وَخْـزَةُ حُب

لو لم نكن نموت...!

| د. زهرة حرم

هل‭ ‬طرأ‭ ‬على‭ ‬بالكم‭ ‬هذا‭ ‬السؤال؟‭ ‬هل‭ ‬تخيلتم‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نموت،‭ ‬وأننا‭ ‬أحياءٌ‭ ‬أبديون‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية؟‭! ‬والولادات‭ ‬مستمرة‭ ‬لا‭ ‬تتوقف،‭ ‬والأعداد‭ ‬البشرية‭ ‬تفيض‭ ‬يوميًا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭! ‬هل‭ ‬بدأتم‭ ‬تتصورون‭ ‬الحالة؟‭ ‬ونظرتم‭ ‬إلى‭ ‬أماكن‭ ‬سكنكم،‭ ‬وغرفكم‭! ‬قد‭ ‬ينتابكم‭ ‬القلق‭ ‬للحظة‭! ‬ما‭ ‬هذا؟‭ ‬فوضى‭! ‬أين‭ ‬سنسكن‭ ‬جميعًا؟‭ ‬أين‭ ‬سنهرب‭ ‬من‭ ‬كميات‭ ‬الإزعاج‭ ‬والتلوث‭ ‬الضوضائي؟‭ ‬وكل‭ ‬بقاع‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬زحمة‭!‬

دعونا‭ ‬نعيش‭ ‬الحالة؛‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬سنفكر‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬العصور‭ ‬الزمنية‭ ‬أو‭ ‬التاريخية‭ ‬ستصبح‭ ‬مفتوحة‭ ‬ومتداخلة،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬سنعيش‭ ‬مع‭ ‬أجدادنا‭ ‬من‭ ‬حُقب‭ ‬وفترات‭ ‬سحيقة؛‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬ماضٍ‭ ‬بعيد‭ ‬جدا،‭ ‬وقد‭ ‬يتحكم‭ ‬بنا‭ ‬أحدهم،‭ ‬لا‭ ‬بوصفه‭ ‬أكبر‭ ‬الأجداد‭ ‬سنا،‭ ‬بل‭ ‬لأنه‭ ‬الأقدم‭ ‬المنتمي‭ ‬إلى‭ ‬الفترة‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض،‭ ‬وقد‭ ‬نجهل‭ ‬كيفية‭ ‬التخاطب‭ ‬معه؛‭ ‬بسبب‭ ‬لغته‭ ‬أو‭ ‬لهجته‭ ‬المختلفة‭ ‬عنا،‭ ‬وعقليته‭ ‬الجامدة‭ ‬التي‭ ‬ترفض‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي‭!‬

هل‭ ‬بدأ‭ ‬شعور‭ ‬التشويش‭ ‬يصل‭ ‬إليكم؟‭ ‬ممتاز‭... ‬لنستكمل‭ ‬إذا؛‭ ‬أنتم‭ ‬تسكنون‭ ‬مع‭ ‬جماعات‭ ‬كبيرة‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬واحد،‭ ‬وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬خصوصية،‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬النوم،‭ ‬ولا‭ ‬الأكل،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬الخلاء‭ ‬إلا‭ ‬بصعوبة‭ ‬نادرة‭ ‬جدًا،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬البناء‭ ‬المتواصلة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬تبيت‭ ‬أو‭ ‬تنام‭ ‬في‭ ‬العراء؛‭ ‬أي‭ ‬خارج‭ ‬البيوت‭ ‬المسقوفة،‭ ‬بسبب‭ ‬ضيق‭ ‬المساحة‭!‬

لا‭ ‬وظائف‭ ‬تستوعب‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬والبطالة‭ ‬متفشية‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬أدناها‭ ‬إلى‭ ‬أقصاها،‭ ‬وسننتظر‭ ‬أدوارنا‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬مئات‭ ‬السنين‭ ‬الضوئية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬الموظفين‭ ‬سيتشبثون‭ ‬بوظائفهم،‭ ‬ولا‭ ‬مجال‭ ‬لزحزحتهم‭ ‬منها؛‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬قوانين‭ ‬عمل‭ ‬تحدّ‭ ‬سن‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬بـ‭ ‬500‭ ‬سنة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يُحال‭ ‬هؤلاء‭ ‬على‭ ‬التقاعد‭ ‬الإجباري‭!‬

هل‭ ‬سيكون‭ ‬الطعام‭ ‬كافيا‭ ‬لنا‭ ‬جميعًا؟‭ ‬هل‭ ‬بدأتم‭ ‬تتخيلون‭ ‬أزمة‭ ‬غذائية‭ ‬تعم‭ ‬العالم؟‭ ‬هل‭ ‬استحضرتم‭ ‬صورا‭ ‬للمجاعات‭ ‬التي‭ ‬نشاهدها‭ ‬على‭ ‬التلفاز‭ ‬من‭ ‬أفريقيا‭!‬؟‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أننا‭ ‬قد‭ ‬نسخر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬أننا‭ ‬سنشبههم‭! ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الحقيقة‭ ‬المرّة‭ ‬أننا‭ ‬سنعيش‭ ‬أزمة‭ ‬اقتصادية‭ ‬مفتوحة‭ ‬ومستمرة‭ ‬ودائمة‭! ‬تستتبعها‭ ‬بالضرورة‭ ‬أزمة‭ ‬سياسية‭ ‬فالحكام‭ ‬لا‭ ‬يتغيرون‭ ‬إلا‭ ‬بالتنازل‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬معارك‭ ‬ضارية،‭ ‬والمعارضات‭ ‬تُفرّخ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭!‬

هذا‭ ‬بعض‭ ‬الخيال،‭ ‬وليس‭ ‬كل‭ ‬الصورة،‭ ‬فاستكمالها‭ ‬يحتاج‭ ‬لمساحات‭ ‬واسعة،‭ ‬لا‭ ‬تستوفيها‭ ‬مجلدات‭ ‬وكتب،‭ ‬تخيلوا‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الموت‭ ‬موجودا؟‭ ‬لحلّت‭ ‬الفوضى،‭ ‬واختلط‭ ‬الحابل‭ ‬بالنابل،‭ ‬وضاعت‭ ‬الفرص،‭ ‬وتحولت‭ ‬الدنيا‭ ‬إلى‭ ‬مقبرة‭ ‬أحياء‭ ‬يعيشون‭ ‬الجوع‭ ‬والفقر‭ ‬والعوز‭! ‬فسبحان‭ ‬من‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬قسوته‭ ‬على‭ ‬قلوبنا‭ - ‬حياة‭ ‬لآخرين‭!.‬