العرب‭ ‬اليهود‭ ‬والهجرة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل

| عبدالنبي الشعلة

الهدف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الوقفة،‭ ‬وتحت‭ ‬هذا‭ ‬العنوان،‭ ‬هو‭ ‬دعوة‭ ‬الأنظمة‭ ‬والمجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مواقفها‭ ‬من‭ ‬الأقليات‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬العرقية‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬كنفهم‭ ‬كمواطنين‭ ‬في‭ ‬أوطانهم،‭ ‬ومساواة‭ ‬هذه‭ ‬الأقليات‭ ‬مع‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬المواطنين،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬لهم‭ ‬جميع‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنة‭ ‬وعليهم‭ ‬كل‭ ‬واجباتها،‭ ‬وبذل‭ ‬جهود‭ ‬خاصة‭ ‬وربما‭ ‬استثنائية‭ ‬ومضاعفة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استيعابهم‭ ‬وإدماجهم‭ ‬وترسيخ‭ ‬انتمائهم‭ ‬وحبهم‭ ‬وولائهم‭ ‬للوطن‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬المساس‭ ‬بهويتهم‭ ‬وجذورهم‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬العرقية‭ ‬أو‭ ‬المذهبية‭. ‬وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬بل‭ ‬الإشادة‭ ‬هنا‭ ‬بالجهود‭ ‬والمبادرات‭ ‬والخطوات‭ ‬الملموسة‭ ‬والمعبرة‭ ‬التي‭ ‬اتخذتها‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تعيين‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬مواطنين‭ ‬ممن‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬أديان‭ ‬وأعراق‭ ‬مختلفة‭ ‬مثل‭ ‬اليهود‭ ‬والنصارى‭ ‬والبهرة،‭ ‬كما‭ ‬تأتي‭ ‬على‭ ‬قمة‭ ‬ذلك‭ ‬مبادرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬المفدى‭ ‬بتعيين‭ ‬سيدة‭ ‬بحرينية‭ ‬يهودية‭ ‬هي‭ ‬السيدة‭ ‬هدى‭ ‬عزرا‭ ‬نونو‭ ‬سفيرة‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬لدى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية،‭ ‬وسيدة‭ ‬بحرينية‭ ‬مسيحية‭ ‬هي‭ ‬السيدة‭ ‬ألس‭ ‬توماس‭ ‬سمعان‭ ‬سفيرة‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬لدى‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬تطرقنا‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬التعايش‭ ‬والانسجام‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سائدة‭ ‬بين‭ ‬اليهود‭ ‬البحرينيين‭ ‬وباقي‭ ‬مواطني‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأطياف‭ ‬والمكونات،‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬اقترفه‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬الصهاينة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬بحق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬إثارة‭ ‬عواطف‭ ‬ومشاعر‭ ‬البعض‭ ‬وأدى‭ ‬بالنتيجة‭ ‬إلى‭ ‬تعرض‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬البحرينيين،‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬العام‭ ‬1947م،‭ ‬إلى‭ ‬المضايقة‭ ‬والاعتداء‭ ‬والنهب،‭ ‬مما‭ ‬جعلهم‭ ‬يحسون‭ ‬بعدم‭ ‬الأمان،‭ ‬ودفع‭ ‬غالبيتهم‭ ‬العظمى‭ ‬إلى‭ ‬مغادرة‭ ‬وطنهم‭ ‬البحرين‭ ‬والتوجه‭ ‬إلى‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وآسيا‭ ‬وإلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬إلا‭ ‬نفرا‭ ‬قليلا‭ ‬جدًا‭ ‬منهم‭ ‬اختاروا‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭.‬

