“مواقف إنسانية ولا أروع”

| زهير توفيقي

إن‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬أنواعها‭ ‬تنقل‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأخبار‭ ‬والتقارير‭ ‬والمواضيع‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬البشرية،‭ ‬وتنقل‭ ‬لنا‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬مواقف‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬تصلح‭ ‬لتكون‭ ‬عظة‭ ‬وعبرة‭ ‬ودرسا‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭. ‬وقد‭ ‬اطلعت‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬خبر‭ ‬يتعلق‭ ‬بأحد‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬مدارس‭ ‬دول‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬اعتاد‭ ‬هذا‭ ‬الطالب‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬زميلا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الهمم‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬ظهره‭ ‬لمدة‭ ‬6‭ ‬أعوام‭! ‬يا‭ ‬إلهي،‭ ‬كم‭ ‬اهتزت‭ ‬مشاعري‭ ‬وأنا‭ ‬أقرأ‭ ‬هذا‭ ‬الخبر‭ ‬الفريد‭ ‬من‭ ‬نوعه،‭ ‬6‭ ‬أعوام‭ ‬وليس‭ ‬6‭ ‬أيام‭!‬

السؤال‭ ‬هنا،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الدافع‭ ‬أو‭ ‬الحافز‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬هذا‭ ‬الطالب‭ ‬لأن‭ ‬يحمل‭ ‬زميلا‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬ظهره‭ ‬طوال‭ ‬هذه‭ ‬السنوات؟‭ ‬إنه‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬عمل‭ ‬إنساني‭ ‬فذ‭ ‬وبادرة‭ ‬إنسانيّة‭ ‬نبيلة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬معنى،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الخبر‭ ‬كان‭ ‬مقتضباً‭ ‬وقصيراً‭ ‬جداَ،‭ ‬ولا‭ ‬يتضمن‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬تروي‭ ‬التفاصيل،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المحتوى‭ ‬كان‭ ‬شديد‭ ‬الوضوح،‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭ ‬الدارج‭ ‬“الكتاب‭ ‬يقرأ‭ ‬من‭ ‬عنوانه”‭.‬

بصراحه‭ ‬تامة،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أعتبر‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬هذا‭ ‬الطالب‭ ‬عملاً‭ ‬عاديّاً‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬بل‭ ‬أجده‭ ‬مثالا‭ ‬يحتذى‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الإنساني‭ ‬والخيري،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬درس‭ ‬مجاني‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬الخير‭ ‬والبذل‭ ‬والتضحيّة‭ ‬وخدمة‭ ‬الآخرين،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يتعيّن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعلّمه‭ ‬لأبنائنا‭ ‬كل‭ ‬يوم‭.‬

إنها‭ ‬مسؤولية‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور،‭ ‬والمدرسة،‭ ‬والمجتمع،‭ ‬ومؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الجهات،‭ ‬هي‭ ‬بالطبع‭ ‬ثقافة‭ ‬وتربية‭ ‬وتعليم،‭ ‬ثقافة‭ ‬ينبغي‭ ‬علينا‭ ‬زرعها‭ ‬وتكريسها‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الأبناء،‭ ‬بل‭ ‬السعي‭ ‬لتضمينها‭ ‬في‭ ‬الأنشطة‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تقديمها‭ ‬في‭ ‬مدارسنا‭.‬

وحيث‭ ‬إن‭ ‬الشيء‭ ‬بالشيء‭ ‬يُذكر،‭ ‬أعجبتني‭ ‬كثيراً‭ ‬المبادرة‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بإطلاقها‭ ‬مدرسة‭ ‬بيان‭ ‬البحرين‭ ‬مؤخراً‭ ‬دعماً‭ ‬لمشروع‭ ‬الفارس‭ ‬لتوفير‭ ‬مضخات‭ ‬الأنسولين‭ ‬للأطفال‭ ‬وذلك‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬المؤسسة‭ ‬الخيرية‭ ‬الملكية‭ ‬التي‭ ‬بادرت‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬بتدشين‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬لتوفير‭ ‬مضخات‭ ‬الأنسولين‭ ‬للأطفال‭ ‬البحرينيين‭ ‬الأيتام‭ ‬المصابين‭ ‬بهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الداء‭. ‬إنها‭ ‬مبادرة‭ ‬تستحق‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬كُل‭ ‬الشكر‭ ‬والتقدير،‭ ‬فهي‭ ‬صورة‭ ‬جميلة‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬خدمة‭ ‬المجتمع،‭ ‬وتُسهم‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬وتأصيل‭ ‬روح‭ ‬الشراكة‭ ‬المجتمعية‭ ‬لدى‭ ‬الطلبة‭. ‬كل‭ ‬الشكر‭ ‬والتقدير‭ ‬لإدارة‭ ‬مدرسة‭ ‬بيان‭ ‬البحرين‭ ‬بقيادة‭ ‬التربويّة‭ ‬المتميزة‭ ‬سعادة‭ ‬الدكتورة‭ ‬مي‭ ‬العتيبي‭ ‬لدعمها‭ ‬الكبير‭ ‬لهذه‭ ‬الفكرة،‭ ‬وتشجيعها‭ ‬طلبة‭ ‬المدرسة‭ ‬على‭ ‬البذل‭ ‬والعطاء‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الآخرين،‭ ‬وسعيها‭ ‬الحثيث‭ ‬للبحث‭ ‬عمّن‭ ‬يمكنه‭ ‬تقديم‭ ‬أيّ‭ ‬دعم‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬نوع‭ ‬لدعم‭ ‬وتمويل‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الإنساني‭ ‬والخيري‭ ‬المُميّز‭.‬

ولا‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أنسى‭ ‬هنا‭ ‬بالطبع‭ ‬التنويه‭ ‬بالدور‭ ‬المهّم‭ ‬والريادّي‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬لدعم‭ ‬كل‭ ‬المشاريع‭ ‬الخيريّة‭ ‬والإنسانيّة‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬أصحاب‭ ‬الأيادي‭ ‬البيضاء‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬الميسورين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬المعطاء،‭ ‬وأنا‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬كبيرة‭ ‬بأن‭ ‬الشعب‭ ‬البحريني‭ ‬الطيّب،‭ ‬بجميع‭ ‬أطيافه‭ ‬وفئاته،‭ ‬لن‭ ‬يتردد‭ ‬لحظة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬والمساندة‭ ‬لجميع‭ ‬الأعمال‭ ‬الخيرية‭ ‬فقد‭ ‬جُبل‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬الكريم‭ ‬على‭ ‬الخير‭ ‬وحُب‭ ‬العطاء‭ ‬والتعاون‭ ‬لصالح‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الغالية‭ ‬ومن‭ ‬يعيش‭ ‬عليها‭.‬