السعودية وباكستان... 7 عقود من التحالف الإستراتيجي (2)

| خالد عبدالعزيز النزر

بدأت‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬وباكستان‭ ‬والشعبين‭ ‬الشقيقين‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1943م‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬تأسيس‭ ‬دولة‭ ‬باكستان‭ ‬نفسها،‭ ‬وذلك‭ ‬عندما‭ ‬عانت‭ ‬البنغال‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الهند‭ ‬البريطانية‭ ‬من‭ ‬مجاعة‭ ‬عرضت‭ ‬سكانها‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬والتهديدات،‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬جناح‭ (‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬باكستان‭) ‬إلى‭ ‬مناشدة‭ ‬الدول‭ ‬الأجنبية‭ ‬لإنقاذ‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬البنغال،‭ ‬فكان‭ ‬الملك‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬هب‭ ‬للنجدة‭ ‬والمساعدة‭. ‬

ثم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وكما‭ ‬يتذكر‭ ‬جيداً‭ ‬بعض‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬الباكستانيين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬أحياء‭ ‬يرزقون،‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عندما‭ ‬قدم‭ ‬الوفد‭ ‬السعودي‭ ‬نظيره‭ ‬الباكستاني‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1946‭ ‬برئاسة‭ ‬ميرزا‭ ‬أبوالحسن‭ ‬اسبهاني،‭ ‬وكان‭ ‬يقود‭ ‬الوفد‭ ‬السعودي‭ ‬الأمير‭ ‬فيصل‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬وقتها،‭ ‬كما‭ ‬قدم‭ ‬الجانب‭ ‬السعودي‭ ‬وفد‭ ‬حركة‭ ‬باكستان‭ ‬شخصيا‭ ‬إلى‭ ‬معظم‭ ‬رؤساء‭ ‬وفود‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬والذي‭ ‬نقل‭ ‬تفاصيل‭ ‬مطالب‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬البريطانية‭ ‬وقرار‭ ‬تسمية‭ ‬باكستان،‭ ‬وكانت‭ ‬السعودية‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬اعترفت‭ ‬بباكستان‭ ‬كدولة‭ ‬مستقلة‭ ‬ذات‭ ‬سيادة،‭ ‬وقد‭ ‬كرمت‭ ‬باكستان‭ ‬السعودية‭ ‬والملك‭ ‬فيصل‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬بتسمية‭ ‬مدينة‭ ‬“ليالبور”‭ ‬باسم‭ ‬“فيصل‭ ‬أباد”‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬للجيش‭ ‬الباكستاني‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬وتدريب‭ ‬الجيش‭ ‬السعودي،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬للسعودية‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الجيش‭ ‬والقوة‭ ‬الباكستانية،‭ ‬خصوصا‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالسلاح‭ ‬النووي‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬الأجنبية،‭ ‬أما‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬السياسية‭ ‬فإن‭ ‬السعودية‭ ‬كانت‭ ‬داعماً‭ ‬رئيساً‭ ‬ودائماً‭ ‬لباكستان‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬خلافها‭ ‬مع‭ ‬الهند‭ ‬على‭ ‬إقليم‭ ‬كشمير،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬انفصال‭ ‬بنغلادش،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬العقوبات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬على‭ ‬باكستان‭ ‬حيث‭ ‬وقفت‭ ‬معها‭ ‬السعودية‭ ‬وكانت‭ ‬تمولها‭ ‬مجانا‭ ‬بخمسين‭ ‬ألف‭ ‬برميل‭ ‬نفط‭ ‬يومياً‭. ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬السعودية‭ ‬شكلت‭ ‬مصدراً‭ ‬ثابتا‭ ‬للعملات‭ ‬الصعبة‭ ‬في‭ ‬باكستان‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحويلات‭ ‬العمالة‭ ‬الباكستانية‭ ‬في‭ ‬السعودية،‭ ‬ويقترب‭ ‬عددهم‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬حالياً،‭ ‬وشاركت‭ ‬العمالة‭ ‬الباكستانية‭ ‬بصدق‭ ‬وفاعلية‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التنمية‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬المملكة،‭ ‬خصوصا‭ ‬التوسع‭ ‬الضخم‭ ‬في‭ ‬المسجد‭ ‬الحرام‭ ‬والمسجد‭ ‬النبوي‭.‬

إذا‭ ‬هي‭ ‬سبعة‭ ‬عقود‭ ‬تطورت‭ ‬خلالها‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬باكستان‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬ولم‭ ‬يعكر‭ ‬صفوها‭ ‬سوى‭ ‬التغييرات‭ ‬المتكررة‭ ‬في‭ ‬الحكومات‭ ‬الباكستانية،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬برئاسة‭ ‬عمران‭ ‬خان‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬زيارة‭ ‬خارجية‭ ‬له‭ ‬للسعودية،‭ ‬بدأت‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬باسترجاع‭ ‬وهج‭ ‬العلاقة‭ ‬القوية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬وكذلك‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬السعودي‭ ‬الشاب‭ ‬الطموح‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬استجاب‭ ‬بإيجابية‭ ‬كبيرة‭ ‬وعملية‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭.‬

فهذه‭ ‬الزيارة‭ ‬تأتي‭ ‬لدفع‭ ‬العلاقات‭ ‬نحو‭ ‬آفاق‭ ‬أوسع،‭ ‬تأكيدا‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬دور‭ ‬باكستان‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والتحالف‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬جدول‭ ‬الأعمال‭ ‬لقاء‭ ‬خاص‭ ‬بين‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬السعودي‭ ‬ورئيس‭ ‬أركان‭ ‬الجيش‭ ‬الباكستاني،‭ ‬إضافة‭ ‬لصفقات‭ ‬استثمارية‭ ‬وصلت‭ ‬قيمتها‭ ‬لعشرين‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬شملت‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬التفاهمات‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬التكرير‭ ‬والبتروكيماويات،‭ ‬والطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬والتعدين،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقية‭ ‬لتزويد‭ ‬باكستان‭ ‬بالزيت‭ ‬الخام‭ ‬والمنتجات‭ ‬البترولية‭ ‬بهدف‭ ‬تأمين‭ ‬احتياجاتها‭ ‬من‭ ‬الوقود‭.‬