من جديد

الجنح إلى الصمت في ازدهار الكلام

| د. سمر الأبيوكي

كم‭ ‬منا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬لحظات‭ ‬صمت‭ ‬وهدوء‭ ‬لمراجعة‭ ‬الذات‭ ‬وسط‭ ‬صخب‭ ‬الحياة‭ ‬وازدحامها‭... ‬هدوء‭ ‬يفصلنا‭ ‬عن‭ ‬محيطنا،‭ ‬يعطينا‭ ‬الفرصة‭ ‬لترتيب‭ ‬أولوياتنا‭ ‬ومراقبة‭ ‬ذاتنا‭ ‬وتقييم‭ ‬ما‭ ‬نحن‭ ‬عليه‭ ‬ومقارنته‭ ‬بما‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬مستقبلا‭.‬

في‭ ‬عصرنا‭ ‬بات‭ ‬الأمر‭ ‬أشبه‭ ‬بالمستحيل‭ ‬وسط‭ ‬إيمان‭ ‬الأغلبية‭ ‬بأهمية‭ ‬التواصل‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬الذات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬استهلاك‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬بطولات‭ ‬خاصة‭ ‬أو‭ ‬نجاحات‭ ‬معينة‭ ‬أو‭ ‬إخفاقات‭ ‬كثيرة‭ ‬تُلقى‭ ‬أسبابُها‭ ‬على‭ ‬أعتاق‭ ‬الغير‭. ‬

آخرون‭ ‬يؤمنون‭ ‬بضرورة‭ ‬استثمار‭ ‬الصمت‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬العقول‭ ‬وتدريب‭ ‬النفس‭ ‬على‭ ‬الانفصال‭ ‬عن‭ ‬المحيط‭ ‬والارتباط‭ ‬بالنفس‭ ‬وحدها‭ ‬دون‭ ‬غيرها،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يدعو‭ ‬إليه‭ ‬مدربو‭ ‬الطاقة‭ ‬وممارسو‭ ‬اليوجا‭ ‬إيمانا‭ ‬منهم‭ ‬بالأثر‭ ‬الإيجابي‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬على‭ ‬الروح‭ ‬إثر‭ ‬تلقيها‭ ‬تدريبات‭ ‬متواصلة‭ ‬على‭ ‬الصمت‭.‬

قديما‭ ‬قيل‭ ‬إن‭ ‬السكوت‭ ‬من‭ ‬ذهب،‭ ‬ومازلت‭ ‬أؤمن‭ ‬بهذه‭ ‬المقولة‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬تطبيقها‭ ‬بات‭ ‬صعبا‭ ‬مثلما‭ ‬أسلفت،‭ ‬لكنني‭ ‬أجد‭ ‬سحر‭ ‬الصمت‭ ‬متفوقا‭ ‬غالبا‭ ‬على‭ ‬كثرة‭ ‬الكلام‭.‬

 

ومضة‭: ‬شركة‭ ‬ميكروسوفت‭ ‬عملت‭ ‬جاهدة‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬أكثر‭ ‬غرفة‭ ‬صامتة‭ ‬تنعدم‭ ‬فيها‭ ‬معدلات‭ ‬الصوت‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬تعويضا‭ ‬مبطنا‭ ‬عما‭ ‬أحدثته‭ ‬هي‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬من‭ ‬صخب‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الإنسانية‭. ‬ المفاجئ‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬من‭ ‬دخل‭ ‬الغرفة‭ ‬لم‭ ‬يتحمل‭ ‬الجلوس‭ ‬بها‭ ‬لمدة‭ ‬ثوان‭ ‬معدودة‭ ‬وكان‭ ‬أكبر‭ ‬رقم‭ ‬لتحمل‭ ‬الجلوس‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الغرفة‭ ‬الانعزالية‭ ‬ما‭ ‬فوق‭ ‬الأربعين‭ ‬دقيقة‭. ‬ وعبر‭ ‬من‭ ‬خاض‭ ‬تجربة‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الغرفة‭ ‬عن‭ ‬شعوره‭ ‬بالإعياء‭ ‬والغثيان‭ ‬وأن‭ ‬البقاء‭ ‬فيها‭ ‬لمدة‭ ‬أطول‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اللوثة‭ ‬أو‭ ‬الجنون،‭ ‬وهو‭ ‬ببساطة‭ ‬تأكيد‭ ‬لما‭ ‬وصلنا‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬رفض‭ ‬تام‭ ‬للجنح‭ ‬للصمت‭.‬