ذرائع

ثلاثون عاماً أحفر الجدران

| غسان الشهابي

أحاول‭ ‬كسر‭ ‬قواعد‭ ‬ضرورة‭ ‬الاحتفال‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬نفسه،‭ ‬والساعة‭ ‬نفسها‭ ‬لحدث‭ ‬ما،‭ ‬فانتظرت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬لأحتفل‭ ‬معكم‭ ‬بمرور‭ ‬30‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬التحاقي‭ ‬بالصحافة‭ (‬26‭ ‬يناير‭ ‬1989‭)‬،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬مجرد‭ ‬صدفة‭ ‬أو‭ ‬قدرا،‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬في‭ ‬نهايات‭ ‬دراستي‭ ‬الجامعية‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬قد‭ ‬قررت‭ ‬ماذا‭ ‬أفعل‭ ‬بشهادة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وإذا‭ ‬بزميلة‭ ‬من‭ ‬الطالبات‭ ‬المشتغلات‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬تخبرني‭ ‬عن‭ ‬صحيفة‭ ‬تتأسس‭ ‬للتو‭ ‬اسمها‭ ‬“الأيام”‭ ‬وأن‭ ‬رئيس‭ ‬تحريرها‭ ‬يدعى‭ ‬نبيل‭ ‬الحمر،‭ ‬وبعد‭ ‬أيام‭ ‬قلائل‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬في‭ ‬الصحيفة‭ ‬وفي‭ ‬الصحافة،‭ ‬فتملكني‭ ‬عشق‭ ‬كأنه‭ ‬تخبَّأ‭ ‬وتعتّق‭ ‬وانتظرني‭ ‬لينفجر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المضمار‭ ‬الفسيح‭.‬

أهمّ‭ ‬ما‭ ‬ذكرني‭ ‬بالمناسبة،‭ ‬ما‭ ‬قرأته‭ ‬في‭ ‬الزميلة‭ ‬“أخبار‭ ‬الخليج”‭ ‬قبل‭ ‬أسبوع‭ ‬من‭ ‬شكوى‭ ‬الصحافيين‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬توصد‭ ‬أبوابها‭ ‬في‭ ‬وجوههم‭ ‬وتحولهم‭ ‬إلى‭ ‬الأسئلة‭ ‬المكتوبة‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬المباشرة‭. ‬

ما‭ ‬يمكن‭ ‬الوقوف‭ ‬عنده‭ ‬في‭ ‬تعامل‭ ‬المؤسسات‭ ‬والصحافة‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬للمؤسسات‭ ‬الصحافية‭ ‬من‭ ‬قوة،‭ ‬وما‭ ‬للصحافي‭ ‬من‭ ‬مهنية‭ ‬واحترام،‭ ‬أما‭ ‬قوة‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصحافية‭ ‬فإنها‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬معالجاتها‭ ‬المهنية‭ ‬للقضايا‭ ‬التي‭ ‬تتصدى‭ ‬لها‭... ‬أن‭ ‬تغني‭ ‬القارئ‭ ‬بالمعلومات‭ ‬الخاصة‭ ‬والأخبار‭ ‬المتفردة،‭ ‬وأن‭ ‬تستغني‭ ‬عن‭ ‬الوزارات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬تلوّح‭ ‬بقطع‭ ‬الإمدادات‭ ‬الإعلانية،‭ ‬فلا‭ ‬خشية‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المادية‭ ‬على‭ ‬الصحيفة،‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬يمنعها‭ ‬من‭ ‬الندية؟‭ ‬وفي‭ ‬الجهة‭ ‬المقابلة‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يرغب‭ ‬بمن‭ ‬ينبش‭ ‬ويفتش‭ ‬في‭ ‬دفاتره‭ ‬وأعماله،‭ ‬ويبرز‭ ‬إنجازاته‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يبرز‭ ‬إخفاقاته،‭ ‬واقتحام‭ ‬الأبواب‭ ‬إنما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الصحافي‭ ‬بقدرته‭ ‬ومهنيته،‭ ‬غير‭ ‬منتظر‭ ‬أن‭ ‬يُفتح‭ ‬له‭ ‬الباب‭ ‬طوعاً،‭ ‬بل‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يشك‭ ‬إن‭ ‬رأى‭ ‬الأرض‭ ‬مفروشة‭ ‬أمامه،‭ ‬فلعل‭ ‬شَركا‭ ‬في‭ ‬انتظاره،‭ ‬وعند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المهنية‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بقوة‭ ‬الصحافي‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬والتثبّت‭ ‬من‭ ‬المعلومة‭ ‬وتحري‭ ‬الصدق‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬انتهى‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬يودّ،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إثارة‭ ‬وفرقعات‭.‬

ثلاثون‭ ‬عاماً‭ ‬وأكثر،‭ ‬والشكوى‭ ‬هي‭ ‬نفسها،‭ ‬مع‭ ‬تفاوت‭ ‬الإيمان‭ ‬بالصحافة‭ ‬كحياة‭ ‬أو‭ ‬وظيفة‭!.‬