اليوم العالمي للغة الأم

| عبدعلي الغسرة

للغة‭ ‬أهمية‭ ‬كبرى‭ ‬للأمم‭ ‬والشعوب،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬المقومات‭ ‬الجوهرية‭ ‬للهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬القومية،‭ ‬ووسيلة‭ ‬للاندماج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والتعليم‭ ‬والتنمية،‭ ‬وركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬للاتصال‭ ‬بين‭ ‬الأمة‭ ‬وشعبها،‭ ‬وبين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع،‭ ‬وباللغة‭ ‬تُحفظ‭ ‬التقاليد‭ ‬والعادات‭ ‬والتراث،‭ ‬وبها‭ ‬يتم‭ ‬التعبير‭ ‬والتفكير،‭ ‬وتعددها‭ ‬الكوني‭ ‬يُضيف‭ ‬ألقا‭ ‬للتنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬العالمي‭ ‬المبني‭ ‬على‭ ‬التفاهم‭ ‬والتسامح‭ ‬والحوار،‭ ‬ولأهمية‭ ‬اللغة‭ ‬ودورها‭ ‬الإنساني‭ ‬والثقافي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬ولتعزيز‭ ‬التعدد‭ ‬اللغوي‭ ‬ارتأت‭ ‬منظمة‭ ‬اليونسكو‭ ‬في‭ ‬17‭ ‬نوفمبر‭ ‬1999م‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬يوم‭ ‬عالمي‭ ‬للغة‭ ‬الأم‭ ‬وأقرته‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬2008م،‭ ‬وتم‭ ‬تحديد‭ ‬يوم‭ ‬21‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬ليكون‭ ‬يومًا‭ ‬عالميًا‭ ‬للغة‭ ‬الأم‭.‬

إن‭ ‬اللغة‭ ‬سلوك‭ ‬إنساني‭ ‬ونبض‭ ‬حي‭ ‬للتفاهم‭ ‬والتخاطب‭ ‬ووسيلة‭ ‬للتواصل‭ ‬بين‭ ‬الجماعات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وتقترن‭ ‬أهمية‭ ‬اللغة‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬التعليم،‭ ‬والتعليم‭ ‬بلغة‭ ‬الأم‭ ‬والأرض‭ ‬يُساعد‭ ‬على‭ ‬الفهم‭ ‬أكثر‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬سِن‭ ‬التعليم‭ ‬المُبكر،‭ ‬فلغة‭ ‬الأم‭ ‬تغرس‭ ‬المعارف‭ ‬والثقافات‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬أبنائها‭ ‬بطريقة‭ ‬مُستدامة،‭ ‬وبحروفها‭ ‬ترسم‭ ‬المجتمعات‭ ‬آمالها‭ ‬وأمانيها،‭ ‬وتكتب‭ ‬تاريخها‭ ‬وتُدوّن‭ ‬ثمرات‭ ‬نتاجها‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب‭ ‬والاقتصاد‭ ‬وفي‭ ‬مختلف‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة،‭ ‬لذا،‭ ‬فإن‭ ‬اللغة‭ ‬الأم‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الألفاظ‭ ‬والحروف‭ ‬الجامدة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أحاسيس‭ ‬ومشاعر‭ ‬ونوازع‭ ‬كامنة،‭ ‬وأفكار‭ ‬وميول‭ ‬حية‭ ‬تؤلف‭ ‬أسرة‭ ‬واحدة‭ ‬بين‭ ‬أهلها‭.‬

إن‭ ‬في‭ ‬تنوع‭ ‬اللغات‭ ‬وتعددها‭ - ‬ليس‭ ‬اختلافًا‭ - ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬اتحاد‭ ‬يؤكد‭ ‬قدرة‭ ‬البشر‭ ‬على‭ ‬التآلف‭ ‬والتعاون‭ ‬والحياة‭ ‬معًا‭ ‬بنبض‭ ‬واحد‭.‬

لقد‭ ‬تعرضت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬البشرية‭ ‬للضياع‭ ‬والاندثار‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬إهمال‭ ‬وعدم‭ ‬اهتمام،‭ ‬وضياع‭ ‬أية‭ ‬لغة‭ ‬يعني‭ ‬ضياع‭ ‬تراث‭ ‬ثقافي‭ ‬وآثار‭ ‬فكرية‭ ‬وعلوم‭ ‬معرفية‭ ‬تنتسب‭ ‬لتلك‭ ‬اللغة‭ ‬المُندثرة،‭ ‬لذا،‭ ‬فعلى‭ ‬كل‭ ‬أمة‭ ‬أن‭ ‬تهتم‭ ‬بلغتها،‭ ‬ليس‭ ‬لكونها‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬الآخرين‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬لغتها‭ ‬تُمثل‭ ‬هويتها‭ ‬وعنوان‭ ‬وجودها،‭ ‬وعلى‭ ‬الأمة‭ ‬أن‭ ‬تحسن‭ ‬من‭ ‬تَعَلُم‭ ‬لغتها‭ ‬كتابةً‭ ‬وقراءةً‭ ‬بجانب‭ ‬تعلم‭ ‬جمع‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬ودعم‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المُستدامة‭.‬

وترتبط‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بالأمة‭ ‬العربية‭ ‬وشعبها‭ ‬ارتباطًا‭ ‬وثيقًا،‭ ‬فهي‭ ‬أساس‭ ‬وجودهم‭ ‬ولسان‭ ‬تاريخهم‭ ‬وموروث‭ ‬أمتهم‭ ‬الثقافي،‭ ‬فعلى‭ ‬أبناء‭ ‬العروبة‭ ‬تعلم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬ونطقها‭ ‬على‭ ‬وجهها‭ ‬الصحيح‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬قواعدها‭ ‬ليتمكن‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬التحدث‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬أحسن‭ ‬وجه،‭ ‬فلغتنا‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬اللغات‭ ‬وأفضلها،‭ ‬وبها‭ ‬تفهم‭ ‬تعاليم‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬ومعاني‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭.‬