إن‭ ‬الحقائق‭ ‬والأرقام‭ ‬تكشف‭ ‬وتؤكد‭ ‬أن‭ ‬اليهود‭ ‬العرب‭ ‬أو‭ ‬اليهود‭ ‬القاطنين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬كمواطنين‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يؤمنون‭ ‬بفكرة‭ ‬“أرض‭ ‬الميعاد”‭ ‬كأداة‭ ‬سياسية،‭ ‬وما‭ ‬كانوا‭ ‬يرغبون‭ ‬أو‭ ‬كانوا‭ ‬متحمسين‭ ‬لترك‭ ‬أوطانهم‭ ‬والهجرة‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬مناشدة‭ ‬وضغوط‭ ‬وإغراءات‭ ‬المنظمات‭ ‬والوكالات‭ ‬الصهيونية‭ ‬لهم‭ ‬منذ‭ ‬إنعقاد‭ ‬المؤتمر‭ ‬الصهيوني‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بازل‭ ‬بسويسرا‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1897م‭ ‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬غالبيتهم‭ ‬العظمى‭ ‬اضطرت،‭ ‬بعد‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1948م،‭ ‬إلى‭ ‬المغادرة‭ ‬والتوجه‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬التغرب‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬وغيرها‭ ‬نتيجة‭ ‬لازدياد‭ ‬أساليب‭ ‬الترغيب‭ ‬والترهيب‭ ‬التي‭ ‬تعرضوا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الوكالات‭ ‬والمنظمات‭ ‬الصهيونية‭ ‬وما‭ ‬عانوه‭ ‬من‭ ‬اختلال‭ ‬واضطراب‭ ‬في‭ ‬علاقاتهم‭ ‬بالمجتمعات‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬أثر‭ ‬اغتصاب‭ ‬فلسطين‭ ‬وتشريد‭ ‬شعبها،‭ ‬وكذلك‭ ‬ما‭ ‬واجهوه‭ ‬من‭ ‬منغصات‭ ‬ومضايقات‭ ‬واعتداءات‭ ‬في‭ ‬بلدانهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬الأنظمة‭ ‬وبعض‭ ‬قطاعات‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬دفعها‭ ‬الغضب‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬الثأر‭ ‬والانتقام‭ ‬لمعاناة‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬اليهود‭ ‬القاطنين‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لهم‭ ‬يد‭ ‬ولا‭ ‬ذنب‭ ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وأن‭ ‬ثمة‭ ‬فرقا‭ ‬ملموسا‭ ‬بين‭ ‬اليهودية‭ ‬كدين‭ ‬والصهيونية‭ ‬كعقيدة‭ ‬سياسية‭.‬

فقد‭ ‬استيقظ‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬واقع‭ ‬مرير‭ ‬عندما‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬تقسيم‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1947‭ ‬ثم‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬قيام‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1948‭ ‬كدولة‭ ‬مستقلة‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وتمكنها‭ ‬من‭ ‬إلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بالجيوش‭ ‬العربية،‭ ‬واستفزهم‭ ‬قيام‭ ‬اليهود‭ ‬الصهاينة‭ ‬بالتنكيل‭ ‬بالفلسطينيين‭ ‬وقتلهم‭ ‬واحتلال‭ ‬أرضهم‭ ‬واقتلاعهم‭ ‬منها‭ ‬وتهجيرهم،‭ ‬فتأثروا‭ ‬عميقًا‭ ‬بهول‭ ‬الصدمة‭ ‬وشعروا‭ ‬بالمهانة‭ ‬وخيبة‭ ‬الأمل‭ ‬واجتاحت‭ ‬أعماقهم‭ ‬أحاسيس‭ ‬الغضب‭ ‬والنقمة‭ ‬والسخط‭ ‬واليأس‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬نفرا‭ ‬قليلا‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬سخطها‭ ‬ومساندتها‭ ‬للأشقاء‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬بصب‭ ‬جام‭ ‬غضبها‭ ‬على‭ ‬اليهود‭ ‬القاطنين‭ ‬في‭ ‬بلدانهم،‭ ‬فأخذت‭ ‬وتيرة‭ ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬اليهود‭ ‬والمسلمين‭ ‬في‭ ‬الارتفاع‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وتعرضوا‭ ‬للإعتداء‭ ‬وتم‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬ولائهم‭ ‬ووصفهم‭ ‬بالطابور‭ ‬الخامس‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬وبعد‭ ‬قيام‭ ‬إسرائيل‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬1948‭ ‬سلسلة‭ ‬تفجيرات‭ ‬استهدفت‭ ‬المناطق‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬قتل‭ ‬فيها‭ ‬70‭ ‬يهوديًا‭ ‬مصريًا‭ ‬وجرح‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬200‭ ‬منهم،‭ ‬وقد‭ ‬اتهمت‭ ‬الحكومة‭ ‬المصرية‭ ‬وقتها‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬بالوقوف‭ ‬وراء‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث،‭ ‬وعلى‭ ‬أثر‭ ‬ذلك‭ ‬غادر‭ ‬مصر‭ ‬27‭ ‬ألف‭ ‬يهودي‭ ‬مصري‭ ‬استقر‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬وتوجه‭ ‬الباقي‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭.‬

