جسر “القصيبي” بين السعودية والبحرين (2)

| عمر علي البدوي

يضم‭ ‬بيت‭ ‬غازي‭ ‬القصيبي‭ ‬عروضاً‭ ‬رقمية‭ ‬وفلمية‭ ‬حولت‭ ‬بعض‭ ‬زواياه‭ ‬إلى‭ ‬متحف‭ ‬تفاعليّ‭ ‬صغير‭ ‬يحضر‭ ‬فيه‭ ‬القصيبيّ‭ ‬بالصوت‭ ‬والصورة‭ ‬عبر‭ ‬مراحل‭ ‬حياته‭ ‬ومساراتها‭ ‬المتعدّدة،‭ ‬وصوته‭ ‬يعبق‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬وهو‭ ‬يتلو‭ ‬بعض‭ ‬فرائد‭ ‬قصائده‭ ‬بصوته‭ ‬المتمهّل‭ ‬وسكينته‭ ‬المعهودة‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬والإلقاء،‭ ‬ويوجد‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬القصيبي‭ ‬حديقة‭ ‬المنزل‭ ‬التي‭ ‬صمَّمها‭ ‬ماديسون‭ ‬كوكس‭ ‬التي‭ ‬ربطت‭ ‬البيت‭ ‬التراثيّ‭ ‬والجزء‭ ‬الحديث‭ ‬حيث‭ ‬يوجد‭ ‬مقهى‭ ‬من‭ ‬تصميم‭ ‬عمّار‭ ‬بشير‭ ‬وقاعة‭ ‬مخصصة‭ ‬للمعارض‭ ‬المؤقتة‭ ‬والنشاطات‭ ‬الثقافيّة،‭ ‬وفي‭ ‬الطابق‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬المنزل،‭ ‬عمل‭ ‬فنيّ‭ ‬بعنوان‭ ‬“في‭ ‬عين‭ ‬العاصفة”‭ ‬للفنانة‭ ‬البحرينيّة‭ ‬الشيخة‭ ‬هلا‭ ‬بنت‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬يوثق‭ ‬الجانب‭ ‬العروبي‭ ‬من‭ ‬شخصية‭ ‬القصيبي،‭ ‬وقدمته‭ ‬الفنانة‭ ‬كعمل‭ ‬يجسد‭ ‬فكرة‭ ‬وطن‭ ‬متكامل،‭ ‬رغم‭ ‬العواصف‭ ‬تقف‭ ‬الأعلام‭ ‬شامخة‭ ‬مرفوعة‭ ‬الرأس،‭ ‬يحمل‭ ‬العمل‭ ‬حلم‭ ‬وحدة‭ ‬الأوطان‭ ‬وأملاً‭ ‬لزرع‭ ‬الورود‭ ‬في‭ ‬أراضيه،‭ ‬بين‭ ‬الحدود‭ ‬والرمال‭ ‬والبحار،‭ ‬بين‭ ‬السماء‭ ‬والماء،‭ ‬يبقى‭ ‬الانتماء‭ ‬الصادق‭ ‬السلاح‭ ‬الذي‭ ‬به‭ ‬نصدّ‭ ‬العواصف،‭ ‬وعنوان‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الفني،‭ ‬كان‭ ‬اسم‭ ‬الزاوية‭ ‬الصحافية‭ ‬التي‭ ‬كتب‭ ‬تحتها‭ ‬القصيبي‭ ‬سلسلة‭ ‬مقالات‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬إبان‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬للكويت،‭ ‬ودافع‭ ‬عن‭ ‬المشروع‭ ‬الخليجي‭ ‬والقضية‭ ‬العربية‭ ‬ووقف‭ ‬سداً‭ ‬منيعاً‭ ‬ضد‭ ‬الأفكار‭ ‬الآيديولوجية‭ ‬التي‭ ‬انبثت‭ ‬وقتئذ‭ ‬وحاولت‭ ‬أن‭ ‬تخرق‭ ‬سفينة‭ ‬العبور‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭ ‬وتفتك‭ ‬بالمكاسب‭ ‬التي‭ ‬تحققت،‭ ‬لكنه‭ ‬وقف‭ ‬لها‭ ‬بالمرصاد‭ ‬متسلحاً‭ ‬برشاقة‭ ‬قلمه‭ ‬ورجاحة‭ ‬طرحه‭ ‬ونباهة‭ ‬أفكاره‭ ‬ووجاهة‭ ‬آرائه‭.‬

