ستة على ستة

المذهبية مقابل المال والطعام في شرق سوريا

| عطا السيد الشعراوي

تقدم‭ ‬إيران‭ ‬صورة‭ ‬بشعة‭ ‬للانتهازية‭ ‬والانقضاض‭ ‬على‭ ‬حالات‭ ‬الضعف‭ ‬الإنساني‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬وغاياتها،‭ ‬ونموذجًا‭ ‬فجًا‭ ‬لاستغلال‭ ‬حاجة‭ ‬البشر‭ ‬لأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬العون‭ ‬والدعم‭ ‬لبسط‭ ‬سيطرتها‭ ‬وهيمنتها،‭ ‬ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬الظاهرة‭ ‬والحديثة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬سوريا،‭ ‬فبمجرد‭ ‬أن‭ ‬تهاوى‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مني‭ ‬بالهزيمة‭ ‬وطردت‭ ‬فلوله،‭ ‬سعت‭ ‬إيران‭ ‬وبسرعة‭ ‬شديدة‭ ‬لتكون‭ ‬البديل‭ ‬الجاهز‭ ‬والمفروض‭ ‬على‭ ‬السوريين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬والتي‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬محافظة‭ ‬دير‭ ‬الزور‭ ‬الشرقية‭ ‬إلى‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬لبنان‭.‬

لعبت‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬وتر‭ ‬حساس‭ ‬وهو‭ ‬الحاجة‭ ‬الماسة‭ ‬لأساسيات‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬مال‭ ‬وطعام‭ ‬لغاية‭ ‬جوهرية‭ ‬تشكل‭ ‬أرضية‭ ‬مهمة‭ ‬لمجموعة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬كتوسيع‭ ‬النفوذ‭ ‬العسكري‭ ‬والاقتصادي‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وإنشاء‭ ‬ممر‭ ‬بري‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬عبر‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬لتمويل‭ ‬حلفائها‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أو‭ ‬وكلائها‭ ‬كحزب‭ ‬الله‭ ‬الإرهابي‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬بالأسلحة‭.‬

هذه‭ ‬الغاية‭ ‬هي‭ ‬نشر‭ ‬المذهبية‭ ‬والطائفية‭ ‬بين‭ ‬السوريين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وجدت‭ ‬إيران‭ ‬الظروف‭ ‬مناسبة‭ ‬للتحرك‭ ‬لنشر‭ ‬مذهبها‭ ‬وخلق‭ ‬أتباع‭ ‬لها‭ ‬لتضمن‭ ‬ولاءهم‭ ‬وتتمكن‭ ‬من‭ ‬تحريكهم‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يحقق‭ ‬مصالحها‭ ‬ويتيح‭ ‬لها‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬القرارات‭ ‬بالبلد‭ ‬الذي‭ ‬يعيشون‭ ‬فيه،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬تردد‭ ‬حول‭ ‬نوايا‭ ‬واشنطن‭ ‬تقليل‭ ‬التواجد‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬فكان‭ ‬ذلك‭ ‬بمثابة‭ ‬طوق‭ ‬نجاة‭ ‬لنفوذ‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬رفض‭ ‬واتفاق‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬وجودها‭ ‬العسكري‭ ‬المقلق‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬اليد‭ ‬الطولى‭ ‬في‭ ‬سوريا‭.‬

هذا‭ ‬الدور‭ ‬الخطير‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬سوريا‭ ‬كان‭ ‬محل‭ ‬تحذير‭ ‬لصحيفة‭ ‬“وول‭ ‬ستريت‭ ‬جورنال”‭ ‬الأميركية‭ ‬التي‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬تقوم‭ ‬بتقديم‭ ‬بطاقات‭ ‬شخصية‭ ‬وتعليم‭ ‬مجاني‭ ‬وخدمات‭ ‬عامة‭ ‬لسكان‭ ‬شرق‭ ‬سوريا‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬السنة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬فيلق‭ ‬القدس‭ ‬التابع‭ ‬للحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني،‭ ‬وتقدم‭ ‬لهم‭ ‬راتبا‭ ‬شهريا‭ ‬بقيمة‭ ‬200‭ ‬دولار،‭ ‬كما‭ ‬قامت‭ ‬بإنشاء‭ ‬مؤسسة‭ ‬خيرية‭ ‬وتركيب‭ ‬مولدات‭ ‬كهربائية،‭ ‬ومضخات‭ ‬مياه،‭ ‬وتوزيع‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية،‭ ‬واللوازم‭ ‬المدرسية‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬وقرى‭ ‬دير‭ ‬الزور‭.‬

إيران‭ ‬تفعل‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬شعبها‭ ‬يعيش‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬أسوأ‭ ‬الفترات‭ ‬في‭ ‬تاريخه‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬نظام‭ ‬يبدد‭ ‬الثروات‭ ‬على‭ ‬نزواته‭ ‬ومطامعه‭ ‬وإشعال‭ ‬حروب‭ ‬وفتن‭ ‬لا‭ ‬تعود‭ ‬عليهم‭ ‬إلا‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬والاضطاد‭ ‬والبؤس‭.‬