القاتل بشعار “ياحسين”...

| سعيد محمد

تُظهر‭ ‬الجريمة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬وافد‭ ‬عربي‭ ‬بقتل‭ ‬عامل‭ ‬آسيوي‭ ‬الجنسية،‭ ‬ملامح‭ ‬وحشية‭ ‬لوجهين‭ ‬بشعين‭: ‬الوجه‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬السلوك‭ ‬الإجرامي‭ ‬الخطير‭ ‬لفئة‭ ‬متوحشة‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬والوجه‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬استغلال‭ ‬“أسلوب‭ ‬التأجيج‭ ‬والفتنة‭ ‬الطائفية”‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬أصلًا‭ ‬جريمة‭ ‬مهددة‭ ‬للسلم‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وكلا‭ ‬الوجهين‭ ‬مدمر‭ ‬لأي‭ ‬مجتمع‭.‬

لنلقي‭ ‬نظرة‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬التأجيج‭ ‬الطائفي‭ ‬العارم‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الثمان‭ ‬الماضية،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2011‭ ‬وموجة‭ ‬ما‭ ‬سُمي‭ ‬ب”الربيع‭ ‬العربي”‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬لتشعل‭ ‬قنوات‭ ‬فضائية‭ ‬ومنظومات‭ ‬إعلامية‭ ‬من‭ ‬صحف‭ ‬وإذاعات‭ ‬ومواقع‭ ‬إلكترونية‭ ‬وحسابات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬نار‭ ‬الصدام‭ ‬الطائفي‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬وأصبح‭ ‬العمل‭ ‬الرئيسي‭ ‬لتلك‭ ‬الأبواق‭ ‬هو‭ ‬صب‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الزيت‭ ‬على‭ ‬نار‭ ‬الخلافات‭ ‬المذهبية،‭ ‬والهدف‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬هو‭ ‬تسهيل‭ ‬تفتيت‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬من‭ ‬الداخل‭! ‬فالتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬والاحترام‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬هو‭ ‬صمام‭ ‬أمان،‭ ‬لكن‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬اشتعل‭ ‬الصدام‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬“سنة‭ ‬وشيعة”‭ ‬وبين‭ ‬“المسلمين‭ ‬والمسيحيين”،‭ ‬وبين‭ ‬أتباع‭ ‬هذه‭ ‬الديانة‭ ‬من‭ ‬أتباع‭ ‬تلك‭ ‬الديانة،‭ ‬يصبح‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬تنفيذ‭ ‬أجندة‭ ‬التدمير‭.‬

عودًا‭ ‬إلى‭ ‬جريمة‭ ‬القتل،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬نشرته‭ ‬صحيفة‭ ‬“البلاد”‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬الماضي‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ ‬الجاري،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبارها‭ ‬نموذجًا‭ ‬لاستغلال‭ ‬المؤثر‭ ‬الطائفي،‭ ‬فقد‭ ‬استمعت‭ ‬المحكمة‭ ‬الكبرى‭ ‬الجنائية‭ ‬الأولى‭ ‬–‭ ‬وفقًا‭ ‬للخبر‭ ‬نصًا‭ - ‬إلى‭ ‬الطبيب‭ ‬النفسي،‭ ‬والذي‭ ‬أكد‭ ‬مسؤولية‭ ‬وافد‭ ‬عربي‭ ‬الجنسية‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬41‭ ‬عامًا،‭ ‬ويحمل‭ ‬شهادة‭ ‬هندسة‭ ‬طبية‭ ‬وعاطل‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬”عن‭ ‬تصرفاته‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬أمراض‭ ‬نفسية‭ ‬وقت‭ ‬ارتكابه‭ ‬لواقعة‭ ‬قتل‭ ‬عامل‭ ‬آسيوي‭ ‬الجنسية،‭ ‬مبينًا‭ ‬أنه‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬طبيب‭ ‬السجن‭ ‬الذي‭ ‬عاين‭ ‬المتهم‭ ‬وذكر‭ ‬أن‭ ‬الأخير‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬ثنائية‭ ‬القطب‭ ‬حسب‭ ‬ادعائه‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬طبيب‭ ‬أسنان‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬ذكر‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭.‬

ماذا‭ ‬فعل‭ ‬القاتل؟‭ ‬وفق‭ ‬تفاصيل‭ ‬المحكمة،‭ ‬فإن‭ ‬المتهم‭ ‬ارتكب‭ ‬جريمته‭ ‬بحق‭ ‬الضحية‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬أية‭ ‬علاقة‭ ‬بينهما،‭ ‬إذ‭ ‬قتل‭ ‬المجني‭ ‬عليه‭ ‬فقط‭ ‬لأنه‭ ‬شاهده‭ ‬وهو‭ ‬بحالة‭ ‬سكر،‭ ‬فقرّر‭ ‬قتله‭ ‬وإخفاء‭ ‬آثار‭ ‬جريمته‭ ‬بمواد‭ ‬كيميائية،‭ ‬وليتمكن‭ ‬من‭ ‬تظليل‭ ‬المحققين‭ ‬كتب‭ ‬على‭ ‬جدار‭ ‬مسكن‭ ‬الضحية‭ ‬عبارة‭ ‬“الله‭ ‬أكبر،‭ ‬يا‭ ‬حسين،‭ ‬أحبك،‭ ‬لا‭ ‬“لدولة‭ ‬المجني‭ ‬عليه”،‭ ‬ليوحي‭ ‬للمحققين‭ ‬في‭ ‬القضية‭ ‬بأن‭ ‬دوافع‭ ‬ارتكاب‭ ‬الجريمة‭ ‬دينية‭ ‬وطائفية‭ ‬وأن‭ ‬القاتل‭ ‬شيعي‭ ‬المذهب،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الحقيقة‭.‬‭ ‬إذن،‭ ‬الجريمة‭ ‬بشعة،‭ ‬والقاتل‭ ‬“متعلم”،‭ ‬لندرك‭ ‬مدى‭ ‬“خطورة‭ ‬المجرم‭ ‬والطائفي‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد”،‭ ‬لنقرع‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬أجراس‭ ‬التحذير‭ ‬من‭ ‬السلوك‭ ‬الإجرامي‭ ‬والفعل‭ ‬الطائفي‭ ‬والتصدي‭ ‬بحزم‭ ‬لحماية‭ ‬المجتمع‭.‬