ستة على ستة

جاسيندا وسمعة نيوزيلندا

| عطا السيد الشعراوي

كانت‭ ‬المجزرة‭ ‬الوحشية‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬أحد‭ ‬غلاة‭ ‬المتطرفين‭ ‬ضد‭ ‬مصلين‭ ‬أبرياء‭ ‬عزل‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬كرايست‭ ‬تشيرتش‭ ‬بنيوزيلندا‭ ‬خلال‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي‭ ‬والتي‭ ‬أودت‭ ‬بحياة‭ ‬50‭ ‬شخصًا‭ ‬كافية‭ ‬بأن‭ ‬تضع‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬البلدان‭ ‬سيئة‭ ‬السمعة‭ ‬لولا‭ ‬الإدارة‭ ‬الإنسانية‭ ‬لهذه‭ ‬الأزمة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬رئيسة‭ ‬وزراء‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬جاسيندا‭ ‬أرديرن،‭ ‬والتي‭ ‬استطاعت‭ ‬تحويل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأنظار‭ ‬وإضعاف‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬فداحة‭ ‬الجريمة‭ ‬بالحديث‭ ‬عن‭ ‬حسن‭ ‬الإدارة‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬الأزمة‭ ‬بحس‭ ‬مسؤول‭ ‬ورؤية‭ ‬شاملة‭ ‬لجميع‭ ‬أبناء‭ ‬المجتمع‭ ‬النيوزيلندي‭ ‬دون‭ ‬تفرقة‭.‬

استطاعت‭ ‬جاسيندا‭ ‬بسلوكيات‭ ‬بسيطة‭ - ‬من‭ ‬بينها‭ ‬ذهابها‭ ‬لتعزية‭ ‬أهالي‭ ‬الضحايا‭ ‬وإعلانها‭ ‬رفع‭ ‬الأذان‭ ‬والوقوف‭ ‬دقيقتيْ‭ ‬صمت‭ ‬في‭ ‬ذكرى‭ ‬مرور‭ ‬أسبوع‭ ‬على‭ ‬المجزرة‭ ‬المروعة‭ ‬ببلادها‭ ‬وجسدت‭ ‬بصدق‭ ‬صورا‭ ‬مختلفة‭ ‬وراقية‭ ‬من‭ ‬التعاطف‭ ‬ومشاعر‭ ‬التضامن‭ ‬مع‭ ‬مسلمي‭ ‬نيوزيلندا‭ - ‬أن‭ ‬تحظى‭ ‬بإشادة‭ ‬الدول‭ ‬الإسلامية‭ ‬وتخفيف‭ ‬سخط‭ ‬شعوبها‭ ‬جراء‭ ‬هذه‭ ‬المجزرة‭ ‬التي‭ ‬تقشعر‭ ‬لها‭ ‬الأبدان‭.‬

فقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنها‭ ‬تعاملت‭ ‬حرصا‭ ‬على‭ ‬بلدها‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬تسعى‭ ‬لنيل‭ ‬رضا‭ ‬آخرين‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬أرضها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬صدقها‭ ‬ونبلها‭ ‬جعلها‭ ‬تحقق‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬توقعاتها،‭ ‬فعندما‭ ‬سئلت‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬ارتدائها‭ ‬الحجاب‭ ‬خلال‭ ‬تعزية‭ ‬أهالي‭ ‬الضحايا‭ ‬وطمأنتهم،‭ ‬قالت‭ ‬أرديرن‭ ‬إنها‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك‭ ‬دون‭ ‬التفكير‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬وإنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تتصور‭ ‬أن‭ ‬ارتداءها‭ ‬الحجاب‭ ‬سيبث‭ ‬في‭ ‬نفوسهم‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬بالأمان‭.‬

أما‭ ‬النقطة‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬جاسيندا‭ ‬فهي‭ ‬تأكيدها‭ ‬أن‭ ‬بث‭ ‬الأمان‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الناس‭ ‬مسؤولية‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتقها،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬تتألم‭ ‬بشدة‭ ‬عندما‭ ‬يشعر‭ ‬الناس‭ ‬بعدم‭ ‬الأمان‭ ‬وتكون‭ ‬هي‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬استعادة‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭. ‬هنا‭ ‬درس‭ ‬مهم‭ ‬لكل‭ ‬دولة‭ ‬تسعى‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬سمعتها‭ ‬سواء‭ ‬بين‭ ‬أبنائها‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬الدولي،‭ ‬فالسمعة‭ ‬الحقيقية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تبنى‭ ‬على‭ ‬شعور‭ ‬الجميع‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬بالأمن،‭ ‬فهنا‭ ‬سيتحول‭ ‬الجميع‭ ‬لجنود‭ ‬مدافعين‭ ‬عن‭ ‬دولتهم‭ ‬مهما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬أزمات‭ ‬ومشكلات،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬الحياة‭ ‬منها‭ ‬ولكن‭ ‬المهم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬شعور‭ ‬بالأمن‭ ‬بمفهومه‭ ‬الشامل‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬مطمئنا‭ ‬في‭ ‬معيشته‭ ‬ومسكنه‭ ‬وبين‭ ‬أهله‭.‬