في‭ ‬العراق‭ ‬كانت‭ ‬جذور‭ ‬اليهود‭ ‬العراقيين‭ ‬مغرقة‭ ‬في‭ ‬القدم،‭ ‬وكان‭ ‬عددهم‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬150‭ ‬ألف،‭ ‬وقد‭ ‬رفضوا‭ ‬بشدة‭ ‬الاستجابة‭ ‬لدعوات‭ ‬ونداءات‭ ‬الصهاينة‭ ‬بالهجرة‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭ ‬قبل‭ ‬قيام‭ ‬إسرائيل،‭ ‬إلا‭ ‬عددا‭ ‬قليلا‭ ‬منهم،‭ ‬وعندما‭ ‬رفض‭ ‬حاخام‭ ‬العراق‭ ‬وقتئذ‭ ‬“خدوري‭ ‬ساسون”‭ ‬الانصياع‭ ‬لمطالب‭ ‬بن‭ ‬غوريون‭ ‬ودعاوى‭ ‬الصهاينة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1950‭ ‬بدأت‭ ‬أعمال‭ ‬الإرهاب‭ ‬ضد‭ ‬يهود‭ ‬العراق؛‭ ‬ونظمت‭ ‬المخابرات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬خلايا‭ ‬سرية‭ ‬كلفتها‭ ‬بمهاجمة‭ ‬اليهود‭ ‬هناك،‭ ‬وإلقاء‭ ‬القنابل‭ ‬عليهم‭ ‬واغتيالهم؛‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬نشوء‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الذعر‭ ‬والخوف‭ ‬بين‭ ‬صفوفهم،‭ ‬حيث‭ ‬ظنوا‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬هم‭ ‬وراء‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬هذه،‭ ‬فاندفعوا‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬هذا‭ ‬الرعب‭ ‬ليهاجروا‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وبالفعل‭ ‬فقد‭ ‬غادر‭ ‬العراق‭ ‬120‭ ‬إلى‭ ‬130‭ ‬ألف‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭  ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1950‭ ‬و1952‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إيران‭ ‬وقبرص‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬“عملية‭ ‬عزرا‭ ‬ونحميا”‭.‬

وفي‭ ‬العام‭ ‬1910‭ ‬بعثت‭ ‬الوكالة‭ ‬اليهودية‭ ‬إلى‭ ‬اليمن‭ ‬مندوبًا‭ ‬صهيونيًا‭ ‬لحث‭ ‬اليهود‭ ‬اليمنيين‭ ‬للهجرة‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين،‭ ‬لكنهم‭ ‬لم‭ ‬ينصاعوا‭ ‬أو‭ ‬يرضخوا‭ ‬للإغراءات‭ ‬التي‭ ‬عرضت‭ ‬عليهم‭ ‬رغم‭ ‬أوضاعهم‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتردية‭ ‬كباقي‭ ‬أطياف‭ ‬الشعب‭ ‬اليمني‭ ‬آنذاك‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬150‭ ‬يهوديا،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬“مذبحة‭ ‬عدن”‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬1947‭ ‬والتي‭ ‬راح‭ ‬ضحيتها‭ ‬82‭ ‬قتيلًا‭ ‬و76‭ ‬جريحًا‭ ‬يهوديًا‭ ‬وتدمير‭ ‬أربعة‭ ‬معابد،‭ ‬وبعد‭  ‬قيام‭ ‬إسرائيل‭ ‬وبين‭ ‬عامي‭ ‬1949‭ ‬و1950‭ ‬غادر‭ ‬اليمن‭ ‬حوالي‭ ‬مائه‭ ‬ألف‭ ‬يمني‭ ‬يهودي‭ ‬في‭ ‬عمليتين‭ ‬سميتا‭ ‬“البساط‭ ‬السحري”‭ ‬و”بساط‭ ‬الريح”‭ ‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬عدد‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬300‭ ‬ألف‭ ‬لم‭ ‬يستجب‭ ‬منهم‭ ‬لدعوة‭ ‬الصهاينة‭ ‬إلا‭ ‬النزر‭ ‬اليسير،‭ ‬وبعد‭ ‬العام‭ ‬1948‭ ‬غادر‭ ‬المغرب‭ ‬منهم‭ ‬قرابة‭ ‬200‭ ‬ألف‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭.‬

