ريشة في الهواء

الرجال لا يغيرهم الزمن

| أحمد جمعة

الزمن‭ ‬يتغير‭ ‬لكن‭ ‬الرجال‭ ‬لا‭ ‬يتغيرون‭ ‬والمواقف‭ ‬لا‭ ‬تتغير،‭ ‬كذلك‭ ‬الذهب‭ ‬لا‭ ‬يتغير،‭ ‬عندما‭ ‬أتأمل‭ ‬واقعنا‭ ‬البحريني‭ ‬الأصيل‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬نبراسه‭ ‬بالأمس‭ ‬الصدق‭ ‬المتمثل‭ ‬برجال‭ ‬الكلمة‭ ‬الذين‭ ‬إذا‭ ‬أعطوا‭ ‬كلمة‭ ‬أوفوا،‭ ‬وإذا‭ ‬وعدوا‭ ‬التزموا،‭ ‬كان‭ ‬وجه‭ ‬البحرين‭ ‬البلد‭ ‬الصغير‭ ‬بطرف‭ ‬الخليج‭ ‬يمثل‭ ‬بلداً‭ ‬كبيراً‭ ‬شامخاً‭ ‬يسمو‭ ‬ويعلو‭ ‬بمكانته‭ ‬التي‭ ‬ارتبطت‭ ‬برجال‭ ‬عاهدوا‭ ‬ولم‭ ‬يفرطوا‭ ‬وصانوا‭ ‬العهد‭ ‬وساروا‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد‭ ‬بالوفاء‭ ‬والكرم‭ ‬والعزة،‭ ‬تغير‭ ‬الزمن‭ ‬وصرنا‭ ‬نبحث‭ ‬وننقب‭ ‬عن‭ ‬أمثال‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬بسواعدهم‭ ‬الصلبة‭ ‬تدين‭ ‬لهم‭ ‬البحرين‭ ‬اليوم‭ ‬بهذه‭ ‬المكانة‭.‬

‭ ‬بت‭ ‬أخشى‭ ‬تبوء‭ ‬الطارئين‭ ‬الذين‭ ‬غزوا‭ ‬المحيط‭ ‬بشعار‭ ‬الشباب‭ ‬والدماء‭ ‬الجديدة‭ ‬وتقليد‭ ‬بعض‭ ‬التوجهات‭ ‬حولنا،‭ ‬والتي‭ ‬لها‭ ‬ظروفها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تطابق‭ ‬ظروفنا‭ ‬كبلد‭ ‬صغير‭ ‬محدود‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المادية،‭ ‬ولا‭ ‬يراعى‭ ‬هذا‭ ‬الظرف‭ ‬ونحن‭ ‬نقلد‭ ‬الآخر‭ ‬بالإمكانيات،‭ ‬وقد‭ ‬كنا‭ ‬كذلك‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬مضت‭ ‬ولم‭ ‬يؤثر‭ ‬فينا‭ ‬ذلك،‭ ‬بل‭ ‬العكس‭ ‬كنا‭ ‬بوقتنا‭ ‬نساند‭ ‬الجار‭ ‬ونقدم‭ ‬العون‭ ‬ونقتسم‭ ‬الثروة‭ ‬المتواضعة‭ ‬مع‭ ‬جيراننا‭ ‬وكنا‭ ‬بخير‭ ‬لم‭ ‬يؤثر‭ ‬فينا‭ ‬الزمن‭ ‬ولا‭ ‬التحولات‭.‬

نتطلع‭ ‬اليوم‭ ‬لوجه‭ ‬البحرين‭ ‬ونتأمل‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬فلا‭ ‬نرى‭ ‬الوجوه‭ ‬فرحة‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬الابتسامة‭ ‬المشرقة‭ ‬التي‭ ‬طبعت‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬البحريني‭ ‬الذي‭ ‬رغم‭ ‬العوز‭ ‬والضيق‭ ‬بأوقات‭ ‬الشدة‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ظل‭ ‬دائم‭ ‬الإشراق‭ ‬والتفاؤل‭ ‬ونافس‭ ‬الدول‭ ‬الغنية‭ ‬رغم‭ ‬قلة‭ ‬الإمكانيات،‭ ‬فقد‭ ‬كنا‭ ‬ننطلق‭ ‬بأصالتنا‭ ‬ومبادئنا‭ ‬وكفاءتنا‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتأثر‭ ‬بالغير‭ ‬حولنا‭ ‬ولم‭ ‬نسع‭ ‬لتقليد‭ ‬غيرنا‭ ‬ولم‭ ‬نراهن‭ ‬على‭ ‬التجارب‭ ‬المُرة،‭ ‬بل‭ ‬تمسكنا‭ ‬بأصالتنا‭ ‬وقيمنا‭ ‬الموروثة‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد‭ ‬التي‭ ‬ثبت‭ ‬بالبرهان‭ ‬الساطع‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬بأصالة‭ ‬الفهم‭ ‬والحكمة‭ ‬والحنكة،‭ ‬حفظوا‭ ‬البحرين‭ ‬وسط‭ ‬العواصف‭ ‬والزلازل‭ ‬ولم‭ ‬تؤثر‭ ‬فيهم‭ ‬متغيرات‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشونه،‭ ‬تفاعلوا‭ ‬معه‭ ‬وسايروا‭ ‬بعض‭ ‬قوانينه‭ ‬وواكبوا‭ ‬متطلباته‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يخضعوا‭ ‬له‭ ‬ولم‭ ‬يستسلموا‭ ‬لضغوطاته‭ ‬ولم‭ ‬يرهنوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬ولا‭ ‬مبادئهم‭ ‬للتجارب‭ ‬التي‭ ‬يأتي‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬ولا‭ ‬يدرك‭ ‬قوانين‭ ‬تطور‭ ‬المنطقة‭ ‬وطبيعة‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬خصوصيته،‭ ‬وحين‭ ‬تخلينا‭ ‬عن‭ ‬أصالة‭ ‬الحكمة‭ ‬وسرنا‭ ‬وراء‭ ‬تجارب‭ ‬الغير‭ ‬واستعنا‭ ‬بخبرات‭ ‬الأجنبي‭ ‬البعيد‭ ‬عن‭ ‬بيئتنا‭ ‬ضللنا‭ ‬الطريق‭ ‬وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬أزمة‭ ‬وراء‭ ‬أزمة‭ ‬لم‭ ‬ينقذنا‭ ‬منها‭ ‬سوى‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬ظل‭ ‬وفياً‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬المواقف‭ ‬والمبادئ‭ ‬والوفاء‭ ‬لمسيرة‭ ‬الأجداد‭ ‬والآباء‭ ‬الأوائل‭ ‬الذين‭ ‬أرسوا‭ ‬قواعد‭ ‬الوطن‭ ‬بالحب‭ ‬والتسامح‭ ‬والكفاءات‭ ‬لا‭ ‬التقليد‭ ‬والسير‭ ‬وراء‭ ‬الأضواء‭ ‬البراقة‭.‬

 

تنويرة: ‬الزمن‭ ‬تغير،‭ ‬لكن‭ ‬الرجال‭ ‬لا‭ ‬يغيرهم‭ ‬الزمن‭.‬