الوطني‭ ‬للتوظيف

| د. عبدالله الحواج

تحدثنا‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬“البحرنة”،‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬تفضيل‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭ ‬عند‭ ‬التوظيف،‭ ‬وعن‭ ‬آلية‭ ‬خوضه‭ ‬غمار‭ ‬المنافسة‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬عادلة‭ ‬مع‭ ‬نظيره‭ ‬الأجنبي،‭ ‬اتخذ‭ ‬المسؤولون‭ ‬ما‭ ‬يرونه‭ ‬مناسبًا‭ ‬من‭ ‬قرارات،‭ ‬حاولت‭ ‬هيئة‭ ‬تنظيم‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬وحاول‭ ‬“تمكين”،‭ ‬ومن‭ ‬قبلهما‭ ‬حاولت‭ ‬وزارة‭ ‬العمل،‭ ‬لكن‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تأتي‭ ‬الرياح‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬تشتهي‭ ‬السفن‭.‬

ظلت‭ ‬هناك‭ ‬فجوة‭ ‬عميقة‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬ردمها‭ ‬بين‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬وبين‭ ‬المطلوب‭ ‬إثباته،‭ ‬بين‭ ‬الفرص‭ ‬المتاحة‭ ‬للمواطن،‭ ‬ونظيرتها‭ ‬المتوافرة‭ ‬للأجنبي،‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬مالت‭ ‬الكفة‭ ‬لصالح‭ ‬الوافد،‭ ‬وظل‭ ‬المواطن‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬شح‭ ‬الوظائف،‭ ‬وضيق‭ ‬اليد،‭ ‬واختلال‭ ‬المعادلة‭ ‬الملقبة‭ ‬بـ‭ ‬“الوطني‭ ‬للتوظيف”‭.‬

أخيرا‭ ‬وكعادة‭ ‬سموه،‭ ‬انتفض‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان،‭ ‬ودفع‭ ‬الحكومة‭ ‬كلها‭ ‬لكي‭ ‬يشمر‭ ‬أعضائها‭ ‬عن‭ ‬سواعدهم‭ ‬ويبدأوا‭ ‬فورًا‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬والفرز‭ ‬والتنقيب‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬أكثر‭ ‬عدالة،‭ ‬وعن‭ ‬كفة‭ ‬تميل‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬لصالح‭ ‬المواطن‭.‬

وبالفعل‭ ‬خرجت‭ ‬علينا‭ ‬الأخبار‭ ‬السارة‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬الاثنين‭ ‬الماضي،‭ ‬لقد‭ ‬فعلها‭ ‬الرئيس‭ ‬القائد‭ ‬وحكومة‭ ‬البحرين‭ ‬الرشيدة‭. ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬إطلاق‭ ‬مشروع‭ ‬وطني‭ ‬للتوظيف‭ ‬يضع‭ ‬البحريني‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الخيارات‭ ‬المطروحة‭ ‬أمام‭ ‬أصحاب‭ ‬الأعمال،‭ ‬بل‭ ‬ويجعل‭ ‬منه‭ ‬فرصة‭ ‬سانحة‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬كفاءة‭ ‬إدارية‭ ‬أو‭ ‬مهنية‭ ‬يحتاجها‭ ‬موقع‭ ‬“ما”‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬العمل‭.‬

الأولوية‭ ‬باتت‭ ‬للبحريني‭ ‬عند‭ ‬التوظيف،‭ ‬والبحريني‭ ‬هو‭ ‬الخيار‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬مضمون‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يبعثها‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني‭ ‬الذي‭ ‬أطلقته‭ ‬الحكومة‭ ‬الاثنين‭ ‬الماضي،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الإطار‭ ‬المكمل‭ ‬للفحوى‭ ‬الذي‭ ‬شملته‭ ‬حملة‭ ‬جديرة‭ ‬لتسجيل‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬عمل‭ ‬بل‭ ‬وزيادة‭ ‬إعانات‭ ‬التعطل‭ ‬ومدد‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬الموازنة‭ ‬العامة‭ ‬للدولة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تعاني‭ ‬عجزًا‭ ‬مقداره‭ ‬65‭ % ‬من‭ ‬ميزانية‭ ‬2019‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2017‭ ‬بتراجع‭ ‬مقداره‭ ‬35‭ % ‬في‭ ‬موازنة‭ ‬2018،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الصحيح‭ ‬أيضًا‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬مضاعفة‭ ‬كفاءة‭ ‬أداء‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬لكي‭ ‬تكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬مشاهد‭ ‬الاحتياجات‭ ‬ومقاربتها‭ ‬لمشهد‭ ‬الإمكانات‭.‬

هنا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬مغزى‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬الموازنة‭ ‬العامة‭ ‬للدولة‭ ‬والمقررة‭ ‬بـ‭ ‬6539‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬بحريني‭ ‬للمصروفات،‭ ‬وأيضًا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬ذلك‭ ‬التوجيه‭ ‬السامي‭ ‬من‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬بضرورة‭ ‬فتح‭ ‬أبواب‭ ‬جميع‭ ‬الوزارات‭ ‬أمام‭ ‬المواطنين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ظل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬أسوار‭ ‬شاهقة‭ ‬جدًا‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬مواطن‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬إجابة‭ ‬شافية‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬سؤال‭ ‬عويص‭.‬

الأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬إطلاق‭ ‬مشروع‭ ‬وطني‭ ‬للتوظيف‭ ‬بثياب‭ ‬جديدة‭ ‬وبروح‭ ‬فضفاضة‭ ‬تتفق‭ ‬حولها‭ ‬القيادة،‭ ‬ويتفهمها‭ ‬المواطن‭ ‬البسيط،‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يشعر‭ ‬فيه‭ ‬الجميع‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬حصونًا‭ ‬منيعة‭ ‬تحول‭ ‬بين‭ ‬المواطن‭ ‬ونظرائهم‭ ‬المسؤولين،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬غير‭ ‬المكتملة‭ ‬لمسألة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬البحريني‭ ‬هو‭ ‬الخيار‭ ‬رقم‭ ‬واحد‭ ‬للقطاعين‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬الخاص‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬

المسألة‭ ‬واضحة،‭ ‬اتفاق‭ ‬بين‭ ‬الجميع‭ ‬على‭ ‬الأهداف،‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬القانون،‭ ‬لكن‭ ‬مشكلة‭ ‬المشاكل‭ ‬تطل‭ ‬علينا‭ ‬بأعناقها‭ ‬المزعجة‭ ‬عند‭ ‬التطبيق،‭ ‬وعندما‭ ‬نتوغل‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬تحويل‭ ‬النظرية‭ ‬المعتبرة‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬حال‭ ‬متناغم‭ ‬مع‭ ‬حاجات‭ ‬المواطن‭.‬

إنها‭ ‬رؤية‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬تم‭ ‬إطلاقها‭ ‬من‭ ‬منصة‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء،‭ ‬وتولي‭ ‬قائد‭ ‬محنك‭ ‬مثل‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬مسؤولية‭ ‬وضع‭ ‬القطار‭ ‬على‭ ‬الطريق،‭ ‬والله‭ ‬ولي‭ ‬التوفيق‭.‬