وتؤكد‭ ‬الإحصائيات‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬اليهود‭ ‬الذين‭ ‬هاجروا‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭ ‬بتشجيع‭ ‬ودعم‭ ‬من‭ ‬الوكالات‭ ‬الصهيونية‭ ‬قبل‭ ‬قيام‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1948‭ ‬بلغ‭ ‬حوالي‭ ‬550‭ ‬ألف‭ ‬قدموا‭ ‬من‭ ‬شرق‭ ‬أوروبا‭ ‬وروسيا‭ ‬وألمانيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬وأن‭ ‬نسبة‭ ‬اليهود‭ ‬العرب‭ ‬بينهم‭ ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭  ‬5‭ %.‬

إن‭ ‬سبب‭ ‬عدم‭ ‬تحمس‭ ‬يهود‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬للهجرة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يواجهوا‭ ‬ما‭ ‬واجههه‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬اضطهاد‭ ‬وإذلال‭ ‬وتهميش‭ ‬وما‭ ‬لاقوه‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬القيصرية‭ ‬من‭ ‬التوجه‭ ‬المعادي‭ ‬للسامية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مخيمات‭ ‬الأشغال‭ ‬الشاقة‭ ‬التي‭ ‬أقامها‭ ‬النازيون‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬ثم‭ ‬عمليات‭ ‬القتل‭ ‬والإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬المحارق‭ ‬وغرف‭ ‬الغاز‭ ‬أو‭ ‬الهولوكوست‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬النازيين‭ ‬الألمان‭ ‬قبل‭ ‬وإبان‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬إن‭ ‬رؤية‭ ‬المسيحية‭ ‬لليهود‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬واعتبارهم‭ ‬قتلة‭ ‬المسيح‭ ‬سهلت‭ ‬على‭ ‬النازيين‭ ‬وغيرهم‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬اضطهادهم‭ ‬وإبادتهم‭ ‬في‭ ‬المحارق،‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬المنظور‭ ‬الإسلامي‭ ‬وفي‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬المسيح،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬لم‭ ‬يُصلب‭ ‬أصلًا‭ ‬ولم‭ ‬يُقتل‭ ‬ولكن‭ ‬شبه‭ ‬لهم‭.‬

فهل‭ ‬ساهمنا،‭ ‬نحن‭ ‬العرب،‭ ‬عن‭ ‬غير‭ ‬قصد‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬نية،‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬جهود‭  ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬وتسهيلها‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسعى‭ ‬مستميتة‭ ‬إلى‭ ‬استقطاب‭ ‬واجتثاث‭ ‬العرب‭ ‬اليهود‭ ‬من‭ ‬أوطانهم‭ ‬العربية‭ ‬وتهجيرهم‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل؟

ولمحاولة‭ ‬تلمس‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬رواية‭ ‬رئيس‭ ‬الكنيست‭ ‬والوزير‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الأسبق،‭ ‬شلومو‭ ‬هليل،‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬“ريح‭ ‬شرقية”،‭ ‬الذي‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬ديفيد‭ ‬بن‭ ‬غوريون،‭ ‬عندما‭ ‬تعثرت‭ ‬عملية‭ ‬نقل‭ ‬اليهود‭ ‬العراقيين‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬قال‭: ‬“يجب‭ ‬إحضارهم‭ ‬فورا”‭. ‬وكتب‭ ‬هيلل‭ ‬إنه‭ ‬“لم‭ ‬أكن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إقناع‭ ‬بن‭ ‬غوريون”‭. ‬وكان‭ ‬دافع‭ ‬بن‭ ‬غوريون‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬عدم‭ ‬إحضار‭ ‬يهود‭ ‬من‭ ‬العراق،‭ ‬فإن‭ ‬العراقيين‭ ‬سيدركون‭ ‬لاحقا‭ ‬أنهم‭ ‬أخطأوا‭ ‬بالسماح‭ ‬بهجرة‭ ‬اليهود،‭ ‬الذين‭ ‬تبوأوا‭ ‬مناصب‭ ‬هامة‭ ‬كمثقفين‭ ‬ومهنيين،‭ ‬وأنه‭ ‬بهجرتهم‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬سيعززون‭ ‬الكيان‭ ‬الجديد‭ ‬وسيوقفون‭ ‬هجرة‭ ‬اليهود‭. ‬لذلك‭ ‬قال‭ ‬بن‭ ‬غوريون،‭ ‬حسبما‭ ‬اقتبسه‭ ‬هيلل‭ ‬في‭ ‬كتابه،‭ ‬إنه‭ ‬“يجب‭ ‬إحضارهم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكتشفوا‭ ‬خطأهم”‭.‬