دوافع عملية نيوزيلندا

| خالد عبدالعزيز النزر

في‭ ‬بيان‭ ‬الإرهابي‭ ‬“برنتون‭ ‬تارنت”‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬العملية‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬نفذها‭ ‬الداعشي‭ ‬“رحمة‭ ‬عقيلوف”‭ ‬في‭ ‬ستوكهولم،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬الطفلة‭ ‬“إبا‭ ‬أكرنولد”،‭ ‬كانت‭ ‬الحدث‭ ‬الذي‭ ‬ألهمه‭ ‬للقيام‭ ‬بهذه‭ ‬المجزرة،‭ ‬كما‭ ‬تعالت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأًصوات‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬التي‭ ‬ربطت‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬وبين‭ ‬الإرهاب‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬مسلمون‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬وأرى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التحليل‭ ‬وإن‭ ‬بدا‭ ‬للوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬منطقياً،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السطحية‭ ‬والسذاجة‭ ‬وجلد‭ ‬الذات،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬مبرر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬اليمين‭ ‬الغربي‭. ‬فهذه‭ ‬العبارة‭ ‬للإرهابي‭ ‬جاءت‭ ‬ضمن‭ ‬73‭ ‬صفحة‭ ‬تحدث‭ ‬فيها‭ ‬بإسهاب‭ ‬عن‭ ‬معتقداته‭ ‬السياسية‭ ‬ودوافعه،‭ ‬إضافة‭ ‬لما‭ ‬كتبه‭ ‬على‭ ‬سلاحه‭ ‬الذي‭ ‬نفذ‭ ‬به‭ ‬فعلته‭ ‬الشنيعة‭.‬

لقد‭ ‬أسست‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬بشكل‭ ‬تراكمي‭ ‬لقيم‭ ‬ومبادئ‭ ‬طُبقت‭ ‬عملياً‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وتأسيس‭ ‬وإعلان‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬ثم‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬إعلان‭ ‬نيويورك‭ ‬للاجئين‭ ‬والمهاجرين،‭ ‬والاتفاق‭ ‬العالمي‭ ‬للهجرة،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬تلك‭ ‬القيم‭ ‬طبيعة‭ ‬وأنظمة‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنة‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬للعرق‭ ‬والمعتقد‭ ‬الديني‭. ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬هذا‭ ‬الإرهابي‭ ‬يمثل‭ ‬انقلابا‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المبادئ،‭ ‬وهو‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬اليمين‭ ‬المتصاعد‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬الذي‭ ‬ينادي‭ ‬بطرد‭ ‬المهاجرين‭ ‬حفاظاً‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الأصلية‭ ‬للبلاد‭ ‬وأصحابها‭ ‬“البيض”‭. ‬كل‭ ‬كلمة‭ ‬كانت‭ ‬مكتوبة‭ ‬بعناية‭ ‬فائقة‭ ‬ولها‭ ‬رسالة‭ ‬محددة‭ ‬وواضحة،‭ ‬كالإشارة‭ ‬إلى‭ ‬“معركة‭ ‬فيينا”‭ ‬و”معركة‭ ‬ليبانتو”‭ ‬و”معركة‭ ‬شيبكا”‭ ‬و”بوتكي”‭ ‬و”شارل‭ ‬مارتيل”‭ ‬و”رادوفان‭ ‬كاراديتش”،‭ ‬وهذا‭ ‬كله‭ ‬قبل‭ ‬داعش‭ ‬أو‭ ‬أية‭ ‬عملية‭ ‬إرهابية‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬مسلمون‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬المعاصر،‭ ‬كما‭ ‬بدا‭ ‬واضحاً‭ ‬تأثره‭ ‬بأفكار‭ ‬“رينو‭ ‬كامو”‭ ‬مجدد‭ ‬نظرية‭ ‬“الاستبدال‭ ‬العظيم”،‭ ‬وتأثره‭ ‬برواية‭ ‬“معسكر‭ ‬القديسين”‭ ‬لجان‭ ‬راسبايل،‭ ‬وهي‭ ‬الرواية‭ ‬الملهمة‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬اليمينية‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬“مارين‭ ‬لوبين”‭ ‬رئيسة‭ ‬حزب‭ ‬التجمع‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬و”ستيف‭ ‬بانون”‭ ‬المستشار‭ ‬الأسبق‭ ‬للرئيس‭ ‬الأميركي‭... ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬مؤسسة‭ ‬على‭ ‬عنصريات‭ ‬أوروبية‭ ‬قديمة،‭ ‬أدت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬إلى‭ ‬إبادات‭ ‬جماعية‭ ‬لليهود‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭. ‬

الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬احتضان‭ ‬أوروبا‭ ‬المهاجرين‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬كان‭ ‬لأسباب‭ ‬موضوعية‭ ‬وعوامل‭ ‬تنموية‭ ‬أهمها‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتنمية‭ ‬والحاجة‭ ‬للقوى‭ ‬البشرية،‭ ‬والتذكير‭ ‬بأن‭ ‬الهجرات‭ ‬البشرية‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الخليقة،‭ ‬وأن‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬الأميركية‭ ‬تنحدر‭ ‬شعوبها‭ ‬من‭ ‬مهاجرين،‭ ‬وكذلك‭ ‬هي‭ ‬أستراليا‭ ‬بلد‭ ‬هذا‭ ‬الإرهابي،‭ ‬وأيضاً‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬التي‭ ‬نفذ‭ ‬فيها‭ ‬عمليته‭.‬

في‭ ‬الختام‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬نعلم‭ ‬بأن‭ ‬المشكلة‭ ‬أعمق‭ ‬بكثير،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬بأكمله‭ ‬يتجه‭ ‬نحو‭ ‬التشتت‭ ‬الآيديولوجي،‭ ‬بعدما‭ ‬أصبح‭ ‬شبه‭ ‬موحد‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬الذي‭ ‬تخلص‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬آيديولوجيات‭ ‬كبيرة‭ ‬هي‭ ‬الإمبريالية‭ ‬والفاشية‭ ‬والشيوعية،‭ ‬وأننا‭ ‬نعيش‭ ‬اليوم‭ ‬عودة‭ ‬الفكر‭ ‬الشعبوي‭ ‬القومي‭ ‬أو‭ ‬الديني‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬“يوفال‭ ‬هرري”‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬“21‭ ‬درساً‭ ‬للقرن‭ ‬21”‭ ‬خصوصاً‭ ‬مع‭ ‬صعود‭ ‬اليمين‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬ومحاولة‭ ‬عودة‭ ‬القيصرية‭ ‬إلى‭ ‬روسيا،‭ ‬ودولة‭ ‬الخلافة‭ ‬أو‭ ‬الإمامة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وتطبيق‭ ‬التلمود‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وبروز‭ ‬قوة‭ ‬التنين‭ ‬الصيني‭.‬