وَخْـزَةُ حُب

الحياة مَلهاة... وأنت مشغول!

| د. زهرة حرم

كم‭ ‬تُلهينا‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬المتحركة‭ ‬السريعة؛‭ ‬بشؤوننا‭ ‬الخاصة؛‭ ‬ومتعلقاتنا‭ ‬القريبة،‭ ‬فلا‭ ‬نكاد‭ ‬نرى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬أبواب‭ ‬بيوتاتنا،‭ ‬أو‭ ‬غرف‭ ‬مكاتبنا‭!‬‭ ‬ولا‭ ‬نكاد‭ ‬نسأل‭ ‬عن‭ ‬أرحامنا،‭ ‬وأصدقائنا،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬أحبائنا،‭ ‬الذين‭ ‬ندّعي‭ ‬ونغلّظ‭ ‬الأقسام‭ ‬بأنهم‭ ‬صفوة‭ ‬الناس‭ ‬لدينا،‭ ‬والذين‭ ‬يُصادف‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أحدُهم‭ ‬أبًا‭ ‬أو‭ ‬أمًا‭! ‬وكم‭ ‬نتعذر‭ ‬بضيق‭ ‬الوقت،‭ ‬والمشقة‭ ‬والجهد‭ ‬والتعب‭ ‬فلا‭ ‬نُكلّف‭ ‬أنفسنا‭ ‬السؤال‭ ‬والزيارة‭! ‬وتمر‭ ‬الأيام‭ ‬بل‭ ‬الشهور؛‭ ‬حتى‭ ‬تصدأ‭ ‬قلوبنا‭ ‬تدريجيا،‭ ‬وتحل‭ ‬القسوة،‭ ‬وتشتغل‭ ‬أنانيات‭ ‬النفس؛‭ ‬ليكون‭ ‬همنا‭ ‬الأوحد‭ ‬هو‭ ‬مساحة‭ ‬أقدامنا‭ ‬فقط‭!‬

حين‭ ‬تلهيك‭ ‬حياتك‭ ‬الخاصة‭ ‬عن‭ ‬دفء‭ ‬العلاقات‭ ‬تلك؛‭ ‬اعلم‭ ‬أنها‭ ‬أغرقتك‭ ‬حتى‭ ‬أذنيك‭ ‬في‭ ‬مادياتها،‭ ‬ومنحتك‭ ‬كل‭ ‬المبررات‭ ‬الجاهزة‭ ‬والمُعلبة؛‭ ‬للتعذر،‭ ‬والدفاع،‭ ‬وربما‭ ‬الهجوم‭! ‬فأنت‭ ‬قد‭ ‬صَدّقتَ‭ ‬بالفعل‭ (‬أنك‭ ‬مشغول‭... ‬مشغول‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تعي‭ ‬أو‭ ‬تستوعب‭ ‬مقدار‭ ‬ما‭ ‬أهدرت‭ ‬أو‭ ‬ضيّعت‭ ‬أو‭ ‬سوّفت‭ ‬من‭ ‬وقت؛‭ ‬فالغارق‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬بارد‭.. ‬بارد،‭ ‬وإحساسه‭ ‬من‭ ‬صقيع،‭ ‬ولن‭ ‬يُخلّصه‭ ‬من‭ ‬القساوة‭ ‬أو‭ ‬ينبهه‭ ‬إليها‭ ‬إلا‭ ‬صدمة‭ ‬كبيرة؛‭ ‬تأتي‭ ‬بعد‭ (‬فوت‭ ‬الفوت‭) ‬وتعادل‭ ‬خسارة‭ ‬مَنْ‭ ‬يدّعي‭ ‬حبه‭! ‬حينها‭ ‬قد‭ ‬تفتح‭ ‬عينيك‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬مفادها‭: ‬أنْ‭ ‬لات‭ ‬حين‭ ‬مناص؛‭ ‬فقد‭ ‬قُضي‭ ‬القضاء،‭ ‬ولن‭ ‬تنفع‭ ‬جميع‭ ‬أشكال‭ ‬وتلاوين‭ ‬الندم‭!‬

حين‭ ‬تجرنا‭ ‬حياتنا‭ ‬الدنيا‭ ‬بعجلتها،‭ ‬ونسمح‭ ‬لها‭ - ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كنّا‭ ‬مسيّرين‭ ‬مُجبرين‭- ‬أنْ‭ ‬تقودنا،‭ ‬دون‭ ‬محطة‭ ‬نتوقف‭ ‬عندها؛‭ ‬لنتفحّص‭ ‬وجهاتنا‭ ‬أو‭ ‬نتأمل‭ ‬خط‭ ‬سيرنا،‭ ‬أو‭ ‬نختار‭ ‬السبيل‭ ‬أو‭ ‬الطريق‭ - ‬حينها‭ - ‬علينا‭ ‬أنْ‭ ‬نعرف‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬قلوبنا‭ ‬غُلُفٌ،‭ ‬وأرواحنا‭ ‬جامدة،‭ ‬وأنها‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬مسيسة‭ ‬إلى‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الحضن‭ ‬الدافئ‭ ‬الذي‭ ‬يُعيد‭ ‬إليها‭ ‬وهجها‭ ‬وحرارتها‭. ‬بل؛‭ ‬هُداها،‭ ‬ورشدها،‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬حميمية‭ ‬العلاقة‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬بعدنا‭ ‬عنها؛‭ ‬فجفونا‭! ‬

إنْ‭ ‬ألهتك‭ ‬الحياة؛‭ ‬فأصبحت‭ ‬لا‭ ‬تسأل‭ ‬عن‭ ‬أم‭ ‬أو‭ ‬أب‭ ‬أو‭ ‬أخ‭ ‬أو‭ ‬صديق‭... ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬وقدره‭! ‬لا‭ ‬تتباكَ‭ ‬حين‭ ‬يسقط‭ ‬أحدهم‭ ‬طريح‭ ‬فراش‭ ‬مرضه،‭ ‬ولا‭ ‬تعتب‭ ‬على‭ ‬الموت‭ ‬إذا‭ ‬حلّ،‭ ‬ولا‭ ‬تَلُم‭ ‬المقابر؛‭ ‬فالإجابات‭ ‬مصكوكة‭ ‬لديك،‭ ‬ومعنونة‭ ‬بالخط‭ ‬العريض‭: (‬مشغول‭)... ‬فَيَا‭ ‬ليتهم‭ ‬كانوا‭ ‬ضمن‭ ‬أجندتك‭ ‬أو‭ ‬جداول‭ ‬أعمالك‭ ‬المكتظة‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭... ‬إلا‭... ‬هُمْ‭!!‬

نحن‭ ‬نعيش‭ ‬الزمن‭ ‬الأغبر،‭ ‬بكل‭ ‬معاني‭ ‬الكلمة؛‭ ‬الزمن‭ ‬الذى‭ ‬ندّعي‭ ‬فيه‭ ‬تمام‭ ‬الرؤية‭ ‬والتطور‭ ‬والتفوق‭ ‬السريع،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ولا‭ ‬ريب،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬تقدّم‭ ‬المادة‭ ‬واشتعال‭ ‬بريقها،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬تخلّف‭ ‬الروح‭ ‬وخفوتها،‭ ‬قوة‭ ‬البصر‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬انعدام‭ ‬البصيرة‭! ‬فإلى‭ ‬أين‭ ‬أو‭ ‬متى‭ ‬ستتقاذفنا‭ ‬الحياة‭ ‬وتلهو‭ ‬بنا،‭ ‬ونحن‭ ‬ننظر؟‭!.‬