وَخْـزَةُ حُب

اليوم الأسود!

| د. زهرة حرم

نعرف‭ ‬المثل‭ ‬المشهور‭: ‬القرش‭ ‬الأبيض؛‭ ‬لليوم‭ ‬الأسود‭! ‬وهو‭ ‬المثل‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬يُشجَّعُ‭ ‬الفردُ‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬الادخّار،‭ ‬وعدم‭ ‬هدر‭ ‬المال‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مُسوِّغ‭ ‬أو‭ ‬حاجة‭ ‬أو‭ ‬غرض‭! ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬ضير‭ ‬فيه،‭ ‬بل‭ ‬ممدوح،‭ ‬ومحمود،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬كثيرين‭ ‬يعيشون‭ ‬كامل‭ ‬حياتهم‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تجميع،‭ ‬وتكديس،‭ ‬و‭(‬تحويش‭) ‬لهذا‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬سيَسوَّد‭ ‬أو‭ ‬يَحلُك‭! ‬تراهم‭ ‬في‭ ‬تأهب‭ ‬أو‭ ‬ترقُّب،‭ ‬يعملون‭ ‬لهذا‭ ‬اليوم‭ ‬الأسود،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬رادّ‭ ‬لقضائه،‭ ‬فهو‭ ‬نازل‭ ‬نازل،‭ ‬وقادم‭ ‬لا‭ ‬محالة‭! ‬ولولا‭ ‬تخطيطهم‭ ‬له‭ ‬جيدا؛‭ ‬لكانوا‭ ‬–‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬–‭ ‬سيقعون‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬مأساوية‭ ‬يُرثى‭ ‬لها؛‭ ‬من‭ ‬الضنك،‭ ‬والمعاناة،‭ ‬والمصائب،‭ ‬والآلام‭ ‬والأسقام‭... ‬وحدِّثوا‭ ‬ولا‭ ‬حرج‭!‬

من‭ ‬الحكمة‭ ‬ألَّا‭ ‬تكون‭ ‬مُسرفًا؛‭ ‬فالمبذرون‭ ‬إخوان‭ ‬الشياطين‭! ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬حالتهم‭ ‬المالية‭ ‬رغيدة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬التعقل‭ ‬والنضج‭ ‬–‭ ‬كذلك‭ - ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬الواقع‭ ‬أو‭ ‬الحاضر‭ ‬مع‭ (‬ملعقة‭ ‬متوسطة‭) ‬من‭ ‬خير‭ ‬ما‭ ‬تملك‭! ‬فلماذا‭ ‬تُقتر‭ ‬على‭ ‬نفسك،‭ ‬وتعيش‭ ‬عيشة‭ ‬الزاهد،‭ ‬الفقير،‭ ‬المحتاج،‭ ‬المعوز،‭ ‬ولديك‭ ‬كفاف‭ ‬يومك،‭ ‬مما‭ ‬يُسعد‭ ‬خاطرك،‭ ‬ويُرضي‭ ‬من‭ ‬حولك‭!‬؟‭ ‬فقط؛‭ ‬لأن‭ ‬يومًا‭ ‬أسود؛‭ ‬كشبحٍ‭ ‬رماديٍّ‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬شكله‭ ‬ولا‭ ‬كُنهه‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إليك‭! ‬الله‭ ‬العالم‭ ‬متى؟‭ ‬وأين؟‭ ‬وكيف؟‭!‬

