قهوة الصباح

البرلمان بر وأمان وليس سوبرمان يا سادة!

| سيد ضياء الموسوي

هناك‭ ‬نار‭ ‬مزايدات‭ ‬تشتعل‭ ‬تحت‭ ‬حطب‭ ‬البرلمان‭ ‬البحريني‭ ‬لا‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬طموح‭ ‬الشارع‭. ‬لعلّ‭ ‬الذي‭ ‬أضعف‭ ‬مجلس‭ ‬الأمة‭ ‬الكويتي‭ ‬قبل‭ ‬سنين‭ ‬هو‭ ‬توزيع‭ ‬صناديق‭ ‬الاستعراض‭ ‬المليء‭ ‬بالعضلات‭ ‬المتخمة‭ ‬بثياب‭ ‬عنترة‭ ‬بن‭ ‬شداد‭.‬منصة‭ ‬البرلمان‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬لا‭ ‬إلى‭ ‬رقصات‭ ‬باليه‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬الأصابع،‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬القفز‭ ‬الطرزاني‭ ‬على‭ ‬أغصان‭ ‬أو‭ ‬أضلاع‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني؛‭ ‬لأن‭ ‬العبرة‭ ‬بمدى‭ ‬تضخم‭ ‬أرقام‭ ‬إنجازات‭ ‬كل‭ ‬نائب‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬كل‭ ‬موسم‭ ‬نيابي‭ ‬لا‭ ‬بحجم‭ ‬أكياس‭ ‬الصراخ‭ ‬المثقوبة‭ ‬التي‭ ‬تتسرّب‭ ‬منها‭ ‬الأصوات‭ ‬المبحوحة‭.‬

هَمُّ‭ ‬النائب‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬متوحّمًا‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬إنجاح‭ ‬الملفات‭ ‬الوطنية،‭ ‬وإيصالها‭ ‬إلى‭ ‬موانئ‭ ‬وشواطئ‭ ‬النجاح‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬حناجر‭ ‬مبحوحة‭. ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬أولية‭ ‬لأداء‭ ‬المجلس‭ ‬تختلط‭ ‬فيه‭ ‬المسافات،‭ ‬ومدى‭ ‬حجم‭ ‬الخبرة‭ ‬والنضج‭ ‬البرلماني‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬منصة‭ ‬“فاشنيستا”‭ ‬ثياب‭ ‬الريش‭ ‬“والدانتيل”‭ ‬الاستعراضي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يجمل‭ ‬بها‭ ‬المصمم‭ ‬العالمي‭ ‬الألماني‭ ‬كارل‭ ‬لاغرفيلد‭ ‬أزياءه‭. ‬لسنا‭ ‬مسؤولين‭ ‬عن‭ ‬جر‭ ‬الانتصار‭ ‬لأحد‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬بثقافة‭ ‬قبلات‭ ‬السفارات،‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬البرلمان‭ ‬إلى‭ ‬خلاف‭ ‬شخصي‭ ‬لمن‭ ‬فاز‭ ‬بالرئاسة‭ ‬أو‭ ‬خسر،‭ ‬أو‭ ‬اصطناع‭ ‬أزمة‭ ‬مع‭ ‬وضد‭ ‬هيئة‭ ‬المكتب‭. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬بالونات‭ ‬سوداء،‭ ‬وصابون‭ ‬فقاعي‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬غسل‭ ‬أي‭ ‬ملف‭ ‬فساد‭ ‬متراكم‭ ‬تحت‭ ‬سجادة‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬كشفت‭ ‬عنه‭ ‬تقارير‭ ‬ديوان‭ ‬الرقابة‭ ‬المالية‭. ‬فوعي‭ ‬الناس‭ ‬مهم‭ ‬لوقف‭ ‬التصفيق‭ ‬لظاهرة‭ ‬الصراخ‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬جان‭ ‬جاك‭ ‬روسو‭ ‬“رصيد‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الحقيقي‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬صناديق‭ ‬الانتخابات‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬الناس”‭.‬

