وزارة العمل... والتحدي الصعب

| علوي الموسوي

ملف‭ ‬العاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬يمثل‭ ‬أسوأ‭ ‬تراجيديا‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬لدينا‭. ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬منذور‭ ‬دومًا‭ ‬للمعاناة‭ ‬والسبب‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬إشعال‭ ‬الحرائق‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتهديد‭ ‬استقرار‭ ‬المجتمعات‭.‬

وعدد‭ ‬العاطلين‭ ‬الذين‭ ‬يتجرعّون‭ ‬الألم‭ ‬والمعاناة،‭ ‬يتزايد‭ ‬كل‭ ‬سنة،‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬يقدم‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬ملف‭ ‬العاطلين‭ ‬الحلول‭ ‬الناجعة‭ ‬لحد‭ ‬الآن‭. ‬ملف‭ ‬العاطلين‭ ‬هو‭ ‬المرآة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لوزارة‭ ‬العمل،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬يمكنكم‭ ‬مشاهدة‭ ‬صورة‭ ‬هذه‭ ‬الوزارة‭.‬

طالعتنا‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬بجملة‭ ‬من‭ ‬الأرقام‭ ‬أعلنها‭ ‬الوزير‭ ‬جميل‭ ‬حميدان‭ ‬في‭ ‬مقالة‭ ‬له‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬حساب‭ ‬نسبة‭ ‬التعطل،‭ ‬إذ‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إجمالي‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭ ‬الوطنية‭ ‬يبلغ‭ ‬197123،‭ ‬ويشمل‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬وفقًا‭ ‬لحميدان‭ ‬إجمالي‭ ‬عدد‭ ‬العاملين‭ ‬البحرينيين‭ ‬المؤمن‭ ‬عليهم‭ ‬بحسب‭ ‬بيانات‭ ‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للتأمين‭ ‬الاجتماعية‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬باقي‭ ‬العاملين‭ ‬غير‭ ‬المؤمن‭ ‬عليهم‭ ‬مثل‭ ‬سواق‭ ‬الأجرة،‭ ‬والصيادين‭ ‬والمحامين‭ ‬والعاطلين‭ ‬المسجلين‭ ‬لدى‭ ‬الوزارة‭ (‬8399‭ ‬عاطلا‭).‬

وبقراءة‭ ‬متأنية‭ ‬لأرقام‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬التي‭ ‬فضحتها‭ ‬بقع‭ ‬الصدأ،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أقنعونا‭ ‬أن‭ ‬إحصاءاتهم‭ ‬من‭ ‬ذهب،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬أرقام‭ ‬الوزارة‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬ملتبس،‭ ‬فالوزارة‭ ‬قامت‭ ‬بزيادة‭ ‬الكتلة‭ ‬العاملة‭ ‬لكي‭ ‬تؤكد‭ ‬نسبتها‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬تعلنها‭ ‬وهي‭ ‬نسبة‭ ‬بطالة‭ ‬آمنة‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬4‭ %‬،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬جيّرت‭ ‬أعداد‭ ‬الصيادين‭ ‬ومدربي‭ ‬السياقة‭ ‬والباعة‭ ‬وأصحاب‭ ‬المهن‭ ‬والمحامين‭ ‬وأضافتهم‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬الكتلة‭ ‬الوطنية‭ ‬العاملة،‭ ‬وهذا‭ ‬غير‭ ‬صحيح‭.‬

وتفنيدًا‭ ‬لذلك‭ ‬الرأي،‭ ‬تفيد‭ ‬إحصاءات‭ ‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للتأمينات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تعطينا‭ ‬صورة‭ ‬واضحة‭ ‬غير‭ ‬الصورة‭ ‬المروعة‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬وزارة‭ ‬العمل،‭ ‬إذ‭ ‬تشير‭ ‬أعداد‭ ‬المؤمن‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬البحرينيين‭ ‬في‭ ‬التقرير‭ ‬الإحصائي‭ ‬لهيئة‭ ‬التأمينات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للربع‭ ‬الرابع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المؤمن‭ ‬عليهم‭ ‬بالكتلة‭ ‬الوطنية‭ ‬147485‭ ‬بحرينيا‭ ‬فقط،‭ ‬بينما‭ ‬اعتمد‭ ‬الوزير‭ ‬في‭ ‬مقالته‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الكتلة‭ ‬الوطنية‭ ‬188724‭ ‬مواطنا،‭ ‬ولو‭ ‬أجرينا‭ ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬الصورتين،‭ ‬الصورة‭ ‬المروعة‭ ‬التي‭ ‬ذكرها‭ ‬الوزير‭ ‬في‭ ‬إحصاءاته،‭ ‬وبين‭ ‬إحصاءات‭ ‬التأمينات‭ ‬سنجد‭ ‬أنها‭ ‬تصطدم‭ ‬بالواقع‭ ‬ووقائعه‭. ‬ولا‭ ‬نعلم‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬جاء‭ ‬الوزير‭ ‬في‭ ‬مقالته‭ ‬بالرقم‭ ‬188724‭ ‬مواطنا؟‭!‬

