ريشة في الهواء

الوطن ليس أغنية فحسب

| أحمد جمعة

خسارة‭ ‬أجيال‭ ‬نابغة‭ ‬وذكية،‭ ‬ضياع‭ ‬سنين‭ ‬قاسية‭ ‬من‭ ‬المعاناة‭ ‬منذ‭ ‬التمهيد‭ ‬بالحضانة،‭ ‬مرورا‭ ‬بالابتدائي‭ ‬والإعدادي‭ ‬والثانوي،‭ ‬ثم‭ ‬البكالوريوس‭ ‬والماجستير‭ ‬وختاماً‭ ‬بالدكتوراه،‭ ‬خسارة‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬وسقوطه‭ ‬بمتاهة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬وظيفة‭ ‬يعيد‭ ‬خلالها‭ ‬بناء‭ ‬أحلامه‭ ‬وطموحاته،‭ ‬فقدان‭ ‬ثقته‭ ‬بوطنه‭ ‬وولائه‭ ‬له‭ ‬الذي‭ ‬كرس‭ ‬حياته‭ ‬بين‭ ‬الحلم‭ ‬والوفاء،‭ ‬هذه‭ ‬الخسارة‭ ‬لهذا‭ ‬الجيل‭ ‬ستكون‭ ‬وصمة‭ ‬عار‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬استمرت،‭ ‬بينما‭ ‬شعارات‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬الأهلية‭ ‬والخاصة‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‭ ‬بالادعاء‭ ‬والزعم‭ ‬بأنها‭ ‬تسعى‭ ‬وراء‭ ‬الخطط‭ ‬والبرامج،‭ ‬لإدماج‭ ‬جيل‭ ‬بكامله‭ ‬بقارعة‭ ‬الطريق،‭ ‬فبين‭ ‬الأقوال‭ ‬والأفعال،‭ ‬يقف‭ ‬آلاف‭ ‬الخريجين،‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬حلموا‭ ‬كغيرهم‭ ‬بعالم‭ ‬وردي،‭ ‬يمسح‭ ‬عن‭ ‬كاهلهم‭ ‬قسوة‭ ‬وشراسة‭ ‬السنين‭ ‬التي‭ ‬قضوها‭ ‬بين‭ ‬الحضانات‭ ‬والمدارس‭ ‬والجامعات‭ ‬وكانوا‭ ‬خلالها‭ ‬كالملائكة‭ ‬التي‭ ‬تحلم‭ ‬بالنزول‭ ‬للأرض‭ ‬لترى‭ ‬معجزة‭ ‬الخالق‭ ‬لتصعق‭ ‬بواقع‭ ‬الخلق‭.‬

عندما‭ ‬أرى‭ ‬اليوم‭ ‬أطفالنا‭ ‬كالملائكة‭ ‬يتدفقون‭ ‬على‭ ‬الحضانات‭ ‬والروضات،‭ ‬وهم‭ ‬بسنوات‭ ‬البذور‭ ‬الأولى‭ ‬تخنقني‭ ‬العبرة‭ ‬وأقف‭ ‬مشدوداً‭ ‬تجاه‭ ‬العقود‭ ‬القادمة‭ ‬المجهولة‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أين‭ ‬يضع‭ ‬أبناءه؟‭ ‬ولا‭ ‬كيف‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬ذكائهم‭ ‬الحماسي‭ ‬وفطرتهم‭ ‬المتقدة‭ ‬للعمل‭ ‬بعد‭ ‬أحلام‭ ‬سنين‭ ‬بحمل‭ ‬شهاداتهم‭ ‬والتوجه‭ ‬لمصانع‭ ‬المستقبل‭ ‬ليبنوا‭ ‬حضارتهم‭ ‬وعصرهم‭ ‬الخاص‭ ‬بهم‭ ‬المتميز‭ ‬بالرؤية‭ ‬والممارسة‭ ‬وأدوات‭ ‬المستقبل‭ ‬المختلفة‭ ‬عن‭ ‬غيرها،‭ ‬لكنهم‭ ‬يصطدمون‭ ‬بجبال‭ ‬وركام‭ ‬وسدود‭ ‬تمنعهم‭ ‬من‭ ‬المرور‭ ‬وتحطم‭ ‬أرواحهم‭ ‬المتأججة‭ ‬بالحماس‭ ‬لبناء‭ ‬فردوسهم‭ ‬الذي‭ ‬حلموا‭ ‬به،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬وظيفة‭ ‬وزواج‭ ‬وإنجاب،‭ ‬من‭ ‬سيارة‭ ‬ومنزل‭ ‬ورصيد‭ ‬وأحلام‭ ‬طوتها‭ ‬الصدمة‭ ‬حينما‭ ‬واجهوا‭ ‬الواقع‭ ‬المر‭.‬

