ذرائع

التخمة النيوزيلاندية

| غسان الشهابي

في‭ ‬تعقيب‭ ‬ذكي‭ ‬لإحدى‭ ‬الزميلات‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الخطوات‭ ‬الرسمية‭ ‬والأهلية‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬نيوزيلايندا‭ ‬قالت‭: ‬“أنا‭ ‬“جزعت”‭ ‬من‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬نيوزيلاندا،‭ ‬شعورك‭ ‬بعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تناول‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬بعد‭ ‬إفراط‭ ‬تناولها”‭. ‬

المواساة‭ ‬العالية‭ ‬التي‭ ‬أحيطت‭ ‬بها‭ ‬الجالية‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬نيوزيلاندا،‭ ‬وهي‭ ‬جالية‭ ‬بالكاد‭ ‬يصل‭ ‬تعدادها‭ ‬إلى‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬نسمة،‭ ‬ولا‭ ‬تشكل‭ ‬سوى‭ ‬1‭ % ‬من‭ ‬سكان‭ ‬البلاد‭ ‬القصيّة،‭ ‬تعيد‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬نحاول‭ ‬الإشاحة‭ ‬عنها،‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬إيلائها‭ ‬الاهتمام‭ ‬الملائم‭... ‬إنها‭ ‬مجموعة‭ ‬دروس‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬مراجعتها‭ ‬إن‭ ‬شئنا‭ ‬المرور‭ ‬إلى‭ ‬الأدوار‭ ‬التالية‭ ‬من‭ ‬الاستحقاقات‭ ‬الإنسانية‭.‬

فقد‭ ‬أتى‭ ‬الاستنكار‭ ‬الشعبي،‭ ‬والغضب‭ ‬مما‭ ‬حدث،‭ ‬متساوقاً‭ ‬تماماً‭ ‬مع‭ ‬الاستنكار‭ ‬الرسمي‭ ‬النيوزيلاندي،‭ ‬الذي‭ ‬اتخذ‭ ‬خطوات‭ ‬لمحاولة‭ ‬عدم‭ ‬تكرار‭ ‬ما‭ ‬حدث،‭ ‬سواء‭ ‬مع‭ ‬المسلمين‭ ‬أو‭ ‬غيرهم،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬عبّر‭ ‬فيه‭ ‬قطاع‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬عن‭ ‬تعاطفهم‭ ‬مع‭ ‬أسر‭ ‬الضحايا‭ ‬بأشكال‭ ‬متنوعة،‭ ‬ووقوفهم‭ ‬مع‭ ‬الأقلية‭ ‬المسلمة،‭ ‬ومساندتهم‭ ‬الإنسانية‭ ‬للآخرين‭.‬

هذه‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬الملامح‭ ‬التي‭ ‬نحتاجها‭ ‬في‭ ‬أنظمتنا‭ ‬العربية‭ ‬ومجتمعاتنا‭ ‬كذلك،‭ ‬إذ‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬التبرّؤ‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬حدث‭ ‬يقع‭ ‬لدينا،‭ ‬ومحاولة‭ ‬نفيه‭ ‬عنا‭ ‬بدءاً‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتحمل‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرسمية‭ ‬أية‭ ‬مسؤولية،‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭... ‬الخ،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ينطبق‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬الكوارث‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬نتيجة‭ ‬التقصير‭ ‬أو‭ ‬الإهمال،‭ ‬وهي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تُعدّ‭. ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬يفشل‭ ‬منتخب‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أهدافه‭ ‬تجري‭ ‬التضحية‭ ‬بالطاقم‭ ‬الفني‭ ‬للفريق‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وضع‭ ‬الإصبع‭ ‬على‭ ‬الجرح‭ ‬تماماً،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬التقدم‭ ‬خطوة‭ ‬تجاه‭ ‬عدم‭ ‬تكرار‭ ‬ما‭ ‬حدث،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الاستحالة‭ ‬منعه‭ ‬تماماً،‭ ‬وعلى‭ ‬الضفة‭ ‬المقابلة،‭ ‬فإن‭ ‬التعاطف‭ ‬الشعبي،‭ ‬أو‭ ‬الشعور‭ ‬الإنساني‭ ‬العام،‭ ‬وأرجو‭ ‬تماماً‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬مخطئاً‭ ‬فيه،‭ ‬يبدو‭ ‬بليداً‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬أوساطنا،‭ ‬فلا‭ ‬نتعاطف‭ ‬إلا‭ ‬مع‭ ‬أبناء‭ ‬جلدتنا،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يشكلون‭ ‬قاسماً‭ ‬مشتركاً‭ ‬مع‭ ‬هويتنا،‭ ‬وكلما‭ ‬ضعفت‭ ‬الروابط‭ ‬قل‭ ‬التعاطف‭ ‬حتى‭ ‬يتلاشى‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يربطنا‭ ‬بهم‭ ‬رابط‭.‬

هذان‭ ‬الوجهان‭ ‬يحتاجان‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تنميتهما،‭ ‬فإن‭ ‬تم‭ ‬ضبط‭ ‬الجانب‭ ‬الرسمي‭ ‬بلائحة‭ ‬الإجراءات،‭ ‬فكيف‭ ‬يمكننا‭ ‬ترقية‭ ‬شعور‭ ‬التعاطف‭ ‬الإنساني‭ ‬لدى‭ ‬مجتمعاتنا؟‭!.‬