وَخْـزَةُ حُب

لمن يحتفلون بالمرأة... أمًّا!

| د. زهرة حرم

يُقال‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬تاريخية‭ ‬سحيقة،‭ ‬كانت‭ ‬المرأة‭ ‬إلهة‭ ‬تُعبد؛‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الإنسان‭ ‬القديم‭ ‬–‭ ‬حينَها‭ ‬–‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬المرأة‭ ‬أساس‭ ‬الخلق،‭ ‬وأن‭ ‬إليها‭ ‬يرجع‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬من‭ ‬العدم‭! ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬الرجل‭ ‬يفطن‭ ‬بدوره‭ ‬الفاعل‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الخلق‭ ‬تلك‭! ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استوعب‭ ‬–‭ ‬لاحقًا‭ ‬–‭ ‬أنه‭ ‬شريك‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬الإنجاب،‭ ‬وسبب‭ ‬فيه؛‭ ‬تمرّد‭ ‬واستعصى‭ ‬عليها؛‭ ‬وكفّ‭ ‬عن‭ ‬عبادتها،‭ ‬وبحث‭ ‬عن‭ ‬إله‭ ‬بديل؛‭ ‬يعزو‭ ‬إليه‭ ‬أسرار‭ ‬الكون‭ ‬وتجلياته‭ ‬وأمور‭ ‬خلقه‭!‬

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬تأليه‭ ‬المرأة،‭ ‬وعدم‭ ‬تقبلنا‭ ‬لها؛‭ ‬فإن‭ ‬تقدير‭ ‬الإنسان‭ ‬البدائي‭ (‬الرجل‭) ‬لها،‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬عقلية‭ ‬ذكورية‭ ‬–‭ ‬ضاربة‭ ‬في‭ ‬القِدَم‭ - ‬تحترم‭ ‬دور‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬الحياة؛‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬مقصورة‭ ‬على‭ ‬الإنجاب‭! ‬كان‭ ‬الرجل‭ ‬يُجلّ‭ ‬الدور‭ ‬الأمومي،‭ ‬بل‭ ‬يُقدسه؛‭ ‬حتى‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المرأة‭/ ‬الأنثى‭ ‬إلهة‭ ‬يتقرب‭ ‬إليها،‭ ‬ويخصها‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬العناية‭ ‬والرعاية‭ ‬والاهتمام‭.‬

ومع‭ ‬تقادم‭ ‬العصور،‭ ‬وجدنا‭ ‬هذا‭ ‬الوهج‭ ‬القداسي‭ ‬يخفت‭ ‬تدريجيًا،‭ ‬وينسحب‭ ‬البساط‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬أقدام‭ ‬المرأة؛‭ ‬ليحتله‭ ‬الرجل،‭ ‬ولم‭ ‬تستطع‭ ‬الأديان‭ ‬فيما‭ ‬بعد؛‭ ‬وأقصد‭ ‬بها‭ ‬الإبراهيمية‭ ‬الثلاثة‭: ‬الإسلام،‭ ‬واليهودية،‭ ‬والمسيحية‭ ‬أن‭ ‬تقلل‭ ‬سطوة‭ ‬الفكر‭ ‬الذكوري،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬مما‭ ‬احتوت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬نصوص‭ ‬تحاول‭ ‬إرجاع‭ ‬البريق‭ ‬لدور‭ ‬المرأة؛‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬تحتل‭ ‬مرتبة‭ ‬ثانية‭ ‬بعد‭ ‬الرجل،‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬سر‭ ‬الدعوات‭ ‬المستميتة‭ ‬للمساواة‭ ‬والإنصاف‭ ‬بين‭ ‬الجنسين،‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭!‬

فمازال‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يقف‭ ‬عقبة‭ ‬أمام‭ ‬أي‭ ‬احتفال‭ ‬بالمرأة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬إذا‭ ‬سبقته‭ ‬كلمة‭ (‬العيد‭)‬؛‭ ‬ليحوّل‭ ‬الموضوع‭ ‬إلى‭ ‬بِدَع‭ ‬وضلالة‭ ‬وكفر،‭ ‬ومرجع‭ ‬ذلك‭ ‬لديهم؛‭ ‬أن‭ ‬للإسلام‭ ‬أعياده‭ ‬المعروفة،‭ ‬وأن‭ ‬أي‭ ‬اقتران‭ ‬بتسمية‭ (‬العيد‭) ‬غير‭ ‬مقبول‭! ‬عجبي؛‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬هذا‭!‬؟‭ ‬لكأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬ليسوا‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي،‭ ‬صاحب‭ ‬الضاد،‭ ‬الذي‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬للغة‭ ‬تفسيرات،‭ ‬ودلالات،‭ ‬ومجازات،‭ ‬وتصويرات‭! ‬أفلا‭ ‬يكون‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬آمنين‭ ‬مرتاحين؛‭ ‬يوم‭ ‬عيد؟‭ ‬أفلا‭ ‬يكون‭ ‬الاحتفال‭ ‬بالأم‭ ‬أو‭ ‬الأسرة‭ ‬عيدًا‭!‬؟‭ ‬فلماذا‭ ‬تحملون‭ ‬الكلام‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬معناه،‭ ‬وكأنكم‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬جيش‭ ‬متأهب‭ ‬للقتال،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬متعلقًا‭ ‬بالمرأة‭!‬

للأسف‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬يُفرغ‭ ‬الكلام‭ ‬من‭ ‬مضمونه،‭ ‬ومعانيه‭ ‬السامية؛‭ ‬لتصبح‭ ‬المرأة‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬بعض‭ ‬المغرضين‭ - ‬رمز‭ ‬إغراء‭ ‬وغواية‭ ‬وتغرير‭! ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تحترم‭ ‬فيه‭ ‬المرأة؛‭ ‬تصبح‭ ‬داعية‭ ‬للفتنة‭ ‬وتخريب‭ ‬المجتمعات‭! ‬والحق‭ ‬إنها‭ ‬تحتاج‭ ‬–‭ ‬فقط‭ - ‬إلى‭ ‬تعديل‭ ‬الموازين‭! ‬وهي‭ ‬عملية‭ ‬تبدأ‭ ‬بالأسرة،‭ ‬التي‭ ‬تضعها‭ ‬مع‭ ‬أخيها‭ ‬–‭ ‬تحت‭ ‬السقف‭ ‬الواحد‭ - ‬في‭ ‬الميزان‭ ‬نفسه،‭ ‬بلا‭ ‬خلل،‭ ‬وبلا‭ ‬تحديد‭ ‬أدوار‭ ‬يفرض‭ ‬عليها‭ ‬واجبات‭ ‬ويحرمها‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭!‬

لمن‭ ‬يحتفل‭ ‬بالمرأة،‭ ‬أمًا‭ ‬هذه‭ ‬الأيام،‭ ‬لا‭ ‬تنسوا‭ ‬تهيئة‭ ‬أبنائكم‭ ‬للمستقبل‭ ‬الذي‭ ‬تقف‭ ‬فيه‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل‭ ‬على‭ ‬عتبة‭ ‬واحدة‭.‬