والوزير‭ ‬أيضًا‭ ‬قام‭ ‬بإضافة‭ ‬41266‭ ‬مواطنا‭ ‬على‭ ‬الرقم‭ ‬الحقيقي‭ ‬تحت‭ ‬بند‭ ‬صيادين‭ ‬محامين‭ ‬مدربي‭ ‬سياقة‭ ‬أصحاب‭ ‬مهن‭ ‬ناهيك‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الوزير‭ ‬قام‭ ‬بإضافة‭ ‬أرقام‭ ‬بنسبة‭ ‬33‭ % ‬على‭ ‬الكتلة‭ ‬الإجمالية‭ ‬للمؤمن‭ ‬عليهم،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يتّضح‭ ‬جليًّا‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬تعويم‭ ‬الأرقام‭ ‬تلك‭ ‬كانت‭ ‬لتأكيد‭ ‬الوزارة‭ ‬ما‭ ‬دائمًا‭ ‬تتمسك‭ ‬به،‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬4‭ %.‬

نكشف‭ ‬لكم‭ ‬حقيقة‭ ‬خطيرة‭ ‬لا‭ ‬تتحدث‭ ‬عنها‭ ‬الوزارة‭ ‬بأي‭ ‬أرقام،‭ ‬وهو‭ ‬المتحرك‭ ‬المؤثر‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة،‭ ‬وهم‭ ‬العاطلون‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬ممن‭ ‬تم‭ ‬إغلاق‭ ‬ملفاتهم‭ ‬إداريًّا‭ ‬في‭ ‬الوزارة‭ ‬أي‭ ‬أنهم‭ ‬غير‭ ‬محسوبين‭ ‬في‭ ‬أعداد‭ ‬العاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الكشوفات‭ ‬الرسمية‭ ‬لدى‭ ‬الوزارة‭.‬

وهؤلاء‭ ‬المغلقة‭ ‬ملفاتهم‭ ‬يأتون‭ ‬نتيجة‭ ‬اعتماد‭ ‬التقييم‭ ‬الشخصي‭ ‬لموظف‭ ‬الوزارة،‭ ‬الذي‭ ‬يعرض‭ ‬الوظائف‭ ‬على‭ ‬العاطلين‭ ‬لمعرفة‭ ‬أن‭ ‬الوظيفة‭ ‬المعروضة‭ ‬مناسبة‭ ‬أم‭ ‬لا،‭ ‬وحين‭ ‬يرفض‭ ‬العاطل‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬الوظيفة‭ ‬يتم‭ ‬إدراج‭ ‬اسمه‭ ‬تحت‭ ‬خانة‭ ‬رفض‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬الجدية‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬وبالتالي‭ ‬يتم‭ ‬إغلاق‭ ‬الملف‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬يتبيّن‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬هؤلاء‭ ‬المغلقة‭ ‬ملفاتهم‭ ‬كثيرة،‭ ‬والكل‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬مصيدة‭ ‬لخسارة‭ ‬في‭ ‬أعداد‭ ‬العاطلين‭ ‬بحيث‭ ‬تعرض‭ ‬الوزارة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬وظيفة‭ ‬منظف‭ ‬على‭ ‬متخرج‭ ‬جامعي‭ ‬وحين‭ ‬يرفض‭ ‬يتم‭ ‬إدراج‭ ‬اسمه‭ ‬بأنه‭ ‬رافض‭ ‬العمل،‭ ‬وللعلم‭ ‬العاطلون‭ ‬لا‭ ‬يرفضون‭ ‬ولكن‭ ‬الوزارة‭ ‬تتعمد‭ ‬إدراج‭ ‬أسمائهم‭ ‬برفضهم‭ ‬للعمل‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬ذريعة؛‭ ‬لتسجيل‭ ‬مواقف‭ ‬ضدهم‭.‬

وعلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يتضح‭ ‬بشكل‭ ‬جلي‭ ‬أن‭ ‬الوزارة‭ ‬تحدّد‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬وفقًا‭ ‬لأهوائها،‭ ‬وما‭ ‬يخدم‭ ‬ما‭ ‬تعلنه،‭ ‬ولكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬الموصوفة‭ ‬تقول‭ ‬غير‭ ‬ذلك،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الوزارة‭ ‬لا‭ ‬تفرق‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬ينضح‭ ‬به‭ ‬الواقع‭ ‬وما‭ ‬تعمل‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬تخريجه‭.‬

إن‭ ‬الواقع‭ ‬العمالي‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬الوزارة‭ ‬الإقرار‭ ‬بشجاعة‭ ‬بوجود‭ ‬المشكلة‭ ‬بطولها‭ ‬وعرضها‭ ‬لا‭ ‬بتفصيلها‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬ترزية‭ ‬النسب؛‭ ‬لأن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالمشكلة‭ ‬نصف‭ ‬الحل،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬عليها‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬وطنية‭ ‬جادة‭ ‬لاستيعاب‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أعتى‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تعصف‭ ‬بالمجتمعات‭. ‬وهذا‭ ‬الميدان‭ ‬يا‭ ‬حميدان‭.‬