ذرائع

المدارس الحصينة

| غسان الشهابي

في‭ ‬مدرسة‭ ‬خليجية،‭ ‬حاول‭ ‬أستاذ‭ ‬جامعي‭ ‬أن‭ ‬يقيس‭ ‬مدى‭ ‬تعاطي‭ ‬طالبات‭ ‬تلك‭ ‬المدرسة‭ ‬المخدرات،‭ ‬وصاغ‭ ‬استبانة‭ ‬لتجري‭ ‬تعبئتها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الطالبات،‭ ‬لكن‭ ‬فاجأته‭ ‬مديرة‭ ‬المدرسة‭ ‬إذ‭ ‬رفضت‭ ‬رفضاً‭ ‬قاطعاً‭ ‬أن‭ ‬تمرّ‭ ‬هذه‭ ‬الاستبانة‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تجري‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬من‭ ‬الأساس‭ ‬على‭ ‬“مدرستها”‭.‬

هذا‭ ‬النموذج‭ ‬من‭ ‬المديرين‭ ‬والمديرات‭ ‬هو‭ ‬السائد،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هو‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬مديري‭ ‬مدارس‭ ‬وزارات‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬العرب،‭ ‬وذلك‭ ‬ربما‭ ‬للوسواس‭ ‬بأنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬منحرف‭ ‬اجتماعياً‭ ‬أو‭ ‬جنسياً،‭ ‬أو‭ ‬مخالف‭ ‬للقواعد‭ ‬الأمنية؛‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬سيعتبر‭ ‬“فشلاً”‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬بأكملها،‭ ‬إذ‭ ‬إننا‭ ‬–‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬استيرادنا‭ ‬النظام‭ ‬الإداري‭ ‬الحديث‭ ‬من‭ ‬الغرب،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬–‭ ‬بدّلنا‭ ‬وزارة‭ ‬التعليم‭ ‬Ministry of Education‭ ‬لنقدّم‭ ‬“التربية”‭ ‬على‭ ‬التعليم،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬طالب‭ ‬يقوم‭ ‬بمخالفة‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬نوع‭ ‬فهذا‭ ‬يؤشر‭ ‬على‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬تربيتنا،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬مؤشر‭ ‬على‭ ‬فشلنا‭ ‬نحن،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬المعيب‭ ‬في‭ ‬حقنا،‭ ‬متناسين‭ ‬أن‭ ‬نوحاً‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬أبٌ‭ ‬ونبي،‭ ‬وابنه‭ ‬شذّ‭ ‬عن‭ ‬طريقه‭ ‬وما‭ ‬ركب‭ ‬معه‭ ‬الفُلك‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬المغرقين،‭ ‬ولم‭ ‬يقدح‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬نبوّته‭!‬

لذلك‭ ‬فإن‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬المدارس،‭ ‬ومن‭ ‬فوقهم‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬وزارات‭ ‬“التربية”‭ ‬يعدّون‭ ‬هذه‭ ‬المدارس‭ ‬بيوتهم،‭ ‬ومن‭ ‬بداخلها‭ ‬أعراضهم،‭ ‬والبيوت‭ ‬أسرار،‭ ‬فلا‭ ‬يُسمح‭ ‬باقتحام‭ ‬هذه‭ ‬الحصون،‭ ‬وإن‭ ‬تسرب‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬تسرّب،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬يُعتبر‭ ‬في‭ ‬العرف‭ ‬فضيحة‭ ‬أو‭ ‬أزمة‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تُجابه‭ ‬بإعلام‭ ‬مضاد،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يجري‭ ‬التناكف‭ ‬مجتمعياً‭ ‬يشعر‭ ‬الخلل‭ ‬أو‭ ‬الخطأ‭ ‬أو‭ ‬الكارثة‭ ‬بالأمان‭ ‬لأن‭ ‬الناس‭ ‬انشغلوا‭ ‬في‭ ‬الصغائر‭ ‬وتركوا‭ ‬حل‭ ‬المشكلة،‭ ‬وقد‭ ‬يتخذون‭ ‬قرارات‭ ‬ويشيرون‭ ‬بإصبع‭ ‬الاتهام‭ ‬إلى‭ ‬مسؤول‭ ‬ومقصّر‭ ‬ومتهاون،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يحفر‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬جذور‭ ‬المشكلة،‭ ‬فتعود‭ ‬لتطلّ‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اعتقد‭ ‬الناس‭ ‬أنهم‭ ‬تخلصوا‭ ‬منها‭.‬

مجتمعات‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭ ‬تصيبها‭ ‬تغيرات‭ ‬متعددة‭ ‬ومتسارعة‭ ‬و”متعامقة”،‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الانفتاح‭ ‬والجرأة‭ ‬في‭ ‬المعالجة،‭ ‬وليست‭ ‬المدارس‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬التربية،‭ ‬ولا‭ ‬الأهل‭ ‬وحدهم،‭ ‬فالكثير‭ ‬من‭ ‬المؤثرات‭ ‬والعوامل‭ ‬والمعاول‭ ‬التي‭ ‬تتسارع‭ ‬إلى‭ ‬نفوس‭ ‬الجميع،‭ ‬وليس‭ ‬الصغار‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬ومن‭ ‬حق‭ ‬وزارات‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬أن‭ ‬“تستغيث”‭ ‬بعلماء‭ ‬النفس‭ ‬وعلماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬لدراسة‭ ‬التغيرات،‭ ‬لتكون‭ ‬شراكة‭ ‬مجتمعية،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يفعلوا‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬الأستاذ‭ ‬في‭ ‬الفقرة‭ ‬الأولى،‭ ‬إذ‭ ‬تحايل‭ ‬وغير‭ ‬عنوان‭ ‬الاستبانة،‭ ‬وقبلتها‭ ‬المديرة‭.‬