قهوة الصباح

الكلمات‭ ‬مسدسات‭ ‬محشوة

| سيد ضياء الموسوي

لا‭ ‬ينتظر‭ ‬المواطن‭ ‬المزدحم‭ ‬حزنا‭ ‬على‭ ‬بابه‭ ‬وهو‭ ‬يتلقى‭ ‬طعنة‭ ‬إخطار‭ ‬إنذار‭ ‬بانقطاع‭ ‬التيار‭ ‬الكهربائي‭ ‬الذي‭ ‬أصبحت‭ ‬إحدى‭ ‬مواهب‭ ‬معلقات‭ ‬“امرئ‭ ‬قيس”‭ ‬هيئة‭ ‬الكهرباء‭ ‬والماء،‭ ‬وهي‭ ‬تعلقها‭ ‬كمعلقات‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬المواطنين،‭ ‬أن‭ ‬ينتظر‭ ‬هذا‭ ‬المواطن‭ ‬استعراض‭ ‬عضلات‭ ‬“الشو”‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬بخصام‭ ‬مفتعل‭ ‬يعكس‭ ‬نرجسية‭ ‬متفجرة‭ ‬من‭ ‬صدمة‭ ‬نائب‭ ‬للمعان‭ ‬مقعد‭ ‬نيابي‭ ‬مغرٍ‭ ‬كواجهة‭ ‬إعلامية‭! ‬

لا‭ ‬تنتظر‭ ‬عاطلة‭ ‬تآكل‭ ‬أملها‭ ‬في‭ ‬التوظيف‭ ‬كتآكل‭ ‬قلب‭ ‬أم‭ ‬على‭ ‬وحيدها‭ ‬الذي‭ ‬يفتك‭ ‬به‭ ‬المرض،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬النائب‭ ‬المترافع‭ ‬عنها‭ ‬يخرج‭ ‬طاووسيته‭ ‬بالتقاط‭ ‬صورة‭ ‬فوتغرافية‭ ‬في‭ ‬سفارة،‭ ‬وكأنما‭ ‬انتهت‭ ‬قضايانا،‭ ‬فلم‭ ‬يبق‭ ‬إلا‭ ‬صناعة‭ ‬صور‭ ‬الابتسامات‭ ‬الممسرحة‭ ‬سعالا‭ ‬في‭ ‬رئة‭ ‬واقع‭ ‬مثقوب‭ ‬بالهموم‭.‬

إن‭ ‬النوم‭ ‬على‭ ‬مخدة‭ ‬السفارات‭ ‬لا‭ ‬تقود‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬أحلام‭ ‬رعب‭ ‬للوطن،‭ ‬وإنها‭ ‬أسوأ‭ ‬موقع‭ ‬لإرسال‭ ‬الرسائل‭ ‬المبطنة‭ ‬لعاقل‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬سياسة‭ ‬معقمة‭ ‬من‭ ‬جراثيم‭ ‬البرغماتية‭ ‬الضيقة،‭ ‬وهي‭ ‬أشبه‭ ‬بالنوم‭ ‬مع‭ ‬ذئب‭ ‬يضع‭ ‬شفاه‭ ‬حمامة‭ ‬عذراء‭. ‬من‭ ‬كان‭ ‬قبلكم‭ ‬أشطر،‭ ‬فلا‭ ‬تعاودوا‭ ‬الرقص‭ ‬في‭ ‬المصيدة،‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬خيط‭ ‬حريري‭ ‬مشدود‭.‬

لا‭ ‬نريد‭ ‬نوابا‭ ‬خارقين،‭ ‬بل‭ ‬نواب‭ ‬يمتلكون‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬الأدوات‭ ‬الدستورية‭ ‬لتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬أرغفة‭ ‬حرية‭ ‬تباع‭ ‬في‭ ‬عربات‭ ‬متجولة‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬لا‭ ‬منصات‭ ‬إعدام‭ ‬للثقة‭. ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬انتفاخ‭ ‬أحلام‭ ‬عسلية‭ ‬تباع‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬كما‭ ‬تباع‭ ‬هدايا‭ ‬بابا‭ ‬نويل‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭. ‬نريد‭ ‬واقعية‭ ‬مقاتلة‭ ‬تفتح‭ ‬عشا‭ ‬لمواطن‭ ‬انحشرت‭ ‬فلذات‭ ‬كبده‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬ضيقة‭ ‬لغرفة‭ ‬توارثها‭ ‬الأحفاد‭ ‬عن‭ ‬الأجداد‭.‬

