الذوق أولًا

| زهير توفيقي

هناك‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ ‬“الممارسات‭ ‬الخاطئة”،‭ ‬وهي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬نمارسها‭ ‬ونُطبقها‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية،‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬ننظر‭ ‬إليها‭ ‬باعتبارها‭ ‬من‭ ‬حقوقنا،‭ ‬ثم‭ ‬نُحاول‭ ‬بحُسن‭ ‬نية‭ ‬أن‭ ‬نفرضها‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬بحكم‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬نحن‭ ‬كأشخاص،‭ ‬وليس‭ ‬بما‭ ‬يراه‭ ‬القانون‭. ‬وإذا‭ ‬سلمنا‭ ‬بالأمر‭ ‬الثاني‭ ‬فهذه‭ ‬مصيبة‭ ‬كبيرة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬سوى‭ ‬أننا‭ ‬ارتضينا‭ ‬ثقافة‭ ‬الغاب،‭ ‬وغيبنا‭ ‬دولة‭ ‬المؤسسات‭ ‬والقانون،‭ ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬يدفعني‭ ‬لطرح‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬أنني‭ ‬لاحظت‭ ‬كما‭ ‬لاحظ‭ ‬غيري،‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬المنازل‭ ‬أصبحوا‭ ‬اليوم‭ ‬يفرضون‭ ‬طوقاً‭ ‬من‭ ‬الحواجز‭ ‬حول‭ ‬بيوتهم‭ ‬بهدف‭ ‬منع‭ ‬مركبات‭ ‬الجيران‭ ‬من‭ ‬الوقوف‭ ‬بمحاذاة‭ ‬منازلهم‭ ‬أو‭ ‬بالقرب‭ ‬منها‭!‬

ورغم‭ ‬تفهمي‭ ‬لذلك،‭ ‬واقتناعي‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬ربما‭ ‬يعود‭ ‬لمحدودية‭ ‬المواقف،‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬الأزقة‭ ‬التي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬مزدحمة‭ ‬بالمناطق‭ ‬السكنية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يبرر‭ ‬أبداً‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬تلك‭ ‬المواقف‭ ‬تعتبر‭ ‬ملكية‭ ‬عامة‭ ‬وليست‭ ‬تابعة‭ ‬لأصحاب‭ ‬المنازل،‭ ‬وحسب‭ ‬معلوماتي‭ ‬فإن‭ ‬القيام‭ ‬بحجز‭ ‬تلك‭ ‬المواقف‭ ‬يعتبر‭ ‬أمراً‭ ‬مخالفاً‭ ‬بحكم‭ ‬القانون‭.‬

ما‭ ‬يحدث‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬أمر‭ ‬مثير‭ ‬للاستغراب‭ ‬والاستهجان،‭ ‬فبعض‭ ‬أصحاب‭ ‬المنازل‭ ‬لم‭ ‬يكتفوا‭ ‬بوضع‭ ‬الحواجز‭ ‬أمام‭ ‬منازلهم،‭ ‬بل‭ ‬قاموا‭ ‬بإحاطة‭ ‬المنازل‭ ‬بحواجز‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الجوانب‭!‬

ربما‭ ‬نتفّق‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الطبيعي،‭ ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬الذوق،‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬أحدنا‭ ‬بإيقاف‭ ‬سيارته‭ ‬أمام‭ ‬منزل‭ ‬جيرانه‭ ‬مباشرة،‭ ‬خصوصا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قاموا‭ ‬بعمل‭ ‬مظلات‭ ‬لسياراتهم،‭ ‬ولكن‭ ‬نتفّق‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬ضير‭ ‬في‭ ‬إيقاف‭ ‬مركباتنا‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬منزل‭ ‬الجيران‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬لم‭ ‬يتسبب‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬غلق‭ ‬المنافذ‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمنزل،‭ ‬وخصوصا‭ ‬أثناء‭ ‬وجود‭ ‬المناسبات‭ ‬الخاصة‭ ‬والتجمعات‭ ‬العائلية‭.‬

من‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬تتصل‭ ‬بإدارة‭ ‬المرور‭ ‬لتبلغ‭ ‬عن‭ ‬سيارات‭ ‬جيرانها‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬مراعاة‭ ‬لحقوق‭ ‬الجيرة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يسببه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬إحراج‭ ‬لصاحب‭ ‬السيارة‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬وجيزة‭ ‬فقط‭ ‬لتلك‭ ‬العائلة‭.‬

نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬وذوق‭ ‬وأخلاق‭ ‬وتسامح‭ ‬قبل‭ ‬حاجتنا‭ ‬للجوء‭ ‬للقانون،‭ ‬وإذا‭ ‬وُجد‭ ‬القانون‭ ‬وجب‭ ‬تطبيقه‭ ‬وعلى‭ ‬الجميع،‭ ‬وصدقوني‭ ‬يمكننا‭ ‬بالأسلوب‭ ‬الراقي‭ ‬والأخلاق‭ ‬الحميدة‭ ‬والطيبة‭ ‬التي‭ ‬جُبل‭ ‬عليها‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬أن‭ ‬نُحقّق‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الود‭ ‬والتآخي‭ ‬بيننا‭ ‬كجيران‭.‬

وأورد‭ ‬هنا‭ ‬حكاية‭ ‬حدثت‭ ‬معي‭ ‬شخصياً،‭ ‬فقد‭ ‬قمت‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬بالاتصال‭ ‬بصاحب‭ ‬العمارة‭ ‬الملاصقة‭ ‬لمنزلي‭ ‬لأستأذنه‭ ‬بالوقوف‭ ‬تحت‭ ‬المظلات‭ ‬المخصصة‭ ‬للعمارة‭ ‬نظراً‭ ‬لكونها‭ ‬شاغرة‭ ‬ومواقفها‭ ‬خالية،‭ ‬ووافق‭ ‬مشكوراً‭ ‬على‭ ‬الفور،‭ ‬وأعرب‭ ‬عن‭ ‬تقديره‭ ‬لمبادرتي‭ ‬بالاتصال‭ ‬به‭ ‬والاستئذان‭ ‬منه‭.‬

يقول‭ ‬أمير‭ ‬الشعراء‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭ ‬“إنما‭ ‬الأمم‭ ‬الأخلاق‭ ‬ما‭ ‬بقيت‭.. ‬فإن‭ ‬هم‭ ‬ذهبت‭ ‬أخلاقهم‭ ‬ذهبوا‭... ‬وإذا‭ ‬أصيب‭ ‬القوم‭ ‬في‭ ‬أخلاقهم‭.. ‬فأقم‭ ‬عليهم‭ ‬مأتماً‭ ‬وعويلاً،‭ ‬صلاح‭ ‬أمرك‭ ‬للأخلاق‭ ‬مرجعة‭.. ‬فقوم‭ ‬النفس‭ ‬بالأخلاق‭ ‬تستقم”‭.‬

شاءت‭ ‬الصدف‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬كتابة‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬أن‭ ‬أقرأ‭ ‬خبرا‭ ‬مفاده‭ ‬أن‭ ‬شخصاً‭ ‬أقدم‭ ‬على‭ ‬طعن‭ ‬جاره‭ ‬عدة‭ ‬طعنات‭ ‬بقصد‭ ‬القتل‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬خلاف‭ ‬على‭ ‬موقف‭ ‬للسيارات‭! ‬فهل‭ ‬أدركتم‭ ‬الآن‭ ‬كيف‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬تتطور‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التصعيد‭.  ‬القليل‭ ‬من‭ ‬الالتزام‭ ‬وإبداء‭ ‬المرونة‭ ‬والتعاون‭ ‬والاحترام،‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يقينا‭ ‬من‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشرور،‭ ‬فما‭ ‬حدث‭ ‬أمر‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬البشاعة‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬عنف‭ ‬غير‭ ‬مبرر‭ ‬يمثل‭ ‬انتهاكاً‭ ‬صارخاً‭ ‬لروابط‭ ‬المحبة‭ ‬السائدة‭ ‬بين‭ ‬شعب‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬الغالي‭.‬