وباء المخدرات

| أحمد خليفة الحمادي

تعد‭ ‬ظاهرة‭ ‬تعاطي‭ ‬المخدرات،‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬الظواهر‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والصحية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬وقتنا‭ ‬الحاضر،‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬أضرار‭ ‬جسيمة،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يتعاطاها‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬أسرته‭ ‬ومجتمعه،‭ ‬لذلك‭ ‬نالت‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬ومازالت،‭ ‬اهتمام‭ ‬وعناية‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬والهيئات‭ ‬الدولية،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬تعاطي‭ ‬المخدرات‭ ‬ليست‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الخليجية،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬ومعروفة‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬أخذت‭ ‬أبعاداً‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة،‭ ‬فمن‭ ‬الشائع‭ ‬أن‭ ‬المخدرات‭ ‬كانت‭ ‬تنتشر‭ ‬سابقاً‭ ‬بين‭ ‬فئات‭ ‬اجتماعية‭ ‬محددة،‭ ‬تتصف‭ ‬بأنها‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬غالباً،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬العاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬تنتشر‭ ‬بين‭ ‬المشردين‭ ‬والمنبوذين‭ ‬اجتماعياً،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬أسر‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬التفكك‭ ‬الأسري‭ ‬وما‭ ‬شابه‭ ‬ذلك،‭ ‬بينما‭ ‬نجدها‭ ‬الآن‭ ‬تنتشر‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع،‭ ‬فهي‭ ‬موجودة‭ ‬بين‭ ‬المواطنين،‭ ‬والمتعلمين‭ ‬والأميين،‭ ‬والأغنياء‭ ‬والفقراء،‭ ‬والأبناء‭ ‬الذين‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬أسر‭ ‬مفككة،‭ ‬أو‭ ‬متماسكة‭.‬

وصلت‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الحقائق‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬أجريتها‭ ‬على‭ ‬مرضى‭ ‬الإدمان،‭ ‬وأظهرت‭ ‬تلك‭ ‬الدراسة‭ ‬أن‭ ‬أسرع‭ ‬وأسهل‭ ‬طريق‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬المخدرات‭ ‬كانت‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الأصدقاء‭ ‬بنسبة‭ ‬61‭,‬5‭ %‬،‭ ‬مما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬توفره‭ ‬“شلة‭ ‬الأصدقاء”‭ ‬من‭ ‬تسهيلات‭ ‬لأفرادها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تعاطي‭ ‬المخدرات،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬لدى‭ ‬هذه‭ ‬الـ‭ ‬“شلل”‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬التضامن‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬المخدرات‭ ‬لأفراد‭ ‬المجموعة،‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬تتوافر‭ ‬المخدرات‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬عدم‭ ‬توافر‭ ‬المال‭ ‬لدى‭ ‬الفرد‭ ‬نفسه‭.‬

وعند‭ ‬سؤال‭ ‬عينة‭ ‬الدراسة‭ ‬حول‭ ‬أسباب‭ ‬تعاطي‭ ‬المخدرات،‭ ‬كانت‭ ‬نسبة‭ ‬“نسيان‭ ‬الهموم‭ ‬والمشكلات‭ ‬الخاصة”‭ ‬تحتل‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬بنسبة‭ ‬53‭,‬8‭ % ‬تليها‭ ‬مباشرة‭ ‬التسلية‭ ‬و”الانبساط”‭ ‬بنسبة‭ ‬15‭,‬4‭ %‬،‭ ‬ثم‭ ‬التقليد‭ ‬ومجاراة‭ ‬الأصدقاء‭ ‬بنسبة‭ ‬15‭,‬4‭ %‬،‭ ‬ولاحظت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬أجريتها‭ ‬لمرضى‭ ‬الإدمان‭ ‬تقارب‭ ‬الأسباب‭ ‬والعوامل‭ ‬المؤدية‭ ‬لظاهرة‭ ‬المخدرات،‭ ‬ولمست‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬أن‭ ‬الأسباب‭ ‬متقاربة‭ ‬والظروف‭ ‬والعوامل‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬أسباب‭ ‬التعاطي‭.‬

وكشفت‭ ‬الدراسة‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬المتعاطين‭ ‬من‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية‭ ‬الشابة،‭ ‬والتي‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬عطاء‭ ‬وإنتاجاً‭ ‬حيث‭ ‬تتراوح‭ ‬أعمارهم‭ ‬من‭ ‬17‭ ‬سنة‭ ‬إلى‭ ‬40‭ ‬سنة،‭ ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬تعتبر‭ ‬قمة‭ ‬العطاء‭ ‬والطموح‭.‬

لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬مشكلة‭ ‬تعاطي‭ ‬المخدرات‭ ‬وباء‭ ‬ينخر‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬جميع‭ ‬المجتمعات،‭ ‬حتى‭ ‬بدا‭ ‬وكأن‭ ‬ترويج‭ ‬المخدرات‭ ‬وتعويد‭ ‬الشباب‭ ‬على‭ ‬تعاطيها‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬مصادفة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬نتيجة‭ ‬تفاعلات‭ ‬اجتماعية‭ ‬طبيعية،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تتولاه‭ ‬جهة‭ ‬أو‭ ‬جهات‭ ‬ليس‭ ‬جمع‭ ‬المال‭ ‬هدفها‭ ‬الوحيد،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تضمر‭ ‬أهدافاً‭ ‬أخرى‭ ‬يلعب‭ ‬انتشار‭ ‬المخدرات‭ ‬الدور‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬تحقيقها‭. ‬وتشير‭ ‬كل‭ ‬الدلائل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الشباب‭ ‬الفئة‭ ‬المستهدفة،‭ ‬وذلك‭ ‬بغية‭ ‬إبعادهم‭ ‬عن‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يضطلعوا‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الوطن‭ ‬وتنميته‭.‬

 

“إن‭ ‬ترويج‭ ‬المخدرات‭ ‬وتعويد‭ ‬الشباب‭ ‬على‭ ‬تعاطيها‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬مصادفة‭ ‬أو‭ ‬نتيجة‭ ‬تفاعلات‭ ‬اجتماعية‭ ‬طبيعية”‭.‬