قبل‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬رحيله،‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬يزور‭ ‬بيت‭ ‬إبراهيم‭ ‬العريض‭ ‬للشعر‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬أسرّ‭ ‬إلى‭ ‬زوجته‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ترافقه‭ ‬حينها،‭ ‬أنه‭ ‬يودّ‭ ‬لو‭ ‬أصبح‭ ‬له‭ ‬منزلاً‭ ‬يضم‭ ‬رسائله‭ ‬وصوره‭ ‬ومقتنياته‭ ‬مثله،‭ ‬لم‭ ‬تخيب‭ ‬البحرين‭ ‬التي‭ ‬أحبها‭ ‬ظنّه،‭ ‬وتحول‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬ترعرع‭ ‬فيه‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬الطفولة‭ ‬الباكرة‭ ‬إلى‭ ‬مراحل‭ ‬الشباب‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬متحف‭ ‬استثنائي‭ ‬يوثق‭ ‬سيرته‭ ‬ومسيرته‭. ‬الشاعر‭ ‬الذي‭ ‬لذاكرته‭ ‬موقعان،‭ ‬أحدهما‭ ‬موطنه‭ ‬الأصل،‭ ‬والآخر‭ ‬موطن‭ ‬قلبه‭ ‬البحرين،‭ ‬يستعيد‭ ‬برفقة‭ ‬مركز‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬أجمل‭ ‬ملامس‭ ‬ذاكرته،‭ ‬بيته‭ ‬بفريج‭ ‬الفاضل‭ ‬في‭ ‬المنامة‭. ‬

في‭ ‬هذا‭ ‬العمران‭ ‬الثّقافي‭ ‬ذي‭ ‬الملامح‭ ‬التّراثيّة‭ ‬الجميلة،‭ ‬تكرّس‭ ‬الثّقافة‭ ‬عبر‭ ‬ترميمه‭ ‬مكانًا‭ ‬لنتاجات‭ ‬ومأثورات‭ ‬الشّاعر‭ ‬غازي‭ ‬القصيبيّ،‭ ‬بعض‭ ‬ملامح‭ ‬سيرته،‭ ‬وما‭ ‬أبدعه‭ ‬في‭ ‬الشّعر‭ ‬والرّواية‭ ‬والأدب‭ ‬والفكر،‭ ‬ممّا‭ ‬أثرى‭ ‬الفكر‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الوطن‭ ‬العربيّ‭.‬

الزوّار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البيت‭ ‬أمام‭ ‬سيرةٍ‭ ‬ممتدّة‭ ‬يشتبهون‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬شخصِ‭ ‬القصيبي‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬أعماله‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬والفكريّة،‭ ‬بقلبِ‭ ‬الفريجِ‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬مع‭ ‬الشّاعر‭ ‬حكاية،‭ ‬وكأنّه‭ ‬لا‭ ‬ينسى،‭ ‬سيرة‭ ‬البيتِ‭ ‬وسيرةِ‭ ‬العمرِ‭ ‬للشّاعرِ‭ ‬القصيبيّ‭ ‬يؤرّخها‭ ‬بيته،‭ ‬كي‭ ‬تبقى‭ ‬المدينة‭ ‬تتذكّر‭ ‬شاعرًا‭ ‬أحبّها‭ ‬عميقًا،‭ ‬وبالمثلِ‭ ‬هي‭ ‬تفعلُ‭ ‬أيضًا‭. ‬أصبح‭ ‬بين‭ ‬البحرين‭ ‬والسعودية‭ ‬اليوم‭ ‬جسران،‭ ‬لا‭ ‬جسر‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭. ‬“إيلاف”‭.‬

 

دافع‭ ‬الراحل‭ ‬القصيبي‭ ‬عن‭ ‬المشروع‭ ‬الخليجي‭ ‬والقضية‭ ‬العربية‭ ‬ووقف‭ ‬سداً‭ ‬منيعاً‭ ‬ضد‭ ‬الأفكار‭ ‬الآيديولوجية‭. ‬