ستة على ستة

المعركة الآيديولوجية القادمة

| عطا السيد الشعراوي

يبدو‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬لن‭ ‬يهدأ‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬يراد‭ ‬له‭ ‬ألا‭ ‬يهدأ‭ ‬أبدا‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬شهده‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬تنوع‭ ‬في‭ ‬أشكاله‭ ‬وتغير‭ ‬في‭ ‬المتحكمين‭ ‬فيه‭ ‬والقابضين‭ ‬على‭ ‬أموره‭ ‬وتلاشي‭ ‬بعض‭ ‬أقطابه‭ ‬وتراجع‭ ‬رموزه،‭ ‬لكن‭ ‬تكاد‭ ‬سمة‭ ‬“الصراع”‭ ‬تكون‭ ‬الباقية‭ ‬والملازمة‭ ‬لمن‭ ‬يتحكم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النظام،‭ ‬وكأن‭ ‬عليه‭ ‬واجبا‭ ‬بأن‭ ‬يخلق‭ ‬طرفًا‭ ‬ثانيا‭ ‬ليتظاهر‭ ‬بأنه‭ ‬ينافسه‭ ‬ويحاول‭ ‬حرمانه‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬مزاياه‭ ‬أو‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬الوصول‭ ‬لأهدافه‭ ‬بما‭ ‬يستدعي‭ ‬محاربته‭ ‬ومحاولة‭ ‬إضعافه‭.‬

فرغم‭ ‬ما‭ ‬يتراءى‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬صراع‭ ‬اقتصادي‭ ‬وتنافس‭ ‬تجاري‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬وأميركا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬تقريرها‭ ‬السنوي‭ ‬خرجت‭ ‬بتوصيف‭ ‬جديد‭ ‬عندما‭ ‬اعتبرت‭ ‬أن‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مواجهة‭ ‬آيديولوجية‭ ‬عالمية‭ ‬لن‭ ‬تحتويها‭ ‬اتفاقيات‭ ‬تجارية‭ ‬ولا‭ ‬حملة‭ ‬لوقف‭ ‬استحواذ‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬أسرار‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬مثلما‭ ‬تتهمها‭ ‬واشنطن،‭ ‬محذرة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تسعى‭ ‬لإشاعة‭ ‬“رأسمالية‭ ‬مستبدة”‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الليبرالية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬للغرب‭.‬

هنا‭ ‬مكمن‭ ‬الخطورة،‭ ‬فالتنافس‭ ‬والصراع‭ ‬المادي‭ ‬يختلف‭ ‬في‭ ‬طبيعته‭ ‬عن‭ ‬الصراع‭ ‬الفكري‭ ‬والآيديولوجي،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬الأول‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬وجود‭ ‬علاقات‭ ‬بين‭ ‬المتنافسين‭ ‬مهما‭ ‬انخفضت‭ ‬أو‭ ‬ارتفعت‭ ‬درجتها،‭ ‬فإن‭ ‬الثاني‭ ‬ينذر‭ ‬بالابتعاد‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬والعزلة‭ ‬بينهما،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الأول‭ ‬يدفع‭ ‬إلى‭ ‬التحرك‭ ‬والنشاط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كسب‭ ‬الصراع‭ ‬بتحقيق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأرباح‭ ‬وإقامة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأسواق‭ ‬والعلاقات،‭ ‬فإن‭ ‬الثاني‭ ‬يدفع‭ ‬أكثر‭ ‬إلى‭ ‬التحرك‭ ‬للإضرار‭ ‬بالطرف‭ ‬الآخر‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يؤذي‭ ‬هذا‭ ‬الطرف‭.‬

في‭ ‬فترة‭ ‬سابقة،‭ ‬وبعد‭ ‬الانتصار‭ ‬في‭ ‬“المعركة”‭ ‬ضد‭ ‬الشيوعية،‭ ‬حاولت‭ ‬بعض‭ ‬الأقلام‭ ‬الغربية‭ ‬صناعة‭ ‬الخوف‭ ‬وإثارة‭ ‬الذعر‭ ‬من‭ ‬“الإسلام”‭ ‬كخطر‭ ‬قائم‭ ‬وقادم‭ ‬على‭ ‬الليبرالية‭ ‬الغربية‭ ‬وقيمها‭ ‬ومبادئها‭ ‬وكثر‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الصدام‭ ‬المتوقع‭ ‬بين‭ ‬الحضارات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬النجاح‭ ‬الكافي‭ ‬مع‭ ‬ازدياد‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬والغرب‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬جوانب‭ ‬الحياة‭. ‬ولكن‭ ‬الموضوع‭ ‬سيختلف‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الصين‭ ‬التي‭ ‬تسير‭ ‬بخطى‭ ‬متسارعة‭ ‬وواسعة‭ ‬نحو‭ ‬التفوق‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬نموذجًا‭ ‬جديرًا‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬منافسًا‭ ‬للغرب‭.‬