السؤال‭ ‬المهم‭ ‬بعيدًا‭ ‬عما‭ ‬سمي‭ ‬في‭ ‬“السوشل‭ ‬ميديا”‭ ‬ظاهرة‭ ‬صراخ‭ ‬الديكة‭: ‬ماذا‭ ‬سيقدم‭ ‬المجلس‭ ‬لملف‭ ‬التقاعد‭ ‬والمزايا‭ ‬التقاعدية،‭ ‬أو‭ ‬أجنبة‭ ‬الوظائف،‭ ‬وعن‭ ‬ملف‭ ‬العاطلين‭ ‬الملتحفين‭ ‬بشهادات‭ ‬أكاديمية‭ ‬ينتظرون‭ ‬الفرج،‭ ‬وعن‭ ‬طاعون‭ ‬الضرائب‭ ‬الذي‭ ‬انتشر‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬المحفظة‭ ‬البحرينية،‭ ‬وأصاب‭ ‬جيوب‭ ‬المواطنين‭ ‬بالهزال‭ ‬أو‭ ‬كأنها‭ ‬الإنفلونزا‭ ‬الإسبانية‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬بأوروبا‭ ‬العام‭ ‬1918،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬وزارة‭ ‬التجارة‭ ‬والسياحة،‭ ‬وهيئة‭ ‬الكهرباء‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬تجيد‭ ‬توزيع‭ ‬إخطارات‭ ‬الإنذار‭ ‬بقطع‭ ‬التيار‭ ‬الكهربي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬حتى‭ ‬أصاب‭ ‬المواطن‭ ‬بما‭ ‬يصطلح‭ ‬عليه‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬بأخطر‭ ‬أنواع‭ ‬الفوبيا‭ ‬“كاونترفوبيا”،‭ ‬ونحن‭ ‬البحرينيين،‭ ‬أصبحنا‭ ‬مصابين‭ ‬بما‭ ‬سميته‭ ‬“بكهربا‭ ‬فوبيا”،‭ ‬وكأننا‭ ‬نشاهد‭ ‬فيلم‭ ‬البجعة‭ ‬السوداء‭ ‬المخيف‭ ‬للمخرج‭ ‬دارين‭ ‬أرنوفسكي،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬فلسف‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬ظاهرة‭ ‬الجوع‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬الرائعة،‭ ‬ملحمة‭ ‬الحرافيش،‭ ‬أو‭ ‬نسجته‭ ‬أصابع‭ ‬الكاتب‭ ‬الروسي‭ ‬ديستيوفيسكي،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬فيكتور‭ ‬هيجو‭ ‬في‭ ‬البؤساء‭ ‬عن‭ ‬البطل‭ ‬“جان‭ ‬فالجان”‭ ‬الذي‭ ‬قضى‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬عامًا‭ ‬بسبب‭ ‬سرقته‭ ‬رغيف‭ ‬خبز،‭ ‬وظل‭ ‬مطاردًا‭ ‬على‭ ‬كسرة‭ ‬خبز،‭ ‬أو‭ ‬“الخبز‭ ‬الحافي”‭ ‬لمحمد‭ ‬شكري‭ ‬الذي‭ ‬يحكي‭ ‬عن‭ ‬سيرة‭ ‬الجوع‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬في‭ ‬طنجة‭ ‬فقيرًا‭ ‬مُعدمًا،‭ ‬وظهر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬وصفه‭ ‬للحالة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المعدمة‭ ‬للمدينة،‭ ‬روايات‭ ‬الجوع‭ ‬تعكس‭ ‬ملف‭ ‬الصيادين‭ ‬البحرينيين‭ ‬الهائمين‭ ‬على‭ ‬وجوههم‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬رزق‭ ‬يغطي‭ ‬ولو‭ ‬فواتير‭ ‬الكهرباء،‭ ‬أو‭ ‬ملف‭ ‬شهادات‭ ‬الصين‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬أحزانهم‭ ‬متشابهة‭ ‬كعيون‭ ‬الصينيين‭.‬

فالديمقراطية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنتصر‭ ‬للفقير‭ ‬بالإنجازات‭ ‬لا‭ ‬بالصراخ‭ ‬كما‭ ‬يصفها‭ ‬أرسطو‭ ‬قائلًا‭ ‬“تتجسّد‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬الانتصار‭ ‬للفقير،‭ ‬وليس‭ ‬أصحاب‭ ‬المال”،‭ ‬علمًا‭ ‬أن‭ ‬حتى‭ ‬أصحاب‭ ‬المال،‭ ‬خصوصًا‭ ‬البحرينيين،‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬التضييق‭ ‬الزمني‭ ‬لتقسيط‭ ‬مستحقات‭ ‬الفواتير‭ ‬الكهربائية‭ ‬في‭ ‬حشر‭ ‬مرعب‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬ضيقة‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬مشاريعهم‭ ‬الاستثمارية‭.‬

لله‭ ‬درك‭ ‬يا‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬ملحمة‭ ‬الحرافيش‭ ‬عندما‭ ‬تساءل‭ ‬ضمير‭ ‬بطل‭ ‬الرواية‭ ‬قائلًا‭ ‬“ترى‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬التي‭ ‬يشقى‭ ‬بها‭ ‬أمثال‭ ‬إبراهيم‭ ‬حنفي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسعدها‭ ‬النقود‭ ‬التي‭ ‬أخسرها‭ ‬كل‭ ‬ليلة‭ ‬في‭ ‬النادي؟”‭ ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬مقامرة‭ ‬عواطف‭ ‬في‭ ‬نادي‭ ‬الأحزان‭.‬

يقول‭ ‬جورج‭ ‬برنادشو‭ ‬“أسوأ‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الديمقراطية‭ ‬أنها‭ ‬تضطرك‭ ‬إلى‭ ‬سماع‭ ‬الأحمق”‭. ‬نوابنا‭ ‬أذكياء،‭ ‬لكنهم‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬جدولة‭ ‬الأهميات،‭ ‬وإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬الأحزان‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬تقاس‭ ‬بالأمتار‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭.‬