الوطن‭ ‬يا‭ ‬سادة‭ ‬يا‭ ‬كرام،‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬أغنية‭ ‬بحفلة،‭ ‬الوطن‭ ‬يا‭ ‬كرام،‭ ‬ليس‭ ‬خطبة‭ ‬عصماء‭ ‬بمؤتمر،‭ ‬الوطن‭ ‬يا‭ ‬كرام‭ ‬ليس‭ ‬شعارا‭ ‬باللون‭ ‬والموسيقى،‭ ‬الوطن‭ ‬لا‭ ‬هو‭ ‬بقصيدة‭ ‬ولا‭ ‬أرجوحة،‭ ‬الوطن‭ ‬بذرة‭ ‬بالقلب‭ ‬وحلم‭ ‬بالوجدان‭ ‬يتنفس‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬ومساء،‭ ‬فإذا‭ ‬لم‭ ‬تتنفس‭ ‬الوطن‭ ‬بعزة‭ ‬وكرامة‭ ‬ضاع‭ ‬بداخلك‭ ‬الوطن‭.‬

لنبقي‭ ‬الشعلة‭ ‬متأججة‭ ‬ولنحفظ‭ ‬كرامة‭ ‬الطفل‭ ‬والشاب‭ ‬والرجل‭ ‬والمرأة‭ ‬والشيخ،‭ ‬فهذا‭ ‬الكائن‭ ‬البشري‭ ‬الذي‭ ‬يولد‭ ‬منذ‭ ‬أول‭ ‬ساعة‭ ‬بحاجة‭ ‬لرعاية‭ ‬حتى‭ ‬يبلغ‭ ‬القبر،‭ ‬فإذا‭ ‬لم‭ ‬نحسن‭ ‬رعايته‭ ‬ضاع‭ ‬من‭ ‬قبله‭ ‬الوطن،‭ ‬لنحفظ‭ ‬بداخل‭ ‬نفوسنا‭ ‬جذوة‭ ‬شبابنا‭ ‬الذي‭ ‬يطارد‭ ‬حلمه‭ ‬بالوظيفة‭ ‬ولنفتح‭ ‬له‭ ‬الطريق‭ ‬دون‭ ‬شعارات‭ ‬وملاحم،‭ ‬ودون‭ ‬قصائد‭ ‬وأغاني،‭ ‬بل‭ ‬بالعمل‭ ‬والعمل‭ ‬وحده‭ ‬تبنى‭ ‬الأجيال‭.‬

البداية‭ ‬وظيفة‭ ‬معها‭ ‬الكرامة،‭ ‬فكل‭ ‬الحضارات‭ ‬بالعالم‭ ‬بنيت‭ ‬بوظيفة،‭ ‬وكل‭ ‬الحضارات‭ ‬بالكون‭ ‬انهارت‭ ‬بسبب‭ ‬وظيفة،‭ ‬وظفوا‭ ‬أجيالنا‭ ‬اليوم‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تخسروا‭ ‬الأمة‭ ‬في‭ ‬الغد‭.‬

 

تنويرة‭:

‬دع‭ ‬الجهل‭ ‬ينتشر‭ ‬وبعده‭ ‬سيطر‭ ‬على‭ ‬الأمة‭ ‬كلها‭.‬