قهوة الصباح

عندما‭ ‬يورق‭ ‬الحجر

| سيد ضياء الموسوي

كبير‭ ‬أنت‭ ‬يا‭ ‬علي،‭ ‬يا‭ ‬صوت‭ ‬الإنسانيين‭ ‬الخالد،‭ ‬وأنت‭ ‬تورق‭ ‬الحجر‭ ‬تغنج‭ ‬زهر‭ ‬وضوء‭ ‬شمس‭ ‬وابتسام‭ ‬قمر‭. ‬هنا‭ ‬يتلمّس‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬وجع‭ ‬الناس‭ ‬بريشة‭ ‬فنان‭ ‬يلون‭ ‬الجمال‭ ‬بألوان‭ ‬الحكمة،‭ ‬يوصي‭ ‬مالك‭ ‬الأشتر‭ ‬بتطبيب‭ ‬جروحهم،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬منحازًا‭ ‬لوجعهم‭ ‬قائلاً‭ ‬“فَلْيَكُنْ‭ ‬صِفوك‭ ‬لَهُمْ،‭ ‬ومَيْلُكَ‭ ‬مَعَهُمْ‭. ‬واعْلَمْ‭ ‬أَنَّ‭ ‬الرَّعِيَّةَ‭ ‬طَبَقَاتٌ‭ ‬منها‭: ‬الطَّبَقَةُ‭ ‬السُّفْلَى‭ ‬مِنْ‭ ‬ذَوِي‭ ‬الْحَاجَةِ‭ ‬والْمَسْكَنَةِ،‭ ‬وكُلٌّ‭ ‬قَدْ‭ ‬سَمَّى‭ ‬اللَّهُ‭ ‬لَهُ‭ ‬سَهْمَهُ‭ ‬ووَضَعَ‭ ‬عَلَى‭ ‬حَدِّهِ‭ ‬فَرِيضَةً‭ ‬فِي‭ ‬كِتَابِهِ‭ ‬أَو‭ ‬سُنَّةِ‭ ‬نَبِيِّهِ”‭.‬

فلابد‭ ‬من‭ ‬تشريع‭ ‬قانون‭ ‬مؤنسن‭ ‬يؤنسن‭ ‬طبيعة‭ ‬التعامل‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬الكهرباء‭ ‬والماء‭ ‬مع‭ ‬ذوي‭ ‬الحاجات،‭ ‬والذين‭ ‬سجلوا‭ ‬عقدًا‭ ‬مع‭ ‬البؤس،‭ ‬والفقر،‭ ‬فما‭ ‬لا‭ ‬يعجبني‭ ‬في‭ ‬قوانين‭ ‬أوربا‭ ‬هو‭ ‬توحش‭ ‬التطبيق‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬الفقراء‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬الكاتب‭ ‬الروسي‭ ‬تيلستوي‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬طبقة‭ ‬وأرستقراطية‭ ‬باذخة،‭ ‬والأديب‭ ‬الفرنسي‭ ‬جان‭ ‬جنيه‭ ‬في‭ ‬دعوته‭ ‬للعربي‭ ‬بكسر‭ ‬المرآة‭ ‬التي‭ ‬يرى‭ ‬فيها‭ ‬صورة‭ ‬الغرب‭ ‬لنفسه‭ ‬وفي‭ ‬نقدهما‭ ‬الافتراس‭ ‬الأوربي‭ ‬للطبقة‭ ‬المعوزة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مظاهرها‭.‬

