البيروقراطية وما أدراك ما البيروقراطية

| زهير توفيقي

قلما‭ ‬أتعامل‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬والهيئات‭ ‬الحكومية‭ ‬المختلفة‭ ‬بحكم‭ ‬طبيعة‭ ‬عملي،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬أضطر‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬والسبب‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إتمام‭ ‬المعاملة‭ ‬المطلوبة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التطبيقات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬المتوفرة‭ ‬لبعض‭ ‬الخدمات‭. ‬

وإحقاقاً‭ ‬للحق‭ ‬نطالب‭ ‬بعمل‭ ‬ثورة‭ ‬تصحيحية‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الإدارية‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الوزارات‭ ‬والهيئات‭ ‬الحكومية،‭ ‬فلطالما‭ ‬شعرت‭ ‬بصدمة‭ ‬كبيرة،‭ ‬مراراً‭ ‬وتكراراً،‭ ‬وأنا‭ ‬أكتشف‭ ‬أن‭ ‬البيروقراطية‭ ‬القاتلة‭ ‬مازالت‭ ‬تعشعش‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬وفكر‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬يتولون‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬تلك‭ ‬الدوائر،‭ ‬ويزداد‭ ‬الوضع‭ ‬صعوبة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الدوائر‭ ‬خدميّة‭ ‬وذات‭ ‬صلة‭ ‬مباشرة‭ ‬بالجمهور‭.‬

مازالت‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسات‭ ‬تعمل‭ ‬بالطريقة‭ ‬التقليدية‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تُطبّق‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬السابقة‭ ‬وبالطرق‭ ‬التقليدية‭ ‬غير‭ ‬المقبولة‭ ‬في‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬المتطورة‭ ‬جداً‭ ‬ووسائل‭ ‬الاتصالات‭ ‬والتواصل‭ ‬الحديثة‭ ‬من‭ ‬بريد‭ ‬إلكتروني‭ ‬وغيرها،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬الفاكس‭ ‬أصبح‭ ‬قديماً‭ ‬جداً‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يُستخدم‭ ‬في‭ ‬وقتنا‭ ‬الحاضر،‭ ‬وباعتقادي‭ ‬الشخصي‭ ‬إن‭ ‬جميع‭ ‬تلك‭ ‬الجهات‭ ‬والدوائر‭ ‬تتوفر‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الخدمات‭ ‬والتسهيلات‭. ‬

المسؤولون‭ ‬هؤلاء‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬إداري‭ ‬ومعرفي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ورش‭ ‬عمل‭ ‬أو‭ ‬دورات‭ ‬تدريبية‭ ‬يتم‭ ‬تنظيمها‭ ‬بهدف‭ ‬تغيير‭ ‬سلوكياتهم‭ ‬ومساعدتهم‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬الممارسات‭ ‬الحديثة‭ ‬وفرض‭ ‬ثقافة‭ ‬مؤسسية‭ ‬صحيحة‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬ارتقاء‭ ‬المنظومة‭ ‬المتكاملة‭ ‬للمؤسسة‭. ‬

لا‭ ‬شك‭ ‬لدينا‭ ‬بأن‭ ‬حكومتنا‭ ‬الرشيدة‭ ‬تعمل‭ ‬جاهدة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬أكبر‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬الإيرادات‭ ‬لخزائن‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تخفيض‭ ‬المصروفات‭ ‬وتقنين‭ ‬القوى‭ ‬العاملة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬السعي‭ ‬لتطوير‭ ‬أعمال‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحكومية‭ ‬أصبح‭ ‬مطلبا‭ ‬أساسيا‭ ‬ومهما،‭ ‬فعندما‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬طرق‭ ‬إدارة‭ ‬العمل،‭ ‬فإننا‭ ‬نوفر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المال‭.‬

إننا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬شيئين‭ ‬مهمين‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك،‭ ‬أولا‭ ‬إحالة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬وخصوصا‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬إلى‭ ‬التقاعد،‭ ‬وثانيا‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬نمط‭ ‬وثقافة‭ ‬وسلوكيات‭ ‬المسؤولين،‭ ‬حيث‭ ‬إننا‭ ‬نلحظ‭ ‬تأخر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعاملات،‭ ‬والبطء‭ ‬الشديد‭ ‬في‭ ‬إنجازها‭ ‬والسبب‭ ‬تلك‭ ‬العقليات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تعمل‭ ‬وفق‭ ‬الأنماط‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬عفى‭ ‬عليها‭ ‬الزمن‭ ‬وتجاوزها‭ ‬الوقت،‭ ‬على‭ ‬المسؤولين‭ ‬المعنيين‭ ‬أن‭ ‬يدركوا‭ ‬أن‭ ‬أيّ‭ ‬تأخير‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬معاملة‭ ‬تترتب‭ ‬عليها‭ ‬تأثيرات‭ ‬سلبية‭ ‬اقتصادياً،‭ ‬ناهيكم‭ ‬عن‭ ‬تأثيراتها‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭.‬

نعم‭ ‬أقولها‭ ‬بكل‭ ‬مرارة،‭ ‬الوضع‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬قرارات‭ ‬شجاعة‭ ‬لتحقيق‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬وضمان‭ ‬خير‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬والمواطنين‭. ‬لو‭ ‬قام‭ ‬كل‭ ‬وزير‭ ‬أو‭ ‬رئيس‭ ‬هيئة‭ ‬بعمل‭ ‬دراسة‭ ‬مستفيضة‭ ‬بهدف‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مكامن‭ ‬الخطأ‭ ‬والتقصير‭ ‬في‭ ‬دائرته،‭ ‬بشكل‭ ‬جدي‭ ‬وبعيد‭ ‬عن‭ ‬العواطف‭ ‬والمصالح،‭ ‬لكنا‭ ‬اليوم‭ ‬بألف‭ ‬خير‭.‬‭ ‬

لا‭ ‬أنكر‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬قاموا‭ ‬بالفعل‭ ‬باتخاذ‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬التصحيحية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالعمل‭ ‬وزيادة‭ ‬الإنتاجية‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬أرقى‭ ‬المراتب‭ ‬والمستويات‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭ ‬للمواطنين‭ ‬والوافدين،‭ ‬لكن‭ ‬مازال‭ ‬كثيرون‭ ‬هناك‭ ‬يرفضون‭ ‬التغيير‭.‬

إن‭ ‬البيروقراطية‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الإداري‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬إيجابية‭ ‬أو‭ ‬مقبولة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬وتحت‭ ‬أي‭ ‬ظرف،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬تقتل‭ ‬الطموح‭ ‬وتعقد‭ ‬الإجراءات‭ ‬ولا‭ ‬تقبل‭ ‬المرونة‭ ‬ولا‭ ‬تسمح‭ ‬بتطوير‭ ‬العمل‭ ‬المعرفي‭ ‬والتقني‭. ‬وكان‭ ‬الألماني‭ ‬ماكس‭ ‬فيبر‭ ‬أحد‭ ‬مؤسسي‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬الحديث‭ ‬وإدارة‭ ‬المؤسسات‭ ‬العامة‭ ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬تناول‭ ‬النماذج‭ ‬المثالية‭ ‬للسلطة‭. ‬وللحديث‭ ‬بقية‭.‬