهر،‭ ‬وأن‭ ‬يُسمح‭ ‬لأرباب‭ ‬العمل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬قروض‭ ‬حسنة‭ ‬من‭ ‬البنوك‭ ‬لتسديد‭ ‬الرواتب‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تعسرهم‭ ‬المالي‭ ‬الذي‭ ‬يضطرهم‭ ‬لتأجيل‭ ‬صرف‭ ‬رواتب‭ ‬العمال‭ ‬البسطاء،‭ ‬والذين‭ ‬عليهم‭ ‬كغيرهم‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬التزامات‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬البقالة،‭ ‬والسكن،‭ ‬والكهرباء‭ ‬والتلفون‭ ‬والملبس‭ ‬وأفواه‭ ‬تنتظرهم‭ ‬في‭ ‬بلدانهم‭ ‬الأصلية‭. ‬

 

ياسمينة‭:

‬التأخر‭ ‬في‭ ‬صرف‭ ‬رواتب‭ ‬الفقراء‭ ‬جريمة‭ ‬إنسانية‭ ‬وعمالية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التهاون‭ ‬فيها‭.‬