نريد‭ ‬نوابا‭ ‬يحلون‭ ‬أرقام‭ ‬البطالة‭ ‬الملغزة،‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬غموضا‭ ‬من‭ ‬“شفرة‭ ‬دافينشي”‭! ‬فالوزارة‭ ‬تستحق‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬نجمة‭ ‬ميشلان‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬طبخ‭ ‬الأرقام‭! ‬كم‭ ‬هو‭ ‬كبير‭ ‬ذاك‭ ‬النائب‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬صفات‭ ‬القديسين،‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬إنجاح‭ ‬ملف‭ ‬معيشي‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬وظيفي‭ ‬هناك‭ ‬دون‭ ‬تحويل‭ ‬المجلس‭ ‬إلى‭ ‬حلبة‭ ‬مصارعة‭ ‬تكون‭ ‬فيه‭ ‬أحلام‭ ‬الناس‭ ‬كيس‭ ‬الملاكمة‭ ‬الذي‭ ‬تتكسر‭ ‬عليه‭ ‬أحلام‭ ‬المعدمين،‭ ‬والنائمين‭ ‬على‭ ‬أرصفة‭ ‬القروض‭ ‬التي‭ ‬تبيعها‭ ‬أسماك‭ ‬قرش‭ ‬البنوك‭ ‬على‭ ‬الفقراء،‭ ‬وهي‭ ‬تصطادهم‭ ‬في‭ ‬شباك‭ ‬مصائدها‭ ‬البائسة‭ ‬والمعدمة‭ ‬من‭ ‬الإنسانية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تعملق‭ ‬صنم‭ ‬الرأسمالية‭ ‬المتوحشة‭.‬

الناس‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬نائبا‭ ‬يمتلك‭ ‬غريزة‭ ‬الصراخ‭ ‬ككتكوت‭ ‬للتو‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬البيضة‭ ‬السياسية‭ ‬لبرلمان‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬إلا‭ ‬لتاريخ‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬والوجع‭. ‬فبعض‭ ‬نوابنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مكبرات‭ ‬للصمت،‭ ‬فالصراخ‭ ‬سيكولوجيا،‭ ‬يمثل‭ ‬تحايلا‭ ‬نفسيا،‭ ‬ووسيلة‭ ‬دفاعية‭ ‬تدعو‭ ‬للشفقة،‭ ‬الصراخ‭ ‬يعكس‭ ‬نقص‭ ‬الحجة‭ ‬لا‭ ‬قوتها،‭ ‬فصاحب‭ ‬البرهان‭ ‬يتبرأ‭ ‬من‭ ‬سلاح‭ ‬الهوشات‭.‬

يبحث‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭ ‬عن‭ ‬عضلات‭ ‬اقتصادية،‭ ‬وعنتريات‭ ‬الوثائق‭ ‬و”سكس‭ ‬باك”‭ ‬لبطن‭ ‬الحقيقة‭ ‬لا‭ ‬شحوم‭ ‬مترهلة،‭ ‬وبطن‭ ‬متدلٍ‭ ‬للوهم،‭ ‬فذلك‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬الواقع‭ ‬إلا‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬كوليسترول‭ ‬الألم،‭ ‬وانتفاخ‭ ‬حاد‭ ‬لحزن‭ ‬من‭ ‬الأطنان،‭ ‬وكي‭ ‬لا‭ ‬يتحول‭ ‬الواقع‭ ‬إلى‭ ‬جحيم‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬رواية‭ ‬دان‭ ‬براون‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬الجحيم‭.‬

نريد‭ ‬نائبا‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬إنقاذ‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬كما‭ ‬يسعى‭ ‬لإنقاذ‭ ‬طفل‭ ‬غريق‭ ‬في‭ ‬محيط،‭ ‬نائبا‭ ‬يكسب‭ ‬ثقة‭ ‬القيادة‭ ‬بترميم‭ ‬الذاكرة،‭ ‬وثقة‭ ‬الجمهور‭ ‬بجلد‭ ‬الفقر،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قلبه‭ ‬على‭ ‬الوطن‭ ‬لا‭ ‬قلبه‭ ‬مرتهنا‭ ‬لحزب‭ ‬أو‭ ‬سوسة‭ ‬سفارات‭ ‬نخرت‭ ‬بشجرة‭ ‬الوطن،‭ ‬أو‭ ‬ثقافة‭ ‬“أنا”‭ ‬و”أنتم”‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬سيكولوجي‭ ‬مختلط‭ ‬بين‭ ‬النرجسية‭ ‬المتوحشة،‭ ‬والسادية‭ ‬المتوحمة،‭ ‬أو‭ ‬الشوزفرينيا‭ ‬المتلونة‭ ‬أو‭ ‬الاضطراب‭ ‬الوجداني‭ ‬السلوكي‭ ‬في‭ ‬ثنائية‭ ‬قطبية‭ ‬متأرجحة‭ ‬بين‭ ‬مع‭ ‬أو‭ ‬ضد‭ ‬فرحا‭ ‬وحزنا‭. ‬فهل‭ ‬يحتاج‭ ‬المواطن‭ ‬المكوث‭ ‬يومين‭ ‬في‭ ‬الجحيم‭ ‬وأربعة‭ ‬أيام‭ ‬في‭ ‬المطهر‭ ‬ويوم‭ ‬في‭ ‬الجنة‭ ‬في‭ ‬مولينكس‭ ‬الغربلة؛‭ ‬كي‭ ‬تفهموا‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬ملحمة‭ ‬دانتين‭ ‬الإيطالية‭ ‬في‭ ‬الكوميديا‭ ‬الإلهية؟‭ ‬هل‭ ‬نحتاج‭ ‬حاسة‭ ‬دوستويفسكي‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬نفسية‭ ‬المواطن‭ ‬مع‭ ‬الألم‭ ‬لنعرف‭ ‬ما‭ ‬يريد؟‭ ‬ارحمونا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الصراخ‭ ‬الممجوج‭ ‬والألفاظ‭ ‬النابية،‭ ‬فالكلمات‭ ‬مسدسات‭ ‬محشوة‭.‬