وقال‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬“ثُمَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬فِي‭ ‬الطَّبَقَةِ‭ ‬السُّفْلَى،‭ ‬مِنَ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬لا‭ ‬حِيلَةَ‭ ‬لَهُمْ‭: ‬مِنَ‭ ‬الْمَسَاكِينِ‭ ‬والْمُحْتَاجِينَ‭ ‬وأَهْلِ‭ ‬الْبُؤْسَ‭ ‬“شدة‭ ‬الفقر”‭ ‬والزَّمْنَ‭ ‬“أصحاب‭ ‬العاهات”؛‭ ‬فَإِنَّ‭ ‬فِي‭ ‬هَذِهِ‭ ‬الطَّبَقَةِ‭ ‬قَانِعًا‭ ‬ومُعْتَرًّا‭. ‬واحْفَظِ‭ ‬لِلَّهِ‭ ‬مَا‭ ‬اسْتَحْفَظَكَ‭ ‬مِنْ‭ ‬حَقِّهِ‭ ‬فِيهِمْ”‭. ‬“واجْعَلْ‭ ‬لِذَوِي‭ ‬الْحَاجَاتِ‭ ‬مِنْكَ‭ ‬قِسْمًا‭ ‬تُفَرِّغُ‭ ‬لَهُمْ‭ ‬فِيهِ‭ ‬شَخْصَكَ،‭ ‬وتَجْلِسُ‭ ‬لَهُمْ‭ ‬مَجْلِسًا‭ ‬عَامًّا‭ ‬فَتَتَوَاضَعُ‭ ‬فِيهِ‭ ‬لِلَّهِ‭ ‬الَّذِي‭ ‬خَلَقَكَ”‭. ‬وهنا‭ ‬دعوة‭ ‬واضحة‭ ‬لأي‭ ‬وزير‭ ‬من‭ ‬النزول‭ ‬من‭ ‬عاجية‭ ‬النرجسية‭ ‬أو‭ ‬الحديث‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬“البلكونة”‭ ‬إلى‭ ‬الجلوس‭ ‬معهم،‭ ‬ونزع‭ ‬فتائل‭ ‬قنابل‭ ‬الحزن‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬قلوبهم‭ ‬بإجراءات‭ ‬ترفع‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬معيشتهم‭ ‬كالتوظيف‭ ‬والإسكان‭ ‬والمزايا‭ ‬التقاعدية‭ ‬وهموم‭ ‬الصيادين‭ ‬وتأمين‭ ‬سواق‭ ‬الأجرة‭ ‬واستبدال‭ ‬سوط‭ ‬الضرائب‭ ‬إلى‭ ‬معاملة‭ ‬عادلة‭.‬

إن‭ ‬دورنا‭ ‬كمثقفين‭ ‬وصحافيين‭ ‬ونواب‭ ‬الاصطفاف‭ ‬مع‭ ‬قروح‭ ‬عاطلين‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬جبال،‭ ‬ولعل‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬رواية‭ ‬فيكتور‭ ‬هيجو‭ ‬البؤساء‭ ‬تصبح‭ ‬إنجيل‭ ‬فقراء‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬هو‭ ‬نقده‭ ‬لنوم‭ ‬الفقراء‭ ‬بين‭ ‬أسنان‭ ‬أسماك‭ ‬قرش‭ ‬المنتفعين‭. ‬هذا‭ ‬يقودنا‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الشركات‭ ‬البحرينية‭ ‬التي‭ ‬تقرض‭ ‬المواطنين‭ ‬بمصيدة‭ ‬تسهيلات‭ ‬الإغراء‭ ‬بفوائد‭ ‬تجرد‭ ‬البحريني‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬لباسه‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬مراقبة‭ ‬مصرف‭ ‬البحرين‭ ‬المركزي،‭ ‬وهذا‭ ‬يقودني‭ ‬لرواية‭ ‬لوليام‭ ‬شكسبير‭ (‬تاجر‭ ‬البندقية‭) ‬في‭ ‬فينس‭ ‬وهو‭ ‬يصوّر‭ ‬التاجر‭ ‬الطيب‭ ‬والتاجر‭ ‬الجشع،‭ ‬فهل‭ ‬تتحوّل‭ ‬البنوك‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬فوائدها‭ ‬إلى‭ ‬طيبة‭ ‬“انطونيو”‭ ‬التاجر‭ ‬في‭ ‬البندقية‭ ‬ذي‭ ‬القلب‭ ‬الطيب‭ ‬الكريم‭.. ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يبخل‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يلجأ‭ ‬إليه‭ ‬للاقتراض‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬من‭ ‬المقترض‭ ‬على‭ ‬ربا‭ ‬أو‭ ‬فائدة‭ ‬بخلاف‭ ‬التاجر‭ ‬اليهودي‭ ‬“شيلوك”‭ ‬الذي‭ ‬يستغل‭ ‬حاجات‭ ‬الناس‭.‬

