ومضة قلم

لماذا لا يتقاعد هؤلاء؟

| محمد المحفوظ

وجد‭ ‬كثيرون‭ ‬في‭ ‬مبادرة‭ ‬التقاعد‭ ‬الاختياري‭ ‬فرصة‭ ‬من‭ ‬الأجدى‭ ‬اقتناصها‭ ‬للفكاك‭ ‬من‭ ‬أسر‭ ‬الوظيفة‭ ‬وعبوديتها،‭ ‬وكنت‭ ‬شخصيا‭ ‬أتمنى‭ ‬لو‭ ‬أنّ‭ ‬الأغلبية‭ ‬ممن‭ ‬تركوا‭ ‬وظائفهم‭ ‬لو‭ ‬أنهم‭ ‬أجروا‭ ‬دراسة‭ ‬للمستقبل،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬ليست‭ ‬قليلة‭ ‬بينهم‭ ‬مكبلة‭ ‬بالتزامات‭ ‬عائلية‭ ‬أو‭ ‬لدى‭ ‬جهات‭ ‬أخرى‭ ‬كالأقساط‭ ‬الشهرية‭. ‬لا‭ ‬أظنّ‭ ‬أنّ‭ ‬المتقاعدين‭ ‬الجدد‭ ‬فكروا‭ ‬في‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬صغير‭ ‬يعوضهم‭ ‬عن‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬رواتبهم‭ ‬السابقة‭ ‬وما‭ ‬يتقاضونه‭ ‬بعد‭ ‬الإحالة‭ ‬إلى‭ ‬التقاعد،‭ ‬إنّ‭ ‬مكافأة‭ ‬نهاية‭ ‬الخدمة‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬كافية‭ ‬لأي‭ ‬مشروع‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬متناهي‭ ‬الصغر،‭ ‬صحيح‭ ‬أنّ‭ ‬الكثيرين‭ ‬وخصوصا‭ ‬من‭ ‬الخريجين‭ ‬العاطلين‭ ‬بادروا‭ ‬بالمغامرة‭ ‬بفتح‭ ‬مشاريع‭ ‬صغيرة‭ ‬وكان‭ ‬الحظ‭ ‬حليف‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬الفشل‭ ‬مصير‭ ‬الآخرين‭.‬

الملاحظة‭ ‬الجديرة‭ ‬بالتأمل‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬معالجتنا‭ ‬أو‭ ‬بالأصح‭ ‬التساؤل‭ ‬يتعلق‭ ‬بالخارجين‭ ‬من‭ ‬الوظيفة‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬ذوي‭ ‬الدرجات‭ ‬الدنيا‭ ‬أو‭ ‬المتوسطة‭ ‬بينما‭ ‬من‭ ‬يشغلون‭ ‬الوظائف‭ ‬العليا‭ ‬كالمدراء‭ ‬بقوا‭ ‬في‭ ‬مواقعهم،‭ ‬علما‭ ‬أنّ‭ ‬هؤلاء‭ ‬يحتلون‭ ‬الوظيفة‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة،‭ ‬وكنا‭ ‬نفضل‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬التقاعد‭ ‬الاختياري‭ ‬شملهم‭ ‬لإتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬للدماء‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬لأخذ‭ ‬فرصتهم‭ ‬وإضفاء‭ ‬الحيوية،‭ ‬ولأنّ‭ ‬الطاقات‭ ‬الشبابية‭ ‬تملك‭ ‬المؤهلات‭ ‬الكافية‭ ‬لإدارة‭ ‬كل‭ ‬المواقع‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفتقده‭ ‬القابعون‭ ‬في‭ ‬وظائفهم‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة‭ ‬حتى‭ ‬ساد‭ ‬تصور‭ ‬لدى‭ ‬الجميع‭ ‬بأنّ‭ ‬هذه‭ ‬الوظائف‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬أشبه‭ ‬بالأملاك‭ ‬الخاصة‭ ‬ومحرم‭ ‬الاقتراب‭ ‬منها،‭ ‬والمعضلة‭ ‬الكبرى‭ ‬أن‭ ‬المحفزات‭ ‬التي‭ ‬انطوى‭ ‬عليها‭ ‬مشروع‭ ‬التقاعد‭ ‬الاختياري‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أنّها‭ ‬كانت‭ ‬كافية‭ ‬لهم‭ ‬لترك‭ ‬الوظيفة‭. ‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬إيجابيات‭ ‬للتقاعد‭ ‬الاختياري‭ ‬دفعت‭ ‬الآلاف‭ ‬للانعتاق‭ ‬من‭ ‬الوظيفة‭ ‬وهي‭ ‬حقيقة‭ ‬مؤكدة،‭ ‬ففي‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬هناك‭ ‬مؤشرات‭ ‬سلبية‭ ‬وخطيرة‭ ‬أهمها‭ ‬أنّ‭ ‬الأغلبية‭ ‬لم‭ ‬تزل‭ ‬في‭ ‬عنفوان‭ ‬عطائها‭ ‬وإبداعها‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنّ‭ ‬هذه‭ ‬الكفاءات‭ ‬ستشكل‭ ‬خسارة‭ ‬للوطن‭. ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يرد‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬الأغلبية‭ ‬أي‭ ‬مشروع‭ - ‬كما‭ ‬أسلفت‭ ‬الإشارة‭ - ‬فانّه‭ ‬ليس‭ ‬منطقيا‭ ‬ولا‭ ‬مقبولا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬همهم‭ ‬الأوحد‭ ‬منصرفا‭ ‬إلى‭ ‬“الراحة”‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يصفه‭ ‬البعض‭ ‬بالحرية‭. ‬إنّ‭ ‬الوصف‭ ‬الأدق‭ ‬لما‭ ‬هم‭ ‬مقبلون‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬حياة‭ ‬البلادة‭ ‬والفراغ‭ ‬وما‭ ‬تفضي‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬كالاكتئاب‭ ‬وغيره‭.‬