40 عامًا من الجنون الثوري (2)

| سالم الكتبي

سقط‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬حفره‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬كي‭ ‬يشغل‭ ‬الباحثين‭ ‬والساسة‭ ‬بفكرة‭ ‬الإصلاحيين‭ ‬والمحافظين،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تبادل‭ ‬مدروس‭ ‬للأدوار،‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بجدارة،‭ ‬فتارة‭ ‬نرى‭ ‬ارتفاع‭ ‬منسوب‭ ‬التفاؤل‭ ‬الدولي‭ ‬والإقليمي‭ ‬بتوجهات‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني،‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬تأتي‭ ‬انتكاسة‭ ‬تبدد‭ ‬أجواء‭ ‬التفاؤل‭ ‬الوهمي‭ ‬الذي‭ ‬خيم‭ ‬على‭ ‬أفكار‭ ‬من‭ ‬ينتظرون‭ ‬خيراً‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬لا‭ ‬يكف‭ ‬عن‭ ‬السعي‭ ‬لتوسيع‭ ‬نفوذه‭ ‬عبر‭ ‬إثارة‭ ‬الفتن‭ ‬والاضطرابات‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬اعترافه‭ ‬بكل‭ ‬المبادئ‭ ‬والقوانين‭ ‬والأعراف‭ ‬التي‭ ‬تأسس‭ ‬بموجبها‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬القائم،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬احترام‭ ‬سيادة‭ ‬الدول‭ ‬والالتزام‭ ‬بحسن‭ ‬الجوار‭.‬

قد‭ ‬يجادل‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬لكن‭ ‬الموضوعية‭ ‬تقول‭ ‬إنه‭ ‬لو‭ ‬احتكمنا‭ ‬للواقع‭ ‬سنرى‭ ‬العجب،‭ ‬فهل‭ ‬يعقل‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أربعين‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬ثورة‭ ‬ترفع‭ ‬شعارات‭ ‬إسلامية‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬قادتها‭ ‬في‭ ‬احتلال‭ ‬أراضي‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬مجاورة،‭ ‬وأقصد‭ ‬هنا‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإيراني‭ ‬للجزر‭ ‬الإماراتية‭ ‬الثلاث‭ (‬طنب‭ ‬الكبرى‭ ‬وطنب‭ ‬الصغرى‭ ‬وأبوموسى‭) ‬بل‭ ‬يرفضون‭ ‬كل‭ ‬سبل‭ ‬تسوية‭ ‬القضية‭ ‬سلمياً‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬التفاوض‭ ‬الجاد‭ ‬المباشر‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬إحالة‭ ‬القضية‭ ‬للتحكيم‭ ‬الدولي؟‭ ‬وهل‭ ‬يعقل‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬على‭ ‬ثورة‭ ‬ترفع‭ ‬شعارات‭ ‬إسلامية‭ ‬أن‭ ‬يتباهى‭ ‬قادتها‭ ‬باحتلال‭ ‬أربع‭ ‬عواصم‭ ‬عربية‭ ‬وتشريد‭ ‬ملايين‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬ديارهم‭ ‬ودفعهم‭ ‬للجوء‭ ‬والنزوح؟‭ ‬وهل‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬تتعهد‭ ‬ميلشيات‭ ‬طائفية‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬طائفي‭ ‬بأن‭ ‬تستمر‭ ‬في‭ ‬احتلال‭ ‬مناطق‭ ‬ودول‭ ‬مجاورة‭ ‬وتتعهد‭ ‬بألا‭ ‬تسحب‭ ‬ميلشياتها‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬دولة؟

يقول‭ ‬نائب‭ ‬قائد‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني،‭ ‬العميد‭ ‬حسين‭ ‬سلامي‭ ‬بمناسبة‭ ‬ذكرى‭ ‬الثورة‭ ‬إنه‭ ‬“لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يطلب‭ ‬منا‭ ‬العدو‭ ‬الرحيل‭ ‬عن‭ ‬المنطقة،‭ ‬هم‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يغادروا،‭ ‬سنساعد‭ ‬أي‭ ‬مسلم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬بالعالم”،‭ ‬ونريد‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬ما‭ ‬طبيعة‭ ‬المساعدة‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬لملايين‭ ‬المسلمين‭ ‬الذين‭ ‬تشردوا‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬وطردوا‭ ‬من‭ ‬مدنهم‭ ‬بسبب‭ ‬مخططات‭ ‬إعادة‭ ‬الهندسة‭ ‬الديموغرافية‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المدن؟‭ ‬وماذا‭ ‬استفاد‭ ‬ملايين‭ ‬اليمنيين‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬والاضطرابات‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬فيها‭ ‬ميلشيات‭ ‬الحوثي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬بدعم‭ ‬وتحريض‭ ‬إيراني‭ ‬تام؟

لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أربعين‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ ‬أن‭ ‬ينتظر‭ ‬عاقل‭ ‬بلوغ‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬سن‭ ‬الرشد‭ ‬السياسي،‭ ‬فما‭ ‬فات‭ ‬كان‭ ‬كفيلاً‭ ‬بعقلنة‭ ‬السلوك‭ ‬السياسي،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬بوادر‭ ‬على‭ ‬حدوثه،‭ ‬فملالي‭ ‬إيران‭ ‬لا‭ ‬يعترفون‭ ‬بمنطق‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬الأساس‭ ‬كي‭ ‬يقوموا‭ ‬ببناء‭ ‬دولة‭ ‬حقيقية‭. ‬“إيلاف”‭.‬