ذرائع

إن وجدت بحراً فاحضنه

| غسان الشهابي

ما‭ ‬ان‭ ‬تحط‭ ‬قدماك‭ ‬قسم‭ ‬بيع‭ ‬الأسماك‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬المركزي‭ ‬حتى‭ ‬تسمع‭ ‬الشكاوى‭ ‬المعتادة‭ ‬تترى‭ ‬من‭ ‬البائعين‭ ‬البحرينيين‭ ‬خصوصا‭ ‬وبلا‭ ‬انقطاع‭ ‬تقريباً،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الباعة‭ ‬الأجانب‭ ‬لا‭ ‬وقت‭ ‬لديهم‭ ‬للشكوى،‭ ‬فهم‭ ‬مهمومون‭ ‬بالبيع‭ ‬والتحصيل،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬يربطهم‭ ‬عاطفياً‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬–‭ ‬مع‭ ‬البحر‭ ‬الذي‭ ‬يشتغلون‭ ‬فيه،‭ ‬فأعينهم‭ ‬على‭ ‬وقت‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬بلادهم‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬الغربة‭.‬

أما‭ ‬“الرَّبع”‭ ‬فلا‭ ‬تخرج‭ ‬شكواهم‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬“خراب”‭ ‬البحر،‭ ‬وقلة‭ ‬خيراته،‭ ‬وهجرة‭ ‬أسماكه،‭ ‬وانقراض‭ ‬أنواع‭ ‬منها،‭ ‬وإشارات‭ ‬غامزة‭ ‬لامزة‭ ‬عن‭ ‬الأسباب‭ ‬والمسببات،‭ ‬وأخرى‭ ‬واضحة‭ ‬صريحة،‭ ‬وهي‭ ‬حوارات‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬بالمقارنة‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬ينزل‭ ‬السوق‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬أسماك‭ ‬كمّاً‭ ‬وحجماً‭ ‬وتنوعاً‭ ‬وبين‭ ‬الأمس،‭ ‬حتى‭ ‬يبدو‭ ‬للمستمع‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬العض‭ ‬بالنواجذ‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬يعاش‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬سيعقبه‭ ‬سيكون‭ ‬أسوأ‭ ‬منه‭.‬

هذا‭ ‬الأسبوع‭ ‬قطع‭ ‬وزير‭ ‬المجلسين‭ ‬غانم‭ ‬فضل‭ ‬البوعينين،‭ ‬الشك‭ ‬باليقين‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الشكوى‭ ‬السالفة‭ ‬قائلاً‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬إن‭ ‬90‭ % ‬من‭ ‬الثروة‭ ‬البحرية‭ ‬جرى‭ ‬تدميره‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬السابقة‭! ‬هذا‭ ‬التصريح‭ ‬غير‭ ‬مفاجئ‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬“فاجع”،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تسمية‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بأقل‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬“جريمة”‭ ‬في‭ ‬حقّ‭ ‬البيئة‭ ‬والثروة‭ ‬البحرية‭ ‬والأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬مردوده‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يساوي‭ ‬تدمير‭ ‬البحر،‭ ‬وتضييع‭ ‬ثروة‭ ‬أجيال‭ ‬كاملة‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭.‬

تسعون‭ ‬في‭ ‬المئة؟‭! ‬والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينفك‭ ‬يطنّ‭ ‬في‭ ‬رأسي‭: ‬أين‭ ‬كانت‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرسمية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬أشار‭ ‬إليها‭ ‬الوزير‭ ‬التي‭ ‬ضاعت‭ ‬فيها‭ ‬الثروة‭ ‬البحرية؟‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬غيبوبة‭ ‬أم‭ ‬على‭ ‬قلوب‭ ‬أقفالها؟‭ ‬ألم‭ ‬تقطر‭ ‬الصحافة‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيد‭ ‬حبراً‭ ‬وهي‭ ‬تعيد‭ ‬وتكرر‭ ‬مواضيع‭ ‬تدمير‭ ‬البيئة‭ ‬البحرية؟‭ ‬ألا‭ ‬سبيل‭ ‬لوقف‭ ‬هذا‭ ‬التدمير‭ ‬لمكاسب‭ ‬آنية،‭ ‬وزهداً‭ ‬في‭ ‬المستدام‭ ‬من‭ ‬الخيرات‭ ‬التي‭ ‬نستفيد‭ ‬منها‭ ‬جميعاً‭ ‬ويستفيد‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬بعدنا‭ ‬من‭ ‬سيأتي‭ ‬خلفاً‭ ‬لنا؟‭ ‬لقد‭ ‬انتقم‭ ‬البعض‭  ‬من‭ ‬البحر‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬لآلاف‭ ‬السنين‭ ‬جوازها‭ ‬إلى‭ ‬العالم،‭ ‬والذي‭ ‬اشتقت‭ ‬منه‭ ‬اسمها‭ ‬وسحنات‭ ‬أهلها‭ ‬وطعم‭ ‬حديثهم،‭ ‬فما‭ ‬عادت‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تراه‭ ‬يصافح‭ ‬بيوتها؟‭! ‬تسعون‭ ‬في‭ ‬المئة؟‭!‬