قهوة الصباح

المجد والاكتئاب "4"

| سيد ضياء الموسوي

أبحرت‭ ‬بأشرعتي‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والفنانين‭ ‬وأباطرة‭ ‬الفكر؛‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬الصندوق‭ ‬الأسود‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬طائرة‭ ‬سعادتهم‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬الاكتئاب،‭ ‬وموج‭ ‬القلق،‭ ‬وجنون‭ ‬الإعصار‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬تنقيب‭ ‬معرفية؛‭ ‬لمعرفة‭ ‬أسرار‭ ‬النفس‭ ‬البشرية،‭ ‬وفلسفة‭ ‬الوجود،‭ ‬وكنه‭ ‬وجود‭ ‬الإنسان،‭ ‬وحقيقة‭ ‬ما‭ ‬بهم،‭ ‬وهم‭ ‬العباقرة‭ ‬بين‭  ‬تأرجح‭ ‬الحياة‭ ‬كمثال‭ ‬لفيلسوف‭ ‬التشاؤم‭ ‬شوبنهاور‭ ‬بين‭ ‬المتعة‭ ‬والألم‭ ‬أو‭ ‬تقديس‭ ‬اللذة‭ ‬للفيلسوف‭ ‬أبيقور‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬بالخلود‭ ‬الأبدي‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬الفراعنة،‭ ‬خصوصا‭ ‬لعظماء،‭ ‬عبقريتهم‭ ‬ممهورة‭ ‬ومختومة‭ ‬بلمسة‭ ‬الرب،‭ ‬متسائلا‭ ‬بحفر‭ ‬الفيلسوف‭ ‬فوكو،‭ ‬وبتشكيك‭ ‬ديكارت،‭ ‬ووجودية‭ ‬سارتر،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬ينقص‭ ‬صاحب‭ ‬المجد‭ ‬أن‭ ‬أمتلك‭ ‬بريق‭ ‬المال،‭ ‬وإكسير‭ ‬المنصب،‭ ‬وكثافة‭ ‬ضوء‭ ‬مصابيح‭ ‬الشهرة‭ ‬ودنيا‭ ‬الحب‭ ‬أيضا؟‭ ‬ولماذا‭ ‬عجزوا‭ ‬عن‭  ‬تحويل‭ ‬قطع‭ ‬جواهر‭ ‬امتيازات‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬قلادة‭ ‬سعادة‭ ‬لا‭ ‬مشنقة‭ ‬وجود؟‭ ‬وهل‭ ‬الحب‭ ‬اللعنة‭ ‬الأخرى‭ ‬لتعاسة‭ ‬بين‭ ‬دونجوانية‭ ‬سارتر‭ ‬الوسواسيّة،‭ ‬أو‭ ‬الغياب‭ ‬الأسطوري‭ ‬للرغبة‭ ‬عند‭ ‬كانط،‭ ‬أو‭ ‬الفشل‭ ‬الممزق‭ ‬للروح‭ ‬والمتكرر‭ ‬لنيتشة‭ ‬مع‭ ‬الحسناوات؟‭!! ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬عتبة‭ ‬مجد‭ ‬صيدلية،‭ ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬دفقة‭ ‬شهرة‭ ‬عقاقير‭. ‬فمن‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬كاتب‭ ‬الرعب‭ ‬الشهير‭ ‬إدغار‭ ‬آلان‭ ‬بو‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مولعا‭ ‬بتصوير‭ ‬الشخصيات‭ ‬المضطربة‭ ‬في‭ ‬كتاباته‭ ‬ومهووسا‭ ‬بعلم‭ ‬النفس،‭ ‬والسؤال‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬قاده‭ ‬للجنون‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬نسيان‭ ((‬كوكتيل‭ ‬الحياة‭))‬،‭ ‬والذي‭ ‬أعني‭ ‬بها‭ ‬التمتع‭ ‬بكل‭ ‬أنواع‭ ‬الجمال‭ ‬المنثور‭ ‬بيد‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬جمال‭ ‬روح،‭ ‬ونضارة‭ ‬محيا،‭ ‬ورقصة‭ ‬طبيعة،‭ ‬ومذاق‭ ‬زاد،‭ ‬وتوأم‭ ‬روح،‭ ‬وسياحة‭ ‬عمر،‭ ‬وزينة‭ ‬مال‭ ‬وبنون‭... ‬إلخ‭. ‬أقول‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الكاتب‭ ‬ادغار‭ ‬ترك‭ ‬النفس‭ ‬تلهو‭ ‬في‭ ‬هوس‭ ‬قاتل‭ ‬بالكتابة‭ ‬في‭ ‬الرعب؟‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬إسرافه‭ ‬في‭ ‬التعلق‭ ‬بالخمر‭ ‬أم‭ ‬هو‭ ‬موت‭ ‬حبيبته‭ ‬التي‭ ‬مات‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬بعد‭ ‬وفاتها‭ ‬بسنتين؟