قهوة الصباح

قراءة‭ ‬تفكيكية‭ ‬للواقع‭ ‬السياسي‭ .. ‬الجزائر‭ ‬مثالا

| سيد ضياء الموسوي

فيكتور‭ ‬هوجو‭ ‬صاحب‭ ‬رواية‭ ‬“البؤساء”‭ ‬ورائعة‭ ‬“أحدب‭ ‬نوتردام”‭ ‬من‭ ‬الأوائل‭ ‬الذين‭ ‬انتقدوا‭ ‬الأرستقراطية‭ ‬المتخمة‭ ‬والمتضخمة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬كسرة‭ ‬خبز‭ ‬تتوزع‭ ‬في‭ ‬كوخ‭ ‬فقير‭.‬كما‭ ‬هو‭ ‬موقف‭ ‬فولتير‭ ‬في‭ ‬دعوته‭ ‬للعدالة‭ ‬وجان‭ ‬جاك‭ ‬روسو‭ ‬الذي‭ ‬نظّرللمساوة‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬“العقد‭ ‬الاجتماعي”،‭ ‬وكذلك‭ ‬حال‭ ‬الروائي‭ ‬الإنجليزي،‭ ‬تشارلز‭ ‬ديكنز‭ ‬في‭ ‬رائعة‭ ‬“أوليفر‭ ‬تويست”‭ ‬وقصة‭ ‬اليتيم‭ ‬الفقير‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬رغيف‭ ‬حيث‭ ‬ركز‭ ‬جميعهم‭ ‬على‭ ‬خطيئة‭ ‬إغفال‭ ‬المحرومين‭ ‬والمهمشين‭ ‬والضعفاء‭ ‬من‭ ‬النائمين‭ ‬على‭ ‬أرصفة‭ ‬الجوع‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬مسلسل‭ ‬came of thrones‭ ‬حيث‭ ‬نصح‭ ‬حكيما‭ ‬الحكم‭ ‬قائلا‭:  ‬“يجب‭ ‬ان‭ ‬تقلقل‭ ‬من‭ ‬اللصوص‭ ‬غير‭ ‬المعروفين”‭.‬

أعلم‭ ‬انه‭ ‬ليس‭ ‬المعارك‭ ‬التي‭ ‬تقتل‭ ‬الناس،‭ ‬إنه‭ ‬الجوع‭.‬

الطعام‭ ‬يساوي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الذهب‭. ‬سيدات‭ ‬راقيات‭ ‬يبعن‭ ‬ماساتهن‭ ‬وذهبهن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حفنة‭ ‬من‭ ‬البطاطس،‭ ‬وقد‭ ‬تاثر‭ ‬للطبقة‭ ‬المعدومة‭ ‬تيلستوي‭ ‬عندما‭ ‬حكم‭ ‬القيصر‭ ‬روسيا‭. ‬وقد‭ ‬سبقهم‭ ‬جميعا‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬ع‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬خطبه‭ ‬في‭ ‬“نهج‭ ‬البلاغة”‭ ‬الذي‭ ‬قال‭: ‬“هيهات‭ ‬أن‭ ‬يغلبني‭ ‬هواي‭ ‬أو‭ ‬يقودني‭ ‬جشعي‭ ‬إلى‭ ‬تخير‭ ‬الأطعمة،‭ ‬ولعل‭ ‬بالحجاز‭ ‬أو‭ ‬اليمامة‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬طمع‭ ‬له‭ ‬بالقرص‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬عهد‭ ‬له‭ ‬بالشبع”‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬أفلاطونيا،‭ ‬ولا‭ ‬يؤمن‭ ‬بالمدينة‭ ‬الفاضلة‭ ‬المثالية،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭: ‬“الا‭ ‬أنكم‭ ‬لن‭ ‬تقدروا‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬أعينوني‭ ‬بورع‭ ‬واجتهاد‭ ‬وعفة‭ ‬وسداد”‭ ‬فقد‭ ‬ركز‭ ‬على‭ ‬الطبقة‭ ‬الدنيا‭ ‬كرجل،‭ ‬أنفاسه‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬نبض‭ ‬يومي‭ ‬استحال‭ ‬إلى‭ ‬قلادة‭ ‬على‭ ‬جيد‭ ‬الفقراء،‭ ‬ويعلم‭ ‬كي‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬ترسيخ‭ ‬العدالة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ودعا‭ ‬للشورى،‭ ‬وحفظ‭ ‬حقوق‭ ‬الأقليات،‭ ‬لذلك‭ ‬اعتبرته‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬سنواتها‭ ‬رجل‭ ‬العدالة‭ ‬ونعته‭ ‬بالحاكم‭ ‬العادل‭ ‬للحكم‭ ‬الرشيد‭. ‬