يومك‭ ‬الأسود‭ ‬الذي‭ ‬تَجهد‭ ‬من‭ ‬أجله،‭ ‬وتقضي‭ ‬أيام‭ ‬عمرك‭ ‬الجميلة،‭ ‬وزهرتها،‭ ‬وحلاوتها،‭ ‬وشبابها‭ ‬وأنت‭ ‬تجمع‭ ‬له؛‭ ‬سيأتي‭ ‬آخرون‭ ‬من‭ ‬بعدك‭ ‬ليكسروا‭ ‬حصالته‭! ‬وليتمتعوا‭ ‬بما‭ ‬جمعته،‭ ‬وجنيته‭! ‬ليتحول‭ ‬–‭ ‬بذلك‭ ‬–‭ ‬يومك‭ ‬الأسود‭ ‬إلى‭ ‬يومهم‭ ‬الأبيض‭! ‬كَدح‭ ‬عمرِك‭ ‬الممزوج‭ ‬بالتعب‭ ‬والعرق‭ ‬سيصير‭ ‬–‭ ‬بعدك‭ ‬–‭ ‬فُسحة‭ ‬وارفةً‭ ‬وواسعة‭ ‬من‭ ‬العطايا‭ ‬الخفيفة‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬ميراث؛‭ ‬ورَّثته‭ ‬–‭ ‬أنت‭ ‬–‭ ‬ببساطة‭ ‬إلى‭ ‬آخرين؛‭ ‬لن‭ ‬يعرفوا‭ ‬مطلقًا‭ ‬حجم‭ ‬ما‭ ‬عانيت؛‭ ‬لتمتلكه‭!‬

ليس‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬التوازن‭ ‬في‭ ‬حياتك‭! ‬ليس‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تتنفس‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ضغوطاتِ‭ ‬قادمٍ‭ ‬مجهولٍ‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬مطلقا‭! ‬ليس‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تتفاءل‭ ‬بالأيام‭ ‬المستقبلية‭ ‬البيضاء‭! ‬فانتظار‭ ‬الأسود‭ ‬يُخفي‭ ‬نفسية‭ ‬متشائمة،‭ ‬تتوارثها‭ ‬الأجيال‭ ‬بسلبية‭ ‬شديدة؛‭ ‬حتى‭ ‬أصبحنا‭ ‬لا‭ ‬نعيش‭ ‬الفرحَ‭ ‬الحاضر‭ ‬إلا‭ ‬بتوجس‭ ‬المُرتاب‭ ‬منه،‭ ‬الشاكّ‭ ‬في‭ ‬اكتماله‭! ‬فنحن‭ ‬أمة‭ ‬تستبطن‭ ‬الشر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭! ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬نشعر؛‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬إنعاشه،‭ ‬ورعايته،‭ ‬وتغذيته؛‭ ‬ليكبر‭ ‬في‭ ‬المستقبل؛‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬مارد‭ ‬أسود‭! ‬هذا‭ ‬حاضركم،‭ ‬استمتعوا‭ ‬بما‭ ‬تمتلكونه‭ ‬فيه،‭ ‬من‭ ‬مالٍ،‭ ‬ومادة،‭ ‬وعلاقات‭! ‬عيشوا‭ ‬فُرصَهُ‭ ‬وإمكاناته،‭ ‬فالغد؛‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يأتيكم؛‭ ‬لا‭ ‬بكوابيس‭ ‬أيامٍ‭ ‬سوداء،‭ ‬ولا‭ ‬بأحلامٍ‭ ‬ربيعية‭ ‬بيضاء،‭ ‬وتذكّروا‭ ‬أن‭ ‬الغد‭ ‬ليس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نتيجة‭ ‬اليوم،‭ ‬وحصيلة‭ ‬جُهده،‭ ‬وترجمان‭ ‬عمله‭. ‬لكن‭! ‬حذارِ‭ ‬أن‭ ‬تقتلوا‭ ‬اليوم‭ ‬لتحيُوا‭ ‬الغد؛‭ ‬الذي‭ ‬سيحلّ؛‭ ‬ليقتل‭ ‬ما‭ ‬بعده،‭ ‬وهكذا‭! ‬فنحن‭ ‬من‭ ‬ينسج‭ ‬قصص‭ ‬اليوم‭ ‬الأسود؛‭ ‬لا‭ ‬القضاء‭ ‬والقدر‭!.‬