ترامب وصفقة بيض الصعو

| خالد عبدالعزيز النزر

ظلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬زهاء‭ ‬خمسة‭ ‬عقود‭ ‬تعتبر‭ ‬الجولان‭ ‬أرضا‭ ‬سورية‭ ‬محتلة،‭ ‬وفي‭ ‬أواخر‭ ‬عهد‭ ‬أوباما‭ ‬صوتت‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬ضد‭ ‬إعلان‭ ‬نتنياهو‭ ‬عدم‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬الجولان،‭ ‬لكن‭ ‬ترامب‭ ‬خرج‭ ‬علينا‭ ‬ليعلن‭ ‬ويوقع‭ ‬اعترافه‭ ‬بسيادة‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الجولان‭ ‬مبرراً‭ ‬ذلك‭ ‬التحول‭ ‬بالقول‭: ‬“إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬بحاجة‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬ضد‭ ‬التحركات‭ ‬البغيضة‭ ‬لإيران‭ ‬والجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬سوريا‭ ‬مثل‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الجولان‭ ‬منصة‭ ‬لإطلاق‭ ‬الهجمات‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭. ‬وأرى‭ ‬أن‭ ‬توقيت‭ ‬هذا‭ ‬الإعلان‭ ‬كان‭ ‬مدروساً‭ ‬حيث‭ ‬تزامن‭ ‬مع‭ ‬احتفال‭ ‬اليهود‭ ‬بعيد‭ ‬المساخر‭ ‬“بوريم”،‭ ‬وهو‭ ‬ذكرى‭ ‬خلاص‭ ‬اليهود‭ ‬من‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬خططها‭ ‬هامان‭ ‬الفارسي‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الملك‭ ‬أحشويروش‭ (‬حسب‭ ‬سفر‭ ‬إستير‭). ‬التذرع‭ ‬هنا‭ ‬بالتواجد‭ ‬الإيراني‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭ ‬ومبرر،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬تخييراً‭ ‬للسوريين‭ ‬والعرب‭ ‬عموماً‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬احتلالين،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬النظرة‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬حكومة‭ ‬فاشلة‭ ‬أدخلت‭ ‬الإيرانيين‭ ‬وميليشياتهم‭ ‬من‭ ‬عرب‭ ‬وأفغان‭ ‬وباكستانيين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كرسيها،‭ ‬فهذا‭ ‬أيضاً‭ ‬ليس‭ ‬مبررا،‭ ‬لأنه‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬ستذهب‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة،‭ ‬بينما‭ ‬سوريا‭ ‬باقية،‭ ‬التوقيت‭ ‬مدروس‭ ‬أيضاً‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬أقوى‭ ‬دفعة‭ ‬لنتنياهو‭ ‬مقابل‭ ‬“بيني‭ ‬غانتس”‭ ‬منافسه‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬القادمة،‭ ‬لكن‭ ‬لماذا‭ ‬يحتاج‭ ‬ترامب‭ ‬لبقاء‭ ‬نتنياهو؟‭.‬

الصعو‭ ‬طيور‭ ‬معروفة‭ ‬عندنا‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬تهاجر‭ ‬في‭ ‬الربيع‭ ‬لتتكاثر‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى‭, ‬فاتخذ‭ ‬بيضها‭ ‬مثلاً‭ ‬للشيء‭ ‬الذي‭ ‬يُذكر‭ ‬ولا‭ ‬يُرى،‭ ‬هذه‭ ‬بالضبط‭ ‬صفقة‭ ‬القرن‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عنها‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية،‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬تفاصيلها‭ ‬إلا‭ ‬عدد‭ ‬محدود‭ ‬جداً‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬أصابع‭ ‬اليدين،‭ ‬ليست‭ ‬منهم‭ ‬بالتأكيد‭ ‬قناة‭ ‬الجزيرة‭ ‬وأخواتها‭ ‬ولا‭ ‬قنوات‭ ‬الإيرانيين‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬أو‭ ‬الضاحية‭ ‬الجنوبية،‭ ‬والذين‭ ‬حشوا‭ ‬رؤوس‭ ‬جمهورهم‭ ‬بقصصهم‭ ‬وخيالاتهم‭ ‬الواسعة،‭ ‬لكن‭ ‬الأكيد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الصفقة‭ ‬لن‭ ‬تنجح‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تلب‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬للتطلعات‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لدولتهم‭ ‬المستقبلية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬أيضاً‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬الأميركي‭ ‬الشهير‭ ‬دينيس‭ ‬روس،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تنجح‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تقدم‭ ‬إسرائيل‭ ‬تنازلات‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬ترامب‭ ‬نفسه،‭ (‬تنازلات‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬اليد‭ ‬وليس‭ ‬حقوق‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تنجح‭ ‬دون‭ ‬قبولها‭ ‬من‭ ‬حلفاء‭ ‬أميركا‭ ‬الرئيسيين‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬السعودية‭ ‬ودول‭ ‬الخليج،‭ ‬والأردن‭ ‬ومصر‭. ‬

ترامب‭ ‬ونتنياهو‭ ‬والعالم‭ ‬بأسره،‭ ‬يعلمون‭ ‬جيداً‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬التوقيعات‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬حبر‭ ‬على‭ ‬ورق،‭ ‬فالأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬كانت‭ ‬ومازالت‭ ‬محتلة،‭ ‬والقرارات‭ ‬الدولية‭ ‬ومجمل‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬ولن‭ ‬يعترف‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬هذا،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬اتفاق‭ ‬يرضي‭ ‬الطرفين،‭ ‬أتمنى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬القوى‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬تشرذماتها‭ ‬وصراعاتها،‭ ‬فهم‭ ‬أصحاب‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬قضيتهم،‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬يتركوها‭ ‬للمستغلين‭ ‬والمزايدين‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والعجم،‭ ‬وأصحاب‭ ‬الشعارات‭ ‬والجعجعات،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬تجارة‭ ‬المخدرات‭ ‬بأميركا‭ ‬الجنوبية‭! ‬وحتى‭ ‬أصبحت‭ ‬مؤخراً‭ ‬قيادة‭ ‬حماس‭ ‬لا‭ ‬تعلم‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬يطلق‭ ‬الصواريخ‭ ‬من‭ ‬غزة‭ ‬ولا‭ ‬بأمر‭ ‬من‭! ‬ولمصلحة‭ ‬من‭! ‬توحيد‭ ‬الصفوف‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬مطلباً‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أية‭ ‬صفقات،‭ ‬لكنه‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬نفسها‭.‬

أخيراً،‭ ‬لا‭ ‬يستبعد‭ ‬أن‭ ‬تستخدم‭ ‬الجولان‭ ‬كورقة‭ ‬مستقبلية‭ ‬لإدخال‭ ‬سوريا‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬في‭ ‬الصفقة‭ ‬القادمة‭ - ‬إن‭ ‬حدثت‭ - ‬لتكون‭ ‬أكثر‭ ‬شمولية،‭ ‬وقد‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬بالتفاهم‭ ‬مع‭ ‬الروس،‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أننا‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬نعوّل‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬هو‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬كبيض‭ ‬الصعو‭.‬