أنسنة

“التقاعد الاختياري” و“صندوق التعطل”.. غياب المنطق والعدالة

| رجاء مرهون

تابعت‭ ‬مع‭ ‬بحرينيين‭ ‬كثر‭ ‬نتائج‭ ‬الجلسة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لمجلس‭ ‬النواب‭ ‬التي‭ ‬أسفرت‭ ‬تفويض‭ ‬الحكومة‭ ‬أخذ‭ ‬ملايين‭ ‬الدنانير‭ ‬لغرض‭ ‬تمويل‭ ‬برنامج‭ ‬“التقاعد‭ ‬الاختياري”‭ ‬من‭ ‬احتياطيات‭ ‬صندوق‭ ‬التأمين‭ ‬ضد‭ ‬التعطل‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬مدة‭ ‬زمنية‭ ‬أو‭ ‬آلية‭ ‬ملزمة‭ ‬لاسترداد‭ ‬الملايين،‭ ‬ومع‭ ‬إعلان‭ ‬كتلة‭ ‬البحرين‭ ‬النيابية‭ ‬“التجمع‭ ‬الأكبر”‭ ‬تأييدها‭ ‬المشروع‭ ‬فجر‭ ‬الثلاثاء،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مفاجئا‭ ‬تمرير‭ ‬المجلس‭ ‬المشروع‭ ‬المثير‭ ‬للجدل،‭ ‬إنما‭ ‬الأمر‭ ‬المفاجئ‭ ‬الجرأة‭ ‬في‭ ‬مداخلات‭ ‬بعض‭ ‬النواب‭ ‬المؤيدين‭ ‬للخطوة،‭ ‬فقالوا‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬المشروع‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يذكره‭ ‬الوزيران‭ ‬ممثلا‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬الجلسة،‭ ‬وجاءت‭ ‬عبارة‭ ‬أن‭ ‬“الحكومة‭ ‬تملك‭ ‬ثلثي‭ ‬الاحتياطي‭ ‬ويحق‭ ‬لها‭ ‬التصرف‭ ‬فيه‭ ‬والسحب‭ ‬منه”‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬نائب،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬وزير‭!‬

جرأة‭ ‬بعض‭ ‬النواب‭ ‬وصلت‭ ‬حد‭ ‬الاستخفاف‭ ‬برأي‭ ‬الناس‭ ‬الرافض‭ ‬للمشروع،‭ ‬فسماه‭ ‬نائب‭ ‬رأي‭ ‬“الشارع”،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬يعد‭ ‬أبناء‭ ‬دائرته‭ ‬بأن‭ ‬لا‭ ‬يتحرك‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬اتجاه‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬استفتائه،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬صوته‭ ‬انعكاسا‭ ‬لإرادتهم‭. ‬صُدمت‭ ‬أيضا‭ ‬بجرأة‭ ‬مداخلة‭ ‬نيابية‭ ‬تدعو‭ ‬لاعتبار‭ ‬المتقاعدين‭ ‬اختياريا‭ ‬“متعطلين”،‭ ‬وذلك‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬أقدموا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬بإرادتهم‭ ‬الكاملة،‭ ‬ويستلمون‭ ‬رواتب‭ ‬ومستحقات‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬كل‭ ‬شهر‭. ‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬اعتمدنا‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬النيابي‭ ‬الغريب،‭ ‬فيحق‭ ‬للتجار‭ ‬وأصحاب‭ ‬الشركات‭ ‬المتعثرة‭ ‬والمفلسة‭ ‬المطالبة‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬“قروض‭ ‬حسنة”‭ ‬لتمويل‭ ‬يضمن‭ ‬انتشال‭ ‬مؤسساتهم‭ ‬من‭ ‬مستنقع‭ ‬الخسارة،‭ ‬فالتجار‭ ‬يفقدون‭ ‬عملهم‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الإفلاس،‭ ‬كما‭ ‬أنهم‭ ‬مساهمون‭ ‬في‭ ‬صندوق‭ ‬التعطل‭ ‬عبر‭ ‬نسبه‭ ‬الـ‭  ‬1‭ % ‬التي‭ ‬تدفعها‭ ‬“تمكين”‭ ‬نيابة‭ ‬عنهم،‭ ‬وهم‭ ‬مصدر‭ ‬جميع‭ ‬الأموال‭ ‬المودعة‭ ‬في‭ ‬صندوق‭ ‬العمل‭ ‬“تمكين”،‭ ‬هل‭ ‬أدرك‭ ‬المنتخبون‭ ‬المؤيدون‭ ‬للتشريع‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬حججهم‭ ‬المطروحة‭ ‬تفتقد‭ ‬المنطق؟

أعتقد‭ ‬أن‭ ‬المؤلم‭ ‬في‭ ‬التشريع،‭ ‬الذي‭ ‬مرره‭ ‬النواب‭ ‬ومنحه‭ ‬الشوريون‭ ‬“نعم”‭ ‬كبيرة،‭ ‬ليس‭ ‬فقدان‭ ‬مبرراته‭ ‬المنطق‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما‭ ‬فقدانه‭ ‬مبدأ‭ ‬العدالة‭ ‬أيضا،‭ ‬فرغم‭ ‬أن‭ ‬موظفي‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬يشكلون‭ ‬الغالبية‭ ‬في‭ ‬المساهمات‭ ‬الفردية‭ ‬لصندوق‭ ‬التعطل،‭ ‬فإن‭ ‬إجمالي‭ ‬تعويضاتهم‭ ‬وإعاناتهم‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬الـ‭ ‬104‭ ‬ملايين‭ ‬وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬13‭ ‬عاما،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬230‭ ‬مليونا‭ ‬حصل‭ ‬عليها‭ ‬“المتقاعدون‭ ‬اختياريا”‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭. ‬فمتى‭ ‬سترجح‭ ‬كفة‭ ‬الميزان‭ ‬نحو‭ ‬إنصاف‭ ‬الكادحين‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص؟