تغيير‭ ‬ثقافة‭ ‬المؤسسات

| د. جاسم حاجي

كم‭ ‬مرة‭ ‬سمعتم‭ ‬فيها‭ ‬شخصًا،‭ ‬رئيسًا‭ ‬تنفيذيًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬صحافيًا،‭ ‬مستشارًا‭ ‬إداريًا،‭ ‬معلمًا‭ ‬للقيادة،‭ ‬موظفًا‭ ‬زميلاً،‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭ ‬الملحة‭ ‬لتغيير‭ ‬الثقافة؟‭ ‬إنهم‭ ‬يريدون‭ ‬جعلها‭ ‬من‭ ‬الطراز‭ ‬العالمي‭ ‬والاستغناء‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬السلبيات‭ ‬التي‭ ‬تزعج‭ ‬الموظفين‭ ‬وتوقف‭ ‬النوايا‭ ‬الحسنة‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬إلى‭ ‬التقدم،‭ ‬لتحقيق‭ ‬نهج‭ ‬مختلف‭ ‬تمامًا،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬الآن‭. ‬انتقادات‭ ‬الثقافة‭ ‬شائعة‭ ‬مثل‭ ‬الشكاوى‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالطقس،‭ ‬فكم‭ ‬عدد‭ ‬المرات‭ ‬التي‭ ‬رأيت‭ ‬فيها‭ ‬طموحات‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الثقافة‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬تعديل‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يتصرف‭ ‬بها‭ ‬الناس‭ ‬والطريقة‭ ‬التي‭ ‬يعملون‭ ‬بها؟‭ ‬وكم‭ ‬عدد‭ ‬المرات‭ ‬التي‭ ‬لاحظت‭ ‬فيها‭ ‬تحسينات‭ ‬ملحوظة‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل؟

إذا‭ ‬كان‭ ‬الجواب‭ ‬على‭ ‬هذين‭ ‬السؤالين‭ ‬هو‭ ‬“نادرًا”،‭ ‬فلن‭ ‬يفاجئنا‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نعتقد‭ ‬بأن‭ ‬التغيير‭ ‬الثقافي‭ ‬السريع‭ ‬والجملي‭ ‬أمر‭ ‬ممكن‭ - ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مرغوب‭ ‬به،‭ ‬ففي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬ثقافة‭ ‬الشركة‭ ‬هي‭ ‬شخصيتها‭ ‬الأساسية،‭ ‬وهي‭  ‬جوهر‭ ‬كيف‭ ‬يتفاعل‭ ‬الناس‭ ‬وكيف‭ ‬يعملون،‭ ‬كيان‭ ‬معقد‭ ‬بشكل‭ ‬مراوغ‭ ‬ينجو‭ ‬ويتطور‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التحولات‭ ‬التدريجية‭ ‬في‭ ‬القيادة‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬والظروف‭ ‬الأخرى،‭ ‬ونجد‭ ‬أن‭ ‬التعريف‭ ‬الأكثر‭ ‬فائدة‭ ‬هو‭ ‬أيضًا‭ ‬أبسط‭ ‬تعريف‭: ‬الثقافة‭ ‬هي‭ ‬نمط‭ ‬السلوك‭ ‬المستديم‭ ‬ذاتياً‭ ‬والذي‭ ‬يحدد‭ ‬كيف‭ ‬تتم‭ ‬الأمور‭.‬

مصنوعة‭ ‬من‭ ‬الغريزة،‭ ‬والعادات‭ ‬المتكررة‭ ‬والاستجابات‭ ‬العاطفية،‭ ‬الثقافة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬نسخها‭ ‬أو‭ ‬تثبيتها‭ ‬بسهولة،‭ ‬ثقافات‭ ‬الشركات‭ ‬تتجدد‭ ‬بشكل‭ ‬ذاتي‭ ‬باستمرار‭ ‬وتتطور‭ ‬ببطء،‭ ‬فما‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬الناس‭ ‬وما‭ ‬يفكرون‭ ‬ويؤمنون‭ ‬به‭ ‬ينعكس‭ ‬ويتشكل‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬يقومون‭ ‬فيها‭ ‬بأعمالهم،‭ ‬ونادراً‭ ‬ما‭ ‬تنجح‭ ‬الجهود‭ ‬الرسمية‭ ‬لتغيير‭ ‬الثقافة‭ (‬لاستبدالها‭ ‬بشيء‭ ‬جديد‭ ‬ومختلف‭ ‬تماماً‭) ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬ما‭ ‬يحفز‭ ‬الناس،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يثير‭ ‬انفعالاتهم‭. ‬يتم‭ ‬حذف‭ ‬المذكرات‭ ‬ذات‭ ‬اللهجة‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬ساعات،‭ ‬ويمكنك‭ ‬تغطية‭ ‬الجدران‭ ‬بشعارات‭ ‬كبيرة‭ ‬تعلن‭ ‬عن‭ ‬قيم‭ ‬جديدة،‭ ‬لكن‭ ‬الناس‭ ‬سيستمرون‭ ‬بقضاء‭ ‬أيامهم،‭ ‬تحت‭ ‬تلك‭ ‬العلامات‭ ‬مباشرة،‭ ‬مستمرين‭ ‬بالعادات‭ ‬المألوفة‭ ‬والمريحة‭.‬

لكن‭ ‬هذا‭ ‬التعقيد‭ ‬المتأصل‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يمنع‭ ‬المسؤولين‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬استخدام‭ ‬الثقافة‭ ‬كرافعة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستفادة‭ ‬مما‭ ‬لا‭ ‬يمكنك‭ ‬تغييره‭ ‬باستخدام‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬العاطفية‭ ‬في‭ ‬ثقافتك‭ ‬الحالية‭ ‬بشكل‭ ‬مختلف‭.‬

هناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬أبعاد‭ ‬لثقافة‭ ‬الشركات‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬انحيازها‭: ‬التذكيرات‭ ‬الرمزية،‭ ‬والسلوكيات‭ ‬الأساسية‭ (‬الأفعال‭ ‬المتكررة‭ ‬التي‭ ‬تثير‭ ‬سلوكيات‭ ‬أخرى‭ ‬والتي‭ ‬تكون‭ ‬مرئية‭ ‬وغير‭ ‬مرئية‭)‬،‭ ‬والعقليات‭ (‬المواقف‭ ‬والمعتقدات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تقاسمها‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬ولكنها‭ ‬غير‭ ‬مرئية‭ ‬بشكل‭ ‬حصري‭)‬،‭ ‬فالسلوكيات‭ ‬المحدد‭ ‬الأقوى‭ ‬للتغيير‭ ‬الحقيقي،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬السلوكيات‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ - ‬وسوف‭ ‬تتبع‭ ‬ذلك‭ ‬العقليات،‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬أنماط‭ ‬السلوك‭ ‬والعادات‭ ‬المتغيرة‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬أفضل‭.‬

قد‭ ‬تسأل‭: ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬جدا‭ ‬تغيير‭ ‬الثقافة،‭ ‬لماذا‭ ‬ينبغي‭ ‬لنا‭ ‬حتى‭ ‬عناء‭ ‬المحاولة؟‭ ‬لأن‭ ‬الثقافة‭ ‬الحالية‭ ‬للمؤسسة‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مستودعات‭ ‬الطاقة‭ ‬العاطفية‭ ‬والتأثير،‭ ‬ويمكن‭ ‬للمسؤولين‭ ‬التنفيذيين‭ ‬تسريع‭ ‬الضرورات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والتشغيلية‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وعندما‭ ‬تكون‭ ‬القوى‭ ‬الثقافية‭ ‬الإيجابية‭ ‬والأولويات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬متزامنة،‭ ‬يمكن‭ ‬للشركات‭ ‬أن‭ ‬تستمد‭ ‬الطاقة‭ ‬من‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يشعر‭ ‬بها‭ ‬الناس،‭ ‬وهذا‭ ‬يعجل‭ ‬حركة‭ ‬الشركة‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬ميزة‭ ‬تنافسية‭.‬

 

إذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬جدا‭ ‬تغيير‭ ‬الثقافة،‭ ‬لماذا‭ ‬ينبغي‭ ‬لنا‭ ‬حتى‭ ‬عناء‭ ‬المحاولة؟