‭ ‬فهل‭ ‬الحب‭ ‬يقتل‭ ‬أم‭ ‬ينهي‭ ‬أحزانا،‭ ‬ونزار‭ ‬قباني‭ ‬يقول‭: ‬الحب‭ ‬كان‭ ‬مخدرا‭ ‬جربته‭ ‬لم‭ ‬ينه‭ ‬أحزاني‭ ‬ولا‭ ‬أزماتي‭.!! ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الكاتب‭ ‬الأمريكي‭ ‬الشهير‭ ‬هيمنغواي‭ ‬نسيان‭ ‬المجد‭ ‬والمال‭ ‬والشهرة‭ ‬والأضواء‭ ‬والانتحار‭ ‬ببندقيته؟‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬جينة‭ ‬انتحارية‭ ‬تنتقل‭ ‬في‭ ‬العائلة‭ ‬المكتئبة،‭ ‬حيث‭ ‬والده‭ ‬وأخوه‭ ‬وأخته،‭ ‬ماتوا‭ ‬جميعا‭ ‬مُنتحرين‭ ‬في‭ ‬خبث‭ ‬جينات‭ ‬متسللة؟‭ ‬ولماذا‭ ‬ترك‭ ‬الاكتئاب‭ ‬يفترسه،‭ ‬ولم‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الحل‭ ‬في‭ ((‬كوكتيل‭ ‬الحياة‭)) ‬مع‭ ‬البحث،‭ ‬ولو‭ ‬عن‭ ‬طبيب‭ ‬معالج؟‭ ‬ولماذا‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬لم‭ ‬تشبع‭ ‬نرجسته‭ ‬المتقرحة؟‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أسبابا‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬سعادة‭ ‬العظماء،‭ ‬وصانعي‭ ‬التاريخ،‭ ‬وكان‭ ‬عليهم‭ ‬البحث‭ ‬عنها،‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬كوكتيل‭ ‬الحياة،‭ ‬وإنقاد‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وعدم‭ ‬الاستسلام،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬رئات‭ ‬تنفس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬الجميل‭ ‬الذي‭ ‬صاغته‭ ‬يد‭ ‬الإله‭ ‬كلوحة‭ ‬فنية‭ ‬زيتية،‭ ‬فهم‭ ‬أولى‭ ‬بالسعادة‭ ‬ومتع‭ ‬الحياة،‭ ‬فشخصية‭ ‬عظيمة‭ ‬مثل‭ ‬بيتهوفن‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تستسلم‭ ‬لفكرة‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬ألم‭ ‬الواقع‭ ‬باحتساء‭ ‬كؤوس‭ ‬من‭ ‬الخمرة‭ ‬السامة،‭ ‬في‭ ‬تحايل‭ ‬وقتي‭ ‬قد‭ ‬يخرج‭ ‬المدمن‭ ‬من‭ ‬جحيم‭ ‬الزمن‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬بطن‭ ‬مقبرة‭ ‬الوجود‭. ‬والسؤال‭: ‬هل‭ ‬هي‭ ‬قسوة‭ ‬الأب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يضربه،‭ ‬فأفقده‭ ‬حاسة‭ ‬السمع‭ ‬فى‭ ‬مراحل‭ ‬متقدمة‭ ‬من‭ ‬حياته،‭ ‬ففقد‭ ‬طعم‭ ‬الحياة؟‭ ‬أم‭ ‬هي‭ ‬العبقرية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يشعلها‭ ‬إلا‭ ‬الجنون،‭ ‬أم‭ ‬الطعنات‭ ‬العاطفية‭ ‬لخناجر‭ ‬فتيات‭ ‬طبقة‭ ‬النبلاء‭ ‬فراح‭ ‬بجلد‭ ‬ذاته،‭ ‬وفات‭ ‬بيتهوفن‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نختار‭ ‬من‭ ‬نحب،‭ ‬وأن‭ ‬علاقتنا‭ ‬بالحب‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تقيح‭ ‬زمني‭ ‬غير‭ ‬معلن‭ ‬يقع‭ ‬مصادفة‭ ‬أم‭ ‬ترى‭ ‬هي‭ ‬خلطة‭ ‬كيميائية‭ ‬لكيمياء‭ ‬الحب،‭ ‬انسجمت‭ ‬لتنتج‭ ‬علاقة‭ ‬بين‭ ‬قلب‭ ‬وادع،‭ ‬وخنجر‭ ‬بشري‭ ‬يسمى‭ ‬حبيبا؟‭!. ‬نعم‭ ‬كما‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نختار‭ ‬الأم‭  ‬لا‭ ‬نختار‭ ‬الحبيبة‭. ‬ومسكين‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬يقوده‭ ‬القدر‭ ‬لحب،‭ ‬ورده‭ ‬وأزهاره‭ ‬لا‭ ‬تنبت‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬جدار‭ ‬مقبرة‭ ‬أو‭ ‬شرفة‭ ‬أطلال‭ ‬أو‭ ‬فوق‭ ‬ضريح‭ ‬مهشم‭ ‬مهمل‭ ‬كان‭ ‬يسمى‭ ‬قلبا‭.‬