لست‭ ‬ضد‭ ‬الحقوق،‭ ‬ولكن‭ ‬كي‭ ‬يكون‭ ‬تغيير‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬عقل‭ ‬ثقافي‭ ‬جماهيري‭ ‬غير‭ ‬مؤدلج،‭ ‬ولا‭ ‬يقوده‭ ‬رجال‭ ‬دين‭ ‬ولاصكوك‭ ‬غفران،‭ ‬بل‭ ‬يقوده‭ ‬فلاسفة‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬نظرية‭ ‬افلاطون‭ ‬في‭ ‬فلسفته‭ ‬لنظرية‭ ‬الحكم‭ ‬وضرورة‭ ‬تشبع‭ ‬الحكم‭ ‬بالمفكرين‭ ‬والفلاسفة،‭ ‬فعصر‭ ‬التنوير‭ ‬الأوربي‭ ‬قاده‭ ‬فلاسفة‭ ‬لا‭ ‬عصابيون‭. ‬مشكلة‭ ‬الجزائر‭ ‬تكرر‭ ‬مشكله‭ ‬الربيع‭ ‬العربي،وما‭ ‬جرى‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬أزالوا‭ ‬العسكر،‭ ‬وجاؤوا‭ ‬ببطون‭ ‬جائعة‭ ‬ماديا،‭ ‬وفقيرة‭ ‬ثقافيا،‭ ‬فنهبوا‭ ‬العراق،‭ ‬وأدخلوها‭ ‬في‭ ‬زنزانة‭ ‬الإيديولوجيات‭ ‬الاحادية‭ ‬فكثر‭ ‬الفساد،‭ ‬وذبحت‭ ‬العدالة‭ ‬على‭ ‬مسلخ‭ ‬الفكر‭ ‬الضيق‭. ‬

إن‭ ‬الدعوة‭ ‬الى‭ ‬إسقاط‭ ‬الحكم‭ ‬كليا‭ ‬في‭ ‬الحزائر‭ ‬رغم‭ ‬بعض‭ ‬سياساته‭ ‬الكارثية‭ ‬سيقود‭ ‬الى‭ ‬فوضى،‭ ‬ومذابح‭ ‬وميليشيات،‭ ‬وسيستغل‭ ‬اصحاب‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬الفرصة‭ ‬لابتلاع‭ ‬الحكم،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الى‭ ‬اعتقاله،‭ ‬وسيكون‭ ‬التفكير‭ ‬الحزب‭ ‬أولا‭ ‬ثم‭ ‬الوطن‭. ‬الأيديولوجيا‭ ‬أولا‭ ‬ثم‭ ‬الوطن‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬اثناء‭ ‬حكم‭ ‬الإخوان،‭ ‬و‭ ‬ليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬والعراق‭. ‬اتمنى‭ ‬ان‭ ‬لا‭ ‬يوضع‭ ‬الجزائر‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تصيبها‭ ‬لعنة‭ ‬القدر‭ ‬والحظ‭ ‬العاثر‭. ‬الفرق‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬اوربا‭ ‬ان‭ ‬الإنجليز‭ ‬بعد‭ ‬حربهم‭ ‬الأهلية‭ ‬واسبانيا‭ ‬بعد‭ ‬تفجر‭ ‬حروب‭ ‬أهلية‭ ‬بين‭ ‬بعضهم‭ ‬وأمريكا‭ ‬ايضا‭ ‬التي‭ ‬حرقتها‭ ‬الحروب‭ ‬الأهلية،‭ ‬انهم‭ ‬ابعدوا‭ ‬تدخل‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬إدارة‭ ‬الدولة،‭ ‬واحترموه‭ ‬كمعتقد‭ ‬وحرسوه،‭ ‬وعظموا‭ ‬الحرية‭ ‬الشخصية،‭ ‬لذلك‭ ‬تطوروا‭ ‬ووصلوا‭ ‬الى‭ ‬الحضارة،‭ ‬وان‭ ‬كنت‭ ‬انتقد‭ ‬عبادتهم‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للرأسمالية‭ ‬المتوحشة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تخنقهم‭. ‬وما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬من‭ ‬مظاهرات‭ ‬الا‭ ‬بسبب‭ ‬أنياب‭ ‬الضرائب‭ ‬التي‭ ‬غرزت‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬الفقراء‭.‬

إيماني‭ ‬بالله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬وتفسيري‭ ‬للإسلام‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬التفسير‭ ‬الساذج،‭ ‬والسطحي‭ ‬للمتفيقهين‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬و‭ ‬قراءتي‭ ‬للإمام‭ ‬علي‭ ‬ع‭ ‬حيث‭ ‬تحمي‭ ‬نفسي‭ ‬عقاقير‭ ‬صيدلية‭ ‬نهج‭ ‬البلاغة‭ ‬من‭ ‬سلبيات‭ ‬الحضارة،‭ ‬و‭ ‬تجوالي‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬والعالم‭ ‬ترسيخا‭ ‬للكوكتيل‭ ‬الحضاري‭ ‬والعقيدة‭ ‬الإنسانية‭ ‬مع‭ ‬دراسة‭ ‬نظرياتهم‭ ‬الأنثربولوجية‭ ‬يجعلني‭ ‬أتخوف‭ ‬على‭ ‬اي‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬الجماهيري‭ ‬المشبع‭ ‬بأيديولوجيات‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬المبسطة‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬لأي‭ ‬دولة،‭ ‬لإيماني‭ ‬القديم‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬سياسة‭ ‬الخطوة‭ ‬خطوة‭ ‬في‭ ‬التغيير،‭ ‬ونقد‭ ‬الواقع‭ ‬باعتدال‭ ‬ووسطية‭ ‬مع‭ ‬حماية‭ ‬الدين‭ ‬بفصله‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬مع‭ ‬دعوتي‭ ‬لانسنة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬لا‭ ‬جشعه‭ ‬،والى‭ ‬حرية‭ ‬مسؤولة‭ ‬لا‭ ‬تمس‭ ‬إنجازات‭ ‬اي‭ ‬دولة‭ ‬مع‭ ‬مؤسسات‭ ‬تعتمد‭ ‬سياسة‭ ‬كي‭ ‬تنمو‭ ‬الموافقة‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬المراقبة‭ ‬والمعاقبة‭. ‬كي‭ ‬لانرجع‭ ‬للمربع‭ ‬الأول‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬أسطورة‭ ‬سيزيف،‭ ‬ذاك‭ ‬الفتى‭ ‬الإغريقي‭ ‬الأسطوري‭ ‬الذي‭ ‬قدّر‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يصعد‭ ‬بصخرة‭ ‬إلى‭ ‬قمة‭ ‬جبل،‭ ‬ولكنها‭ ‬ما‭ ‬تلبث‭ ‬أن‭ ‬تسقط‭ ‬متدحرجة‭ ‬إلى‭ ‬السفح،‭ ‬وكي‭ ‬لانخسر‭ ‬بلدا‭ ‬آخر‭ ‬كالجزائر،‭ ‬وكي‭ ‬تكون‭ ‬الجزائر‭ ‬الحضارة‭ ‬والحقوق‭ ‬لا‭ ‬رائحة‭ ‬الموتى‭ ‬والمقابر‭ ‬فثورة‭ ‬القرنفل‭ ‬البرتغالية‭ ‬كانت‭ ‬تسعى‭ ‬لترسيخ‭ ‬الحرية‭ ‬بلا‭ ‬تأدلج‭.. ‬لا‭ ‬تلغوا‭ ‬الدولة‭ ‬كاملة،‭ ‬بل‭ ‬ادعموا‭ ‬الإنجازات،‭ ‬وأزيلوا‭ ‬قمامة‭ ‬السلبيات،‭ ‬فوجع‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬غائرا‭ ‬ومخيفا‭ ‬ذاك‭ ‬الرقم‭ ‬المرعب‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬حيث‭ ‬ذكرت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ان‭ ‬“الربيع‭ ‬العربي”‭ ‬كبد‭ ‬المنطقة‭ ‬خسائر‭ ‬بلغت‭ ‬614‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2011‭.‬