خذوا‭ ‬فوائد‭ ‬لكن‭ ‬بطريقة‭ ‬منطقية‭. ‬إن‭ ‬ترك‭ ‬شهادات‭ ‬الصين‭ ‬تتعفن‭ ‬في‭ ‬أدراج‭ ‬المكتئبين‭ ‬من‭ ‬أبنائنا‭ ‬يعكس‭ ‬صورة‭ ‬غير‭ ‬حضارية،‭ ‬فالحياة‭ ‬مليئة‭ ‬بالسخرية،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬برنادشو،‭ ‬مسؤولون‭ ‬بشهادات‭ ‬وهمية،‭ ‬وأطباء‭ ‬يتوسدون‭ ‬تكايا‭ ‬من‭ ‬زجاج‭ ‬مدبب‭.‬

كم‭ ‬طبيب‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬عينه‭ ‬تسفح‭ ‬دموعًا‭ ‬حزنًا‭ ‬على‭ ‬جدوب‭ ‬أمله؟‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتغيّر‭. ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬يتهمونني‭ ‬أني‭ ‬أنثر‭ ‬الملح‭ ‬على‭ ‬الجروح‭ ‬النائمة‭. ‬إن‭ ‬دور‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬سماعة‭ ‬الطبيب‭ ‬على‭ ‬جسد‭ ‬الوطن‭ ‬ليقيس‭ ‬مستوى‭ ‬النبض‭ ‬ليضع‭ ‬العلاج‭ ‬لا‭ ‬التزوير‭ ‬في‭ ‬“رشتة”‭ ‬الدواء‭.‬

هنا‭ ‬نقدّم‭ ‬الشكر‭ ‬لسمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ (‬حفظه‭ ‬الله‭) ‬على‭ ‬البرنامج‭ ‬الوطني‭ ‬للتوظيف‭ ‬على‭ ‬توصيات‭ ‬اللجنة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬هذه‭ ‬القامة‭ ‬الوطنية،‭ ‬صانع‭ ‬الجمال‭ ‬ما‭ ‬فتئ‭ ‬منحازًا‭ ‬لهموم‭ ‬الناس،‭ ‬لهذا‭ ‬يمتلك‭ ‬مجد‭ ‬أرصدة‭ ‬دعاء‭ ‬المحتاجين،‭ ‬ولمعان‭ ‬منجم‭ ‬حب،‭ ‬ونقدّم‭ ‬الشكر‭ ‬لسمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬يتسلق‭ ‬الأمل‭ ‬على‭ ‬سواعده‭ ‬كتسلق‭ ‬السحاب‭ ‬والمُزن‭ ‬على‭ ‬ساعد‭ ‬السماء‭ ‬فرصًا‭ ‬ذهبية‭ ‬لأعين‭ ‬عاطلين‭ ‬مازالت‭ ‬ترمق‭ ‬القمر‭. ‬مبادرتكم‭ ‬أنعشت‭ ‬قلوب‭ ‬الناس‭ ‬وتلقوها‭ ‬أدعية‭ ‬قداس،‭ ‬وتراتيل‭ ‬صلاة،‭ ‬فدمتم‭ ‬خير‭ ‬قيادة‭ ‬لخير‭